هناك جيل بعينه يعى جيدا من هو الكابتن ماجد.. وهناك جيل كامل لم يسعده التعرف على هذه الشخصية الكارتونية الأسطورية!.. فدعونى أقدمه لكم.. باختصار.. الكابتن ماجد شاب أسمر قصير غلبان يلعب الكرة كأسطورة من الأساطير.. يقفز لمسافة تسعة أمتار ويبقى فى الهواء لمدة عشر دقائق متواصلة!.. بل ويشوط الكُرة فى الحلقة ال 11 من المسلسل لتصل إلى مرمى الخصم فى الحلقة 13..
إلى هنا والحكاية تبدو طبيعية إذا نظرنا إلى الأمر على أنه مسلسل أطفال! ولكن ماذا إذا كان الكابتن ماجد موجود بالفعل فى مؤسسات الدولة!..
لا تتعجبوا فالكابتن ماجد شخصية أنا أعرفها.. وأنت تعرفها.. فلربما قابلتها أنت فى مكان عملك.. أو صادفتها أنا فى طفولتى... ربما... والآن إليكم الحكاية......
الكابتن ماجد شاب من أسرة فقيرة من منطقة بلتان فى قليوب، انتقل مع عائلته ليسكن قصر العينى حيث كان والده يعمل موظفا فى قطاع الشحن بإحدى الشركات.. أمله أن يوفر لأبنائه حياة كريمة وطالما تمنى بأن يصبح ابنه طبيبا.. وببركة دعاء الوالدين يلتحق الكابتن ماجد بكلية الطب، وتقوده حياته البائسة إلى حُلم، ويقوده الحُلم إلى أحلام.. فيقرر الكابتن ماجد أن يخلع ثوبه ويرتدى ثوب أولاد الذوات وينسى ماضيه، لكن وعلى رأى المثل (قاله يابا شرفنى قاله يابنى لما يموت اللى يعرفنى)!..
ينتهى الشاب الحالم من دراسة الطب، ولكن حلمه لا ينتهى فقط عند مجرد كونه طبيباً ماهراً مثل باقى زملائه، بل يقرر أن يسلك مسلك محجوب عبد الدايم فى فيلم القاهرة 30 ويصبح موظفا بطربوش وذمة أستك يتاجر بكل شىء، حتى الأعراض!..
وبعد المحايلات والتوسلات يستطيع أبوه العامل الغلبان أن يقنع رئيس شركته بتعيينه طبيبا للشركة.. فيبدأ على الفور الكابتن ماجد فى وضع خطة للتمكين لا تقل فى قوتها عن خطة الإخوان فى التمكين..
ينزلق بمهارة الجراح فى زواريق رئيسه الطبيب الذى يسبقه سنا وخبرة.. يقف وراءه ويتعلم منه ويصفق له ويدون فى صفحته البيضاء تجربة مُديره لتكن قدوته.. وهو هنا للأسف لا يبحث عن فن الجراحة ولا التشخيص ولا حتى التحليل.. إنه يتعلم فنون المناورة والتدليس والتطبيل.. وحقيقة الأمر فقد تفوق على مُديره وعلى نفسه!..
بالفعل يصعد الكابتن ماجد أول درجات سُلم المجد الزائل.. واستكمالا للصورة الاجتماعية التى لا ينتمى إليها يقرر الزواج.. فيستطيع أن يجد بالورقة والقلم عروساً تضمن له مستوى اجتماعياً يرفعه من الحضيض الذى طالما سكنه وسكن فيه..
يتزوج الكابتن ماجد من ابنة رجل قضى عمره بإحدى الدول العربية يجمع مالا ولم يكن يعلم وقتها أن هذا المال لن يكون سوى مطمعا لمن يريدون الاستيلاء على قلب ابنته لوضع أيديهم على حسابها فى البنك..
وتستمر الحياة بين الزوجين وينجبان طفلين تنجح الزوجة فى أن تستقطبهما لعائلتها وتمنعهما عن عائلة زوجها التى كانت تراهم طوال الوقت دون المستوى.. فينشأ الأطفال وهم يرون أبوهما على الرغم من كل التعديلات ليس إلا.. شحات غرام!..
