وقد جرت عادتهم في هذا الموسم أن يقوموا بذبح الطيور وأطايب الطعام.. كما يقومون بطبخ حبوب القمح التي ما يزال المصريون يجهزونها حتي اليوم باسم »عاشوراء« ويتهادون بها يتساءل البعض عن سبب احتفال المسلمين بعاشوراء وقد قيل إنه اليوم الذي تقابل فيه آدم وحواء لأول مرة بعد طردهما من الجنة. وقيل إنه اليوم الذي خرج فيه نوح من سفينته ومنها أنه اليوم الذي نجا موسي عليه السلام من فرعون ومنها أيضا أن العرب كانوا يصومون هذا اليوم قبل الإسلام وظل المسلمون الأوائل يصومونه ولكن السبب الأكبر لتقديس المسلمين لهذا اليوم هو أنه استشهد فيه الحسين رضي الله عنه ثم تغير احتفالهم به من احتفال حزن الي احتفال فرح عند السنيين ابتداء من العصر الأيوبي. ولقد صاحبت الإحتفالات بعاشوراء بعض البدع من بينها أن بعض العامة كانوا يعتقدون أن الجن يزورون بعض الناس في إحدي الليالي العشر من المحرم وفي اعتقادهم أن الجن يظهرون أحياناً علي هيئة سقا يسمي» سقا العشر «وأحياناً أخري علي هيئة بغلة تسمي »بغلة العشر« فإذا ظهر الجني في شكل سقا فإنه يطرق باب النائم بعد منتصف الليل فيسأل هذا: من بالباب فيجيبه انا السقا أين افرغ القربة؟ فيقول له: أفرغ القربة في الجرة وبعد خروجه يجد صاحب المنزل الموعود الجرة ملأي بالذهب. ففي اليوم العاشر من شهر المحرم يحتفل المسلمون في مصر بيوم عاشوراء، وقد جرت عادتهم في هذا الموسم أن يقوموا بذبح الطيور وأطايب الطعام.. كما يقومون بطبخ حبوب القمح التي ما يزال المصريون يجهزونها حتي اليوم باسم »عاشوراء« ويتهادون بها كذلك كان من عادة الناس في يوم عاشوراء ان يتبخروا بالبخور الذي يخزنونه طوال السنة لهذه المناسبة وكانوا يعتقدون ان السجين اذا بخر بهذا البخور خرج من سجنه وان هذا البخور يبريء من العين والحسد. وفي هذا اليوم تتزايد اعداد وزار مسجد الحسين وزين العابدين، كما تخصص مسجد عمرو بن العاص للنساء اللاتي يمكثن به طوال اليوم ويتمسحن بالمنبر والجدران تحت اللون الاخضر ويرجع الاحتفال بيوم عاشوراء الي الدولة القديمة في أواخر عهد بناة الاهرام وكان بين أعياد »منف« الدينية وكانوا يطلقون عليه اسم »عيد طرح بذور القمح المقدس« ويقع في يوم 81 يناير في اليوم العاشر من شهر توبي »طوبة« أو شهور الفصل الثاني من فصول السنة »فصل بذر البذور« وكان المصريون القدماء يحتفلون بعيد عاشوراء بإعداد مختلف الاطعمة التقليدية الخاصة به والتي تصنع جميعها من القمح المعد للبذر. وفي مقدمتها صحن عاشوراء ولا تختلف صناعته وطريقة اعداده وتقديمه عما هو متبع حاليا ثم البليلة التي كانت تصنع في قدور خاصة ولا تزال حتي الان من الاطعمة الشعبية المتوارثة.. ثم كعك عاشوراء الخاص ويصنع من القمح وعسل النحل وكان يصنع علي شكل القمحة أو السنبلة وتوضع في وسط الكعكة قمحة رمزا للخبز. وقد صادف يوم عاشوراء اليوم العاشر من تشري »أول السنة العبرية« وفيه امر موسي قومه بالصيام تكفيرا عن ذنب خروجهم عن طاعة الله وعبادتهم للعجل الذهبي في الوادي المقدس عند جبل الوصايا وهو »عيد البكور« واخذ العرب في الجاهلية عادة الاحتفال بعاشوراء والصوم عن قوم موسي وعندما نزل الوحي علي محمد صلي الله عليه وسلم وأمره الله بالدعوة الي الاسلام بدأ بقبيلة قريش. وقد طالب النبي المسلمين بالصيام في يوم عاشوراء والاحتفال به ويحتفل الشيعة ايضا بعيد عاشوراء لان سيدنا الحسين قتل في يوم عاشوراء.. كما ان بعض البلاد الاسيوية القديمة كانت تحتفل به ايضا في نفس اليوم المقدس الذي زرع فيه سيدنا نوح عليه السلام القمحة في الارض بعد الطوفان. لقد صاحبت عاشوراء بعض العادات خاصة التوسعة علي العيال وذبح الطيور وإقامة الموائد وطبق عاشوراء.. وعلل العامة هذه