قليلة هي أعداد من غادروا قطاع غزة وانضموا إلى الدولة "اللا-اسلامية" في سوريا، لأسباب عديدة، لعل أبرزها صعوبة الخروج من القطاع المحاصر، لكن من بين هؤلاء برز اسم "راسم أبو جزر"، وهو قيادي سابق في كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس. كان "راسم" واحداً من أبرز عناصر القسام في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، إذ انضم للكتاب وهو لم يتجاوز ال 16 عاماً، وأضحى واحداً من الأسماء "اللامعة" على مستوى المدينة، بفعل ما كان يتميز به من قوة وإقدام خلال التصدي لتوغلات الجيش الإسرائيلي، قبل الانسحاب من القطاع عام 2005.
ويعتبر العام 2004 مفصلياً في مسيرة "راسم"، حيث تعرض لإصابات خطيرة إحداها في عينه اليمنى، خلال توغل جيش الاحتلال جنوب مدينة رفح، لكن بعد فترة وجيزة شفي وعاد إلى الميدان من جديد، واكتسب مزيداً من الثقة والمكانة في صفوف "القسام".
وخلال الصدام بين حماس وفتح عام 2007، الذي انتهى بسيطرة الحركة الإسلامية على قطاع غزة، كان لراسم دور بارز، وكان أحد الذين أوكلت إليهم مهمة السيطرة على المقرات الأمنية، عقب انسحاب عناصر السلطة الفلسطينية منهما.
الزيارة الأولى وإحدى نقاط التحول في حياة الشاب الذي لم ينل أي نصيب من التعليم، وترك مبكراً مقاعد الدراسة، كانت حين حصل على فرصة السفر إلى سوريا عام 2008 لعلاج إصابته القديمة، حيث أرسلته قيادة القسام إلى دمشق، التي كانت تستضيف المكتب السياسي لحماس.
ويقول مقربون من "راسم" أن خالد مشعل شخصياً، طلب منه البقاء في دمشق والعمل ضمن طاقم حمايته الأمنية، بعدما سمع عن قوته وجرأته، غير أنه رفض، وآثر العودة من جديد إلى غزة، التي لم يغادرها قبل ذلك منذ ولادته.
لكن نقطة التحول الأساسية بالنسبة لراسم كانت عقب عودته إلى غزة، ففي هذا الوقت كان "عبد اللطيف موسى" وهو "شيخ طبيب" يقطن في مدينة رفح أيضاً، يشكّل الخلايا الأولى لتنظيم سلفي جديد، مستخدماً منبر أحد المساجد، وهو على ما يبدو ما استهوى راسم للانضمام إليه.
تحوّل مفاجئ ترك "أبو جزر" كتائب القسام على نحو مفاجئ، وانضم للتنظيم السلفي، وخلال بضعة أشهر فقط تصاعدت قوة التنظيم وبدأ عبد اللطيف موسى، الذي لقّب نفسه ب "أبو النور المقدسي"، يُحاط خلال خطبه بشبان مسلحين، كان على رأسهم راسم، وهو أمر استفز حماس التي كانت الآمر والناهي في غزة.
لم تتغير أفكار الشاب المتحمس فقط، بل تغير شكله أيضاً، فطالت لحيته، وتغيّر شكل ملابسه، وبات أكثر شراسة واستعداداً لمقاتلة كل من يقف في طريق إقامة دولة "الخلافة" في غزة، حتى لو كان هؤلاء رفاقه وزملائه السابقين.
بطبيعة الحال لم يرق هذا الأمر لحماس، فجاءت لحظة الصدام الدامي مع "أبو النور المقدسي" ورفاقه، إذ قررت حماس التخلص تماماً من هذه المجموعة مهما كان الثمن، فيما تحصن معظم قادة "الخلافة" داخل مسجدهم بمن فيهم "راسم"، ورغم ذلك تم تدمير المسجد وقتل معظم من بداخله.
خلال العملية التي أثارت جدلاً واسعاً عام 2009، قُتل عبد اللطيف موسى والعديد من أنصاره، بينما نجا راسم وعدد آخر، فتم اعتقالهم، وبطريقة ما بعد ذلك أُفرج عن القسامي السابق، وغاب عن الأنظار قبل أن يسطع اسمه من جديد، ولكن هذه المرة في سوريا.
عودة إلى سوريا بعد اندلاع الثورة السورية وتوافد المقاتلين "الإسلاميين" إليها، تحركت غريزة القتال في دماء راسم، ونجح بالعودة من جديد إلى سوريا، ولكن هذه المرة مقاتلاً في صفوف الجماعات المتطرفة، إلى أن وجد ضالته في "داعش"، وأضحى أحد مقاتلي التنظيم الميدانيين.
لم يكتف الشاب الغزاوي بلعب دور المقاتل البسيط فقط، ونجح بعد فترة وجيزة في تشكيل "سرية" معظم أفرادها مقاتلون قدموا من غزة، وأُطلق عليها اسم "سرية أبي النور المقدسي"، وظهرت في أكثر من شريط فيديو خلال الفترة الماضية، دون الكشف عن وجوههم.
وأطلعت مصادر خاصة 24 على أن "راسم أبو جزر" هو القائد الأول لتلك السرية، وعلى ما يبدو أن ذلك الشاب يتوق الآن للعودة إلى غزة، لتحقيق أحلام معلّمه "المقدسي"، الذي سعى لإقامة إمارته في القطاع، ودفع حياته ثمناً لذلك.
هذا الطموح لا يبدو أنه سيتحقق يوماً، إذ لا تسمح بيئة غزة وطبيعتها السكانية بوجود هذه الأفكار، سواء كانت حماس أو غيرها الحاكم، وفق ما يرى مختصون، لذا فإن راسم سيظل على الأرجح في سوريا وقد تنتهي هناك حياته مع استمرار ضربات التحالف لمعاقل داعش، أو ربما العودة لغزة متخفياً، لا قائداً يسعى لإقامة "إمارة ظلامية".