يحاول خيرت الشاطر بكل ما أوتى من قوة أن يخفى اكتئابه الحاد الذى يعانى منه بعد استبعاده المهين من سباق انتخابات الرئاسة.. يظهر بكثافة مع مرشح الإخوان الرسمى – يوصف شعبيا بالمرشح الاستبن – محمد مرسى، يبالغ فى الحفاوة به والدعوة له والتبشير بإمكانياته التى لا يراها غيره..وهو ما يقابله مرسى بود بالغ فى الاعتراف بفضل خيرت عليه، بل ويؤكد أن مشروعه هو نفس مشروع الشاطر الذى يطلقون عليه «مشروع النهضة». اكتئاب خيرت الشاطر – للإنصاف – ليس بسبب استبعاده من سباق الرئاسة، فهو فى النهاية مؤمن بأنها أقدار الله، ولكن لأن ظهوره للنور أفقده كثيرا مما كان يتمتع به من هيبة وكاريزما ووقار، لعب الخيال الشعبى فى نسجها دوره، حتى تخيلنا جميعا أنه الرجل القادم من كتاب الأساطير لينقذ مصر من ورطتها. روج الإخوان المسلمون لخيرت الشاطر على أنه يوسف العصر الذى خرج من السجن ليملك البلاد والعباد، كما حدث مع نبى الله يوسف.. تضخمت قوة الشاطر عندما كنا نتابع أخباره من وراء حجاب...يقابل المسئولين الأمريكان فى مكتبه وبشروطه، يتدخل للإفراج عن المتهمين الأمريكان فى قضية التمويل الأجنبى، يطوف عددا من دول العالم المختلفة يدرس تجاربها تمهيدا لتطبيقها هنا فى مصر. لأيام طويلة تصدرت صور خيرت الشاطر الصفحات الأولى فى الصحف العالمية، يتحدث وكأنه يمتلك مفاتيح الحكم فى مصر، يصرح بأنه لن يراجع الاتفاقيات الدولية التى أبرمتها مصر قبل الثورة، فى إشارة إلى معاهدة السلام مع إسرائيل.. لتطمئن تل أبيب ولا تنزعج.. يطالب الدول الأوروبية وأمريكا بأن يقفوا إلى جوار مصر فى ورطتها الاقتصادية، لأن مصر لو سقطت فإن عواقب ذلك وخيمة. وصلتنا صورة خيرت الشاطر على أنه الرجل القوى فى جماعة الإخوان المسلمين، يحكمها ويتحكم فيها، لا ترفع فيها يد ولا تسير قدم إلا بأوامره المباشرة، لأنه صاحب الثروة الأكبر والأكثر انتشارا.. ولها يخضع الجميع. ثروة خيرت الشاطر نفسها كانت تثير الفزع والرهبة.. للدرجة التى وضعه معها الكثيرون على درجة واحدة مع أحمد عز ملياردير الحزب الوطنى.. ورغم أن المنطق يقول إن خيرت تعرض للتشريد والاضطهاد والتلفيق من نظام مبارك، وهو من الطبيعى أن يؤثر بقوة على ثروته ومشروعاته واستثماراته.. إلا أننا رأينا اتساعا هائلا فى مشروعات خيرت.. للدرجة التى تعامل معه البعض على أنه قارون العصر. أصبح خيرت الشاطر بتكرار الحديث عنه – رعم صمته واختفائه عن الأنظار – أهم وأقوى رجل فى مصر.. البعض يطالب به رئيسا للوزراء، لأنه وحده القادر على الخروج بمصر من نفق أزمتها الاقتصادية.. والبعض يرى أنه الرئيس المناسب.. فهو من أهل السياسة وأهل الاقتصاد على السواء.. ومصر تحتاج الآن القوى الأمين.. ولا قوى ولا أمين إلا خيرت الشاطر. كانت الأيام تتوالى.. وخيرت الشاطر يصر على صمته.. لا يتحدث إلا قليلا.. الأخبار المنشورة عنه فى كل مكان تزيده رهبة وصلت إلى حد التقديس لدى البعض.. وزاد من تضخيم الرجل ما كان يسربه من أنه لا يريد سلطة.. ولكنه فقط يريد أن يساهم فى خدمة بلاده. فى لحظة واحدة ضاع كل هذا. كان الإمام الشافعى أثناء درسه فى المسجد يرى رجلا من بين مستمعيه عليه الهيبة والوقار، وكان الشافعى يعانى ألماً شديداً فى إحدى قدميه يتطلب أن يمدها أمامه، لكن الإمام كان يتحرج من أن يمد قدمه فى وجه الرجل الوقار.. وفى إحدى عظاته سأل الرجل الوقور سؤالا بدت منه تفاهته، فمد الشافعى قدمه على آخرها وقال كلمته الشهيرة: الآن.. آن للشافعى أن يمد قدميه. بعد أن تحدث خيرت الشاطر، وقف وجها لوجه أمام الجماهير الغفيرة التى تستقبله مدفوعة بانتمائها الإخوانى أصبح من حق كل من عرف حقيقته أن يمد قدميه أمامه.. فالجبل الإخوانى الكامن عندما تمخض لم يستطع أن يلد حتى فأرا.. فما رأيناه كان هزيلا.. وما سمعناه كان سخيفا.. وما تابعناه كان هراء طازجا لا قيمة ولا أهمية له. لقد حاول خيرت الشاطر أن يوحى للآخرين أنه الأقوى فى مصر الآن.. حتى بعد استبعاده من الانتخابات الرئاسية.. تسلق أكتاف محمد مرسى، معتقدا أنه بوجوده إلى جواره.. مجرد وجوده فمعنى ذلك أن المرشح الإخوانى سيفوز بها.. فالإخوان يعتقدون أنهم لو رشحوا حجرا سيختاره الناس دون مناقشة.. وكأنى بهم لا يعرفون الورطة التى أنزلوا أنفسهم إياها بسبب رغبتهم الجامحة فى التكويش على كل شىء. صدمة خيرت الشاطر كبيرة بسبب ما حدث فى جامعة المنصورة تحديدا، نزلها خيرت مصطحبا معه محمد مرسى ليدشن الرئيس الإخوانى من مدينته – خيرت من الدقهلية مولود فى قرية كفر الترعة التابعة لمركز شربين – كان يعتقد أن أهل بلده سيقفون إلى جواره..وإلى جوار تابعه مرسى، لكنه قابلوه بإهانة لم يتخيلها على الإطلاق. وقف طلاب الجامعة يرفعون فى وجهه فردة كاوتش للتعبير عن رفضهم لخيرت الشاطر ومحمد مرسى معا، بهتاف يقرن بينهما وبين جمال مبارك وأبيه، لا للأب ولا للابن.. لا للفردة والاستبن.. وعندما حاول أن يتحدث قذفه الطلاب بزجاجات المياه الفارعة.. هاتفين: أهم.. أهم.. أهم.. الكدابين أهم..فى إشارة إلى الأكاذيب التى أدمنها الإخوان منذ الثورة حتى الآن.. فقد خانوا القوى السياسية جميعها.. والآن يريدون تأييدهم. يشعر خيرت الشاطر الآن أنه فقد ما كان يعتبره قوته.. عندما تحدث عرفناه.. مشروعه عن النهضة لا قيمة له، أفكاره مكررة من مشروعات نهوض سابقة.. ثم أنها جميعا أفكار نظرية لا قيمة لها، لقد حاول الشاطر أن يخدع الجميع بأن مشروع النهضة التى يعمل عليها من أجل مصر، رغم أنه كان يروج له فى كواليس الجماعة على أنه مشروع للنهوض بالإخوان.. ولم يكن الشاطر يشعر بأى تناقض بين ما يعلنه ويقوله فى كواليس الإخوان، لأنه يعتبر أن مصر هى الجماعة.. والجماعة هى مصر. صمته كان حماية وصيانة له، لكن ظهوره جعل ظهره مكشوفا.. أصبح عرضة للسخرية، ويكفيه أن يطالع ما كتب عنه ونسب له ورسم على اسمه على شبكات التواصل الاجتماعى، وهى شبكات يهتم بها خيرت. كان الشاطر يعتقد أن الشباب يحترمونه ويقدرون له دوره الوطنى وتضحياته وسجنه واعتقاله فى عصر مبارك.. دون أن يدرى أن الجيل الذى ثار فأخرجه من السجن ليس له كبير.. وأنه يمكن أن يجرد أكبر رأس فى البلد من مزاياه. كانت أمام خيرت الشاطر فرصة ذهبية لأن يستكمل أسطورته.. لكن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية قطعت عليه الطريق.. وأسكنته فى زاوية باهتة جدا.. بدت لنا فيه عيوبه أكثر من مزاياه. قالوا لنا إنه خطيب مفوه.. فإذا بنا أمام رجل لا يستطيع أن يجذب من أمامه بجملة حلوة أو عبارة بليغة أو منطق سليم.. يستخدم قوة ولاء أتباعه له، فلا يرون فيه عيبا..بل يرونه منزه عن كل العيوب. قالوا لنا إن له طلة عندما يتحدث.. لكنه عندما يتكلم لا يأخذك إليه.. بل تشعر بنفور كامل من كل ما يقوله.. ملامح وجهه قاسية، رجل عابث طوال الوقت.. رغم أن كثيرا من أتباعه يقولون إنه ابن نكتة ولا يكف عن المزاح الحلال بالطبع.. لكن حدة ملامحه لا تشى بشىء من ذلك على الإطلاق.. فأهل الابتسام والسماحة يبدو على وجوههم ما يسكنونه فى قلوبهم.. والشاطر كما يبدو لا يبدو عليه شىء من ذلك. مؤكد أنه يحاول أن يعوض ما فاته.. أن يجبر كسر صورة السوبر مان التى روجها لنفسه أو روجها له جهازه الإعلامى منذ كان فى السجن.. لكن فات أوان الجبر.. فقد تفلت الإخوان من الجماعة بسببه.. وتعرض الإخوان لأكبر طعنة بسبب ترشحه للرئاسة، بل إن عائلته الصغيرة تعرضت لتصدع هائل، عندما وقفت إحدى بناته على شفا الطلاق من زوجها لأنه كان يعارض ترشيح والدها للرئاسة.. وهو ما تتم مداواته الآن. خيرت الشاطر لم يكن كبيرا.. لم يكن زعيما.. لم يكن قائدا.. توهم أنه كل ذلك.. وفى لحظة تبخر كل شىء فى الهواء.. فنحن فى عصر الحقيقة ولا مكان للأكاذيب.. وخيرت الشاطر لم يكن سوى أكذوبة كبيرة.. نسأل الله أن يعفيه ويعافيه من اكتئابه الذى دخل بقدميه.. ولم يكن لأحد منا يد فيه.