التوسعة فقرنوا بين لفظ توسعة ولفظ تاسوعا وهو اليوم السابق لعاشوراء مع أن اللفظين من اصلين مختلفين ولا علاقة بينهما إلا التشابه في الحروف.. وكانت صفة الاحتفال في العصر الفاطمي ان يحتجب الخليفة عن الناس وفي أول النهار يركب قاضي القضاة والشهود بملابس عادية ويذهبون الي المشهد الحسيني فإذا جلسوا فيه ومعهم قراء الحضرة والمتصدرون في الجوامع جاء الوزير فجلس في الصدر، وعلي جانبيه القاضي داعي الدعاة ويبدأ القراء في قراءة القرآن ثم ينشد جماعة من الشعراء شعرا في رثاء اهل البيت عليهم السلام وذلك لمدة ثلاث ساعات يستدعون بعدها الي القصر فيدخل قاضي القضاة وداعي الدعاة ومن معهما الي باب الذهب فيجدون الدهاليز قد فرشت بالحصر بدل السجاد. فاذا اكتمل هذا الجمع بدأ القراء يقرأون والمنشدون ينشدون للمرة الثانية ثم تمد موائد تسمي سماط الحزن لانه يختلف عن اسمطة الافراح والاعياد فلا تقدم فيه الحلوي والاطعمة الفاخرة. وانما تقدم فيه الف زبدية من العدس الاسود المصفي والملوحات والالبان والخبز والفطير المصنوعات من الشعير.. وقد غير لونهما قصدا ويدعي الحضور والناس للاكل من هذا السماط وفي ذلك الوقت يمر النواح بالاسواق يرفعون اصواتهم بالبكاء والنحيب والانشاد وعندما انتهي العصر الفاطمي وبدأ العصر الايوبي السني تغيرت طريقة الاحتفال بهذا اليوم واعتبر ملوك بني أيوب هذا اليوم فرحا وسرورا يوسعون فيه علي عيالهم ويكثرون من الاطعمة الفاخرة ويصنعون الوان الحلوي ويكتحلون، وذلك جريا علي عادة اهل الشام التي سنها لهم الحجاج في ايام عبدالملك بن مروان ليرغموا بذلك انوف الشيعة. وظل هذا التقليد. وهو الاحتفال بيوم عاشوراء علي النمط الذي رسمه العصر الايوبي- متبعا في عصر المماليك وفي العصور التالية. وبالنسبة لصيام يوم عاشوراء وردت فيه بعض الاحاديث عن النبي صلي الله عليه وسلم نذكر منها: 1- عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول »ان هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء صام ومن شاء فليفطر«. 2- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية فلما قدم المدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم صامه وأمر الناس بصيامه فلما فرض رمضان قال عليه الصلاة والسلام »من شاء صامه ومن شاء تركه«. 3- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلي الله عليه وسلم المدينة فرأي اليهود تصوم عاشوراء فقال عليه الصلاة والسلام ما هذا؟ قالوا اليهود يوم صالح نجي الله فيه موسي وبني إسرائيل من عدوهم فصامه موسي عليه السلام فقال عليه الصلاة والسلام »أنا أحق بموسي منكم فصامه وأمر بصيامه«. 4- وعن ابي موسي الاشعري رضي الله عنه قال: كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود وتتخذه عيدا فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم »صوموه أنتم« 5- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال »لما صام رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: »أي الناس« يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصاري فقال عليه الصلاة والسلام »اذا كان العام المقبل إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع- قال ابن عباس رضي الله عنهما فلم يأت العام المقبل حتي توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم »رواه مسلم وأبوداود« ومن المستحب ان يصام التاسع والعاشر والحادي عشر من المحرم.. وكذا التوسعة علي الاهل والاولاد في يوم عاشوراء دون اسراف أو خيلاء لقوله صلي الله عليه وسلم.. من وسع علي نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته.. »رواه البيهقي في الشعب وابن عبدالبر«.