لم تنفك العقدة.. ولكنها تفاقمت حين أصبحت نظرة الزوجة لزوجها طوال الوقت نظرة تعالٍ، وكأنها التقطته من الشارع وأدخلته طبقة مجتمع لم يكن يجرؤ حتى على طرق بابها.. فهى دائمة النقد لكلامه وملابسه ولتصرفاته وأهله..
يضج الكابتن ماجد بالوضع ويسوقه قدره إلى امرأة أخرى.. من منطقة الأميرية، تعمل بأحد محال الملابس الحريمى..
جاءته الفرصة أخيرا ليثبت لنفسه أنه الأعلى.. وليثبت لزوجته أن النساء ترغبه، بل ليشعر لأول مرة برجولته.. وفى محاولة لرد جميل السيدة التى وقع هو فى غرامها ووقعت هى فى حُب محفظته ونفوذه!.. يقوم بتوظيف زوجها وأخيها، وتصبح هى بقرار خاص جدا سكرتيرته الملاكى!..
وعن طريق تلميع الكراسى للكبار قبل الجلوس عليها وحمل حقائب الرؤساء والتخديم على أحلام الكبار.. يتدرج الكابتن ماجد فى المناصب إلى أن يُصبح أهم مُدلس ومتملق فى مكان عمله.. فالكابتن ماجد لا يتورع عن الإقامة تحت أقدام أى مريض فى المستشفى وتقديم أفضل الخدمات الطبية والإنسانية! فقط لو كان المريض ذو نفوذ ويستطيع ابتزازه من أجل فائدة أو مقايضة أو تعيين أحد أقاربه..
الكابتن ماجد يحمل جهاز قياس الضغط فى يده كل يوم ويقفز على السلالم ليطمئن على صحة رؤسائه بكل اهتمام، حرصا منه على التواجد الدائم فى الصورة، بل يصل الأمر عادة إلى زوجاتهم وأبنائهم وجيرانهم.. حتى لو اضطره الأمر أحيانا إلى قياس الضغط للباشا «كلب» المدير العام! (وماله برضه مايضرش.. آهى كلها سبوبات والأيد البطالة نجسة)!.
وعن تزوير التقارير الطبية والفواتير العلاجية وتزوير الذمم والضمائر فحدث ولا حرج لأنها ببساطة مجرد (شىء لزوم الشىء)!.. أما الهدايا والبارفانات وأدوات التجميل والمقويات التى تندرج تحت بند المجاملات فيتم تسديدها طبعا على أنها (بضاعة أتلفها الهوا)!..
وينزلق رئيسه المهزوز المرتبك فى براثن خدماته المشروعة وغير المشروعة، حتى أصبح لا يستطيع أن يرفض له طلبا مسموحاً كان أو غير مسموح!.. حتى لو وصل الطلب إلى حد التستر على تجاوزاته وفساده.. نسى الكابتن ماجد أن هناك مرضى بحق، ونسى أن هناك من يستحقون العلاج ونسى قسم أبقراط.. بل نسى الله!.. ونسى فى زهوة صعوده الجبل أنه هابط لا محالة..
وتوتة توتة فرغت الحدوتة.. حلوة والا ملتوتة.........
هل عرفتم من هو الكابتن ماجد؟! الكابتن ماجد شخص يعيش بيننا.. شخص واحد بألف وجه.. شخص لا يستحق الحياة لأنه لا يمتلك الضمير ليحترم نفسه أو يحترم الآخرين.. وهو مثل النبت الشيطانى الذى يجب التخلص منه بالبتر من جذوره دون رحمة!..
الكابتن ماجد هو كل مسئول تصور أنه يستطيع بالفهلوة أن يقفز تسعة أمتار فى الهواء، أو أن يشوط الكرة ليمزق شباك الخصم.. وتصور أن يوم الحساب لن يأتى أبدا!..
آن الأوان أن تتخلص مصر من «الكابتن ماجد» وأعوانه وتلامذته وأنصاره ومُديريه..
عزيزى الكابتن ماجد.. حين يسقط البشر من فوق مقاعد السُلطة وتنتهى صلاحيتهم، لا يخلفون وراءهم سوى الذكرى.. فإما أن تطاردهم باقات الزهور وإما أن يقذفهم الناس بالنعال... . وعجبى..