هند خليفة تحتفل الشعوب اليوم الاثنين ب"عاشوراء"، الذي يوافق العاشر من شهر مُحرم، وتختلف مظاهر الاحتفال به من دولة لأخرى لأن هذا اليوم قد شهد العديد من الأحداث، فبحسب مؤرخين نجا الله في هذا اليوم نوحا وأنزله من السفينة، وفيه أنقذ الله نبيه إبراهيم من نمرود، وفيه رد الله يوسف إلى يعقوب، وهو اليوم الذي أغرق الله فيه فرعون وجنوده ونجا موسى وبني إسرائيل، وفيه غفر الله لنبيه داود، وفيه وهب سليمان ملكه ، وفيه أخرج نبي الله يونس من بطن الحوت، وفيه رفع الله عن أيوب البلاء، وكانت المناسبة التي لا جدال بشأنها هي حادث استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه الذي يلقب ب"سيد الشهداء"، حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وثالث أئمة آهل البيت. القصة وراء صيام المسلمين واليهود في ذلك اليوم اختلفت الروايات في أصل صوم عاشوراء حيث تناقلت بعض كتب أهل السنة والجماعة ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم صامه عندما علم أن يهود المدينة يصومونه، ورفض البعض هذه الرواية لاختلاف عاشوراء اليهود عن عاشوراء المسلمين وهناك الكثير من القصص التي تبين سبب صيام يوم عاشوراء أشهرهما قصتان قديمتان يرتبطان ببني إسرائيل، صام بني إسرائيل ذلك اليوم شكر لله تعالي لأنه نجي النبي موسى عليه السلام من فرعون وجنوده، يذكر أن فرعون في ذلك اليوم قام بملاحقة بني إسرائيل مع نبيهم موسى ضمن سياسته في القضاء علي الدعوة أو الرسالة التي جاء بها نبي الله، وأمام ملاحقة فرعون أمر موسى علية السلام قومه بالخروج هرباً من فرعون الذي تبعهم إلى أن وصلوا إلى البحر الذي إنفلق إلى طوضين عظيمين لموسى علية السلام بأمر من الله بعد أن ضربه بالعصا، وعبر هو وقومه إلى الطرف الثاني وعندما لحقهم فرعون من نفس الطريق ظنا بأنه سوف ينجوا أمر الله البحر ليرجع إلى هيئته الأولي أثناء وجوده فكان غرق فرعون ونجاة موسى وقومه، ومنذ ذلك اليوم الذي يعود إلى آلاف السُنيين واليهود يصومونه شكرا لله الذي أنجاهم من فرعون وجنوده. القصة الثانية التي تعبر عن صيام المسلمين ليوم عاشوراء ترتبط بالقصة الأولي ولكنها حدثت في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث ذكر أن الرسول أثناء هجرته من مكة وجد اليهود يحتفلون ويصومون اليوم الذي نجي الله به موسى وقومه عندما وصل إلى المدينة، مع العلم أن الرسول كان يصوم ذلك اليوم قبل علمه بأن اليهود يصومونه، فسأل عن سبب ما يفعلون فأجابه أحدهم قائلاً: "ذلك يوم صالح يوم نجي الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى شكراً لله فلذلك هم يصومون ويحتفلون"، فرد الرسول صل الله عليه وسلم "نحن أولى بموسى عليه السلام منهم" فصامه وأمر بصيامه، فلذلك صامه المُسلمون لصيام النبي المصطفي صلوات الله عليه، وذكر أن في هذا اليوم كان نجاة نبي الله نوح عليه السلام، وان موسى كان يصوم هذا اليوم شكراً لله على نجاة نوح من الطوفان. احتفال اليهود بعاشوراء "عيد الغفران" لم تقتصر الاحتفالات في هذا اليوم على المسلمين فقط، فلهذا اليوم قداسه لدى اليهود أيضاً فيسمونه يوم "كيبور" وهو أحد أيام التوبة العشرة والتي تبدأ بيومي رأس السنة، أو كما يطلق عليه بالعبرية "روش هاشناه"، وتنتهي بيوم كيبور وهو خصص للصلاة والصيام فقط، كما يقوم اليهود في هذا اليوم بالمشي حفاة الأقدام وينتقلون من مكان إلى مكان للصلاة، كما أنهم لا يكتبون بالقلم ولا يشغلون سياراتهم ولا يضيئون الأنوار لأن ذلك حسب اعتقادهم محرم في يوم كهذا إذ يعتبر يوم كيبور أو يوم الغفران أعظم يوم لدى اليهود وهو يوم يجب فيه التفرغ للندم. ومن أبرز مظاهر الاحتفال بهذا العيد لدى اليهود ما يسمونه ب"الخلاص" أو التخلص من الذنوب عن طريق تلقى ضربات خفيفة على الظهر أمام أحد الحمامات الطقسية الموجودة بأعلى تلال القدس.
الشيعه يبكون ويلطمون على مقتل سيد الشباب
يعد هذا اليوم يوم حزن على الشيعة ففيه وقعت الفاجعة الأليمة بمقتل الحسين وآل بيته ظلماً، وبعد منع الماء عنه وعن أهله أثناء حصارهم لمدة ثلاثة أيام، ليتم بعدها قتله على يد يزيد بن معاوية عام 680 ميلادية . وللشيعة طقوسٌ وشعائر خاصة يقومون بها طيلة الأيام العشر الأولى من محرم، للتفكر بالحدث الجلل، ومن أهم تلك الطقوس زيارة ضريح الحسين، لإضاءة الشموع وسرد قصة مقتله هو وآل بيته، والبكاء واللطم فور سماعها تعبيراً عن حزنهم وألمهم العميق لحدوثها، ويقومون بالإنصات لقصائد تحكي تلك المأساة، ومواعظ تحكي قصة استشهاد الحسين وأهله، والمعاناة التي تلقاها هو وأهله قبل استشهادهم من تعذيبٍ وحصارٍ وحرمان، وتلك التضحية العظيمة التي قدمها في سبيل الإسلام ودرء الفتن التي تسببت في قتله . ووصف الحسين بن علي بأنه يعتبر رمزاً للنضال ضد الإضطهاد والظلم والطغيان ، ويقوم الشيعة بتوزيع المياه بكثرة ، للتذكير بحرمان الحسين من الماء لأيام وهو جاثمٌ وسط الصحراء في كربلاء، بالإضافة إلى إشعال النيران والتي ترمز للحرارة العالية في تلك الصحراء، ويقوم البعض بتمثيل الواقعة وأحداثها والتي أودت بحياة الحسين وآل بيته في نهايتها، ويقومون بعمل (موكب الحسين)، وذلك عن طريق تمثيل حادثة مقتله جماهيرياً، ويقومون بما تسمى بعمليّة (التطبير)، أي ضرب أنفسهم حتى تسيل دماؤهم مواساةً للحسين، وأيضاً يضربون أنفسهم بالسلاسل، ويرون أن صيام هذا اليوم مكروهاً، ويكتفون فيه بالامتناع عن الماء، تشبها بعطش الحسين وآل بيته في ذلك اليوم.
عاشوراء عيد مصري قديم ذكر كتاب "لغز الحضارة المصرية" أن عاشوراء هو عيد مصري قديم يرجع إلى الدولة القديمة في أواخر عصر الأهرام، وكان من بين أعياد منف الدينية وكانوا يطلقون عليه عيد "طرح بذور القمح المقدس" ويقع فى اليوم العاشر من شهر نوبي (طوبة) أول شهور الفصل الثاني من فصول السنة (فصل برت – البذر) . وقال الكتاب أن قدماء المصريين كانوا يحتفلون بعيد عاشوراء بإعداد مختلف الأطعمة التقليدية الخاصة به والتي كانت تصنع جميعها من القمح وفى مقدمتها صحن عاشوراء، فكانت البليلة تصنع في قدور خاصة، وكذلك كعك عاشوراء الخاص ويصنع من القمح وعسل النحل وكان يصنع على شكل القمحة أو السنبلة وتوضع في وسط الكعكة قمحة رمزا للخير.
وتختلف طقوس ومظاهر الاحتفال ب"عاشوراء" في الدول العربية، فإن بعض الدول تسمح بالتشيع كالعراق وإيران ويقومون ببعض الطقوس التي تعبر عن حزنهم على مقتل الإمام الحسين، وأخرى سُنيه لا تسمح للشيعة القيام بطقوسهم ويكتفون فقط بالصيام أسوة بالرسول (صلى الله عليه وسلم) بالإضافة إلى بعض الطقوس الأخرى التي تعبر عن الفرحة. مصر السُنية ومحاولات الشيعة للاحتفال بعاشوراء ظهرت في مصر السُنية لأول مرة ما يسمى باحتفالات عاشوراء الشيعية في عام 2011، حيث تجمع نحو 1000 شيعي من مختلف المحافظات، ووفد من الشيعة العراقيين، لإحياء ذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه في كربلاء، وقامت قوات الأمن بإلقاء القبض على قيادات الشيعه قبيل بدء الاحتفالات بمسجد الحسين وحاولوا خلال الأيام العشر الأولى من شهر محرم قيام مجالس العزاء في مقتل الحسين رضي الله عنه بعدد من محافظات الجمهورية، وعقد مجلس العزاء الأكبر بمسجد الحسين في اليوم العاشر من محرم، وشارك فيه عدد من الأشراف والصوفية. يعد ''طبق العاشورا'' هو السمة المميزة لهذا اليوم بمصر، وهو في الأصل خليط من حبوب قمح ''البليلة'' المخلوطة بالحليب والسكر والنشأ، بالإضافة إلى الصوم والتواشيح فهما سمة غالبة في بيوت ومساجد مصر، اقتداءُ بسنة الرسول ''محمد - صل الله عليه وسلم''.
المغرب يرشون المياه ويعرضون البضائع في المغرب يسمى هذا اليوم بيوم ( زمزم )، حيث يقومون برش المياه على بعضهم البعض وعلى ما يملكون تبركاً بهذا اليوم، ويحاول التجار عرض كل بضائعهم وبيعها خلاله، ويعقب هذا اليوم ( ليلة الشعالة )، ليتحلقون حول النار مرددين الأهازيج التي تحكي بعضها قصة مقتل الحسن والحسين، دون الإشارة إلى اسمائهم، بل يطلق عليهما اسم ( عاشور )، لتتخللها النياحة وأهازيج أخرى، وتقوم الأسر بتقديم الزكاة للفقراء.
الجزائر نساء تخضب ايديها بالحنة وأخريات يقطعن شعرهن تختص العائلات الجزائرية يوم عاشوراء باحتفالات مميزة وعادات وتقاليد تنفرد بها عن غيرها من الأمم كتوزيع الحلويات وتخضيب أيديهم بالحناء، وإعداد طعام خاص بيوم عاشوراء يكون عادة "شخشوخة البساكرة" أو"التريد"، اقتناء الحلويات "القشقشة" كما تسمى في مدن الشرق و"التراس" في العاصمة، تخضيب اليدين والرجلين بالحناء بالنسبة إلى الفتيات اللواتي تأخر زواجهن مع إبداء مظاهر البهجة والفرحة. وهناك عادات لطائفة أخرى تبدي الحزن على مقتل حفيد الرسول - صلى الله عليه وسلم- تقبل عليها النساء الجزائريات من دون علم منهن، كتقطيع شعرهن والامتناع عن ممارسة أشغال المنزل، فبعد مقتل الحسين بن علي في معركة كربلاء شقت النساء ثيابهن وقطعن شعرهن ومازال هذا الطقس متبعا حتى يومنا هذا لدى الشيعة.
العراق.. بكاء على ''سيد الشباب'' و ''القيمة'' بدلًا من الحلوى في العراق يتحول الاحتفال من هدوء وصمت الصيام كما هو عند السُنه، إلى بكاء ونحيب على ''مصائب حلت على آل بيت النبي''، وتجديد الولاء للإمام ''عليّ'' وآل بيته، وتعتبر عاشوراء هي "القيمة" بديلًا عن الحلوى في هذا اليوم خاصة في مطابخ بيوت الشيعة الجعفرية العراقية، وهي تشبه ''الفتة'' وتتكون من ''الأرز واللحم والحمص''، في حين أن أكل الحلوى ''عيب'' ويتنافى مع طبيعة هذا اليوم في الثقافة هناك.
السعودية .. احتفال سري بتلاوة القرآن ''المذهب السني'' هو المعترف به رسميًا على أراضي المملكة العربية السعودية، فضلاً عن وجود سيطرة ثابتة لرجال ''هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر'' المنتهجة للسلفية الأصيلة، إلا أن ثمة احتفالات على نطاق ضيق تحدث داخل بيوت ''شرق المملكة'' لاسيما في ''القطيف والإحساء''، حيث يتواجد معتنقي ''المذهب الشيعي''، ويكون الاحتفال بتلاوة القرآن وإلقاء الدروس عن سيرة النبي وآل بيت ''الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء''.
البحرين والكويت.. ''عائشة والزهراء'' أيقونات الاحتفال الاحتفالات في دولتي البحرين والكويت تتسم بالتناغم الشديد، فبينما ينتشر اتباع المذهب الشيعي فيهما وإحياء ذلك اليوم بطقوس خاصة محببة إلى نفوسهم، يتجاور معهم ''أهل السنة''، ولهم طريقة مختلفة في الاحتفال، إلا أن متبعي المذهبين الإسلاميين اتفقوا على ''حب آل البيت''. بيوت ''السنة'' تقضي نهارها في الصيام وتلاوة القرآن الكريم، وتختتمه بدروس دينية ومديح آل البيت وقراءة أحاديث منسوبة إلى السيدة ''عائشة - رضي الله عنها''، في حين أن حب ''الزهراء فاطمة'' يطغى على كل حب لدى ''الشيعة''، وتعتبر ''سيدة أهل الجنة'' هي الشخصية النسائية الأشهر على الإطلاق، لذا يتبركون بها ويرجون شفاعتها ورفقتها وأبيها الرسول في الجنة.