يعيش مستوردو الحديد فى مصر كابوساً مزعجاً.. بارت تجارتهم بقرار واحد من وزير التجارة والصناعة والمشروعات الصغيرة منير فخرى عبد النور.. القرار صدر بطلب رسمى من أحمد عز إمبراطور الحديد أمين تنظيم الحزب الوطنى المنحل وأول قربان قدمه نظام مبارك لثورة 25 يناير. أحمد عز طلب فرض رسوم حماية ضد الحديد المستورد بحجة حماية الصناعة الوطنية، وغالى عز فى طلبه ليصل بحاجز الحماية الى 16% من سعر الطن المستورد وبحد أدنى 500 جنيه.. وهو ما حفظ ماء وجه وزير الصناعة عندما فرض رسوماً تقدر ب 7.3% بحد أدنى 290 جنيهاً على الطن المستورد..
صدر القرار الوزارى عقب موجة انخفاضات عالمية فى أسعار حديد التسليح والخامات الرئيسية لصناعته مثل الخردة والبيلت والخام المستخرج من باطن الأرض.. وهى موجة لم تستجب لها المصانع المصرية وأصرت على البيع بالأسعار المرتفعة انتظارا لقرار فرض رسوم الحماية وكأنها كانت تعلم بموعد اصدار القرار.
فى اليوم التالى للقرار خفضت شركات عز سعر الحديد بواقع 43 جنيهاً فقط فى الطن الذى يصل سعره الى 5100 جنيه.
الى هنا وتبدو اللعبة تقليدية ومستوردة من «جيمات» سوق الحديد ما قبل 25 يناير.. لكن قوى خفية قررت إضافة فصل أكثر قسوة تضمن به خروج المستوردين من سوق الحديد بشكل نهائى، ليصبح المستهلك فى مواجهة محسومة مقدما مع مصنعى الحديد وعلى رأسهم أحمد عز المسيطر على السوق والمستحوذ على أكثر من 65 % من الطاقة الإنتاجية.
كانت مراكب الحديد المستورد قد دخلت ميناء دمياط قبل صدور قرار فرض رسوم الحماية، ووصلت الحمولة التى تنتظر التفريغ فى الموانئ إلى 70 ألف طن.. معظمها حصل أصحابها على إفراج جمركى بالبضاعة قبل صدور القرار فى 14 اكتوبر.. وتم بالفعل تفريغ أجزاء من الحمولة، وتستغرق عمليات التفريغ فى بعض السفن 5 أيام، وسفن أخرى صدرت إفراجات جمركية لها ولم يتم تفريغها وتقف فى الموانئ قبل موعد صدور القرار ب 12 يوماً، تقف فى الموانئ من يوم 2 اكتوبر تحديدا.
وصل عدد قرارات الإفراج الجمركى الى 22 قرار إفراج لشحنات مملوكة ل 15 مستورداً، ومعظم المراكب مقبلة من اسواق الحديد المستورد التقليدية وهى اوكرانيا وتركيا، وسفينة واحدة مقبلة من الصين.
فوجئ المستوردون بتطبيق قرار رسوم الحماية بأثر رجعى، حتى على الشحنات التى تم تفريغها من السفن.. وتوقفت باقى عمليات التفريغ لتستمر المراكب فى عرض البحر تدفع رسوماً وإتاوات إضافة الى توقف حركة الشاحنات.
ويصل حجم البضائع المرهونة بقرار وزير المالية هانى قدرى صاحب الولاية على الجمارك الى ما يقارب ال 300 مليون جنيه بالإضافة لخسائر الرسوم الإضافية والشاحنات وتأخر تسليم البضائع للوكلاء.. وبهذا يرتفع سعر المستورد بفارق كبير عن الحديد المحلى وهو ما يهدد هذه البضائع بعدم البيع خاصة ومن المتوقع ان ترفع المصانع المحلية من طاقتها الانتاجية لإغراق السوق وحرق البضائع المستوردة وحرق المستوردين انفسهم حتى تخلو منهم الاسواق ويعود عز وأنصاره الى ألاعيبهم القديمة. فسعر طن الحديد التركى 570 دولاراً والأوكرانى 560 دولاراً والصينى 500 دولار، والصينى كمياته قليلة وسعره منخفض وهو ما يعطيه فرصة للنجاة من محرقة عز ورجاله.
غرابة ما يحدث مع مستوردى الحديد أن قرار منير فخرى عبد النور تضمن بنداً «يطبق فور صدوره» ولم ينتظر حتى نشره فى الوقائع المصرية، وهو ما أعطى فرصة لموظفى الجمارك لتفسير القرار وتطبيقه على هواهم.. وغالبا هم يغالون فى التطبيق حتى لا يطالهم الاتهام بإهدار أموال عامة.. ولم تفلح شكاوى المستوردين فى الوصول لقرار سريع يقيهم شر الغرامات والرسوم وتعطيل الشاحنات والالتزام بمواعيد التسليم للوكلاء.
الأدهى أن المالية رفضت السماح بقبول خطابات ضمان برسوم الحماية الجديدة وطلبت سدادها نقدا وهو ما يسحب السيولة من السوق، علما بأن رسم الحماية مؤقت لمدة 200 يوم وليس دائماً.. كما أن قيمة الرسوم يتم إيداعها فى حساب خاص بالبنك المركزى ولا تذهب حتى للمصانع من باب دعم الصناعة الوطنية.. وهو الباب الذى تمت من خلاله التضحية بالمستوردين وبالمستهلكين لصالح مليارديرات الحديد. عدد من المستوردين قرروا رفع دعوى قضائية لإلغاء قرار فرض رسوم الحماية، وحتى فى حالة صدور حكم وقتها سوف يكون المستوردون قد طالتهم خسائر يصعب تعويضها لتبقى السوق رهينة فى أيدى كبار مصنعى الحديد وعلى رأسهم أحمد عز.. وننتظر «الجيم» التقليدى فى سوق الحديد الذى يبرر رفع الأسعار.. ننتظر أن تخفض المصانع إنتاجها وتخفى مقاسات معينة من حديد التسليح لتعطيش السوق ورفع الأسعار ووقتها لن نجد من يقدم بدائل للمستهلكين.. فلن يجرؤ أحد- بعد اليوم- على استيراد الحديد فى بلد أحمد عز.