في حوار موسّع اجرته وكالة "سما"مع د. أحمد يوسف؛ المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء إسماعيل هنية، والقيادي في حركة حماس، حول مستجدات الساحة الفلسطينية؛ من حيث حكومة التوافق وجهود إعادة الإعمار، وكذلك مواقف حركة حماس وتجربتها في الحكم والسياسة اكد الدكتور احمد يوسف ان خطاب الرئيس عباس في الاممالمتحدة امتاز بلغته القوية حيث نجح فيها الرئيس في وضع النقاط على الحروف مشيرا الى انعدم تعليق حركة حماس على الخطاب بشكل رسمي هو مؤشر إيجابي، وإن كان البعض قد قدَّم تلميحات مشجعة. وقال يوسف "أن الربيع العربي تحول إلى كابوس وأوضاع كارثية مخيفة، بسبب عدم قدرة الإسلامين في بعض البلدان التي شهدت حراكاً شعبياً واسعاً على استيعاب خصومهم من العلمانيين، والاخفاق في تكييف علاقة شراكة سياسية قائمة على تقاسم السلطة بالشكل الذي يمنح الجميع الثقة بالآخر، والاطمئنان لاستمرارية التحالف معه". وحول مصادر تمويل حكومة غزة السابقة قال يوسف ان "إيرانوقطروتركيا تمثل شريان الداعم الرئيسي للحكومة في قطاع غزة.. وعندما اندلعت الثورة في سوريا عام 2011م، قررت الحركة هناك مغادرة البلاد، واتخاذ موقف مناصر للثورة السورية، الأمر الذي أدى إلى تراجع الدعم الإيراني وربما توقفه بشكل كامل، مما اضطر الحكومة في غزة على فرض ضرائب على التجارة الواردة للقطاع عبر الأنفاق مع مصر. وحول تصريحات الدكتور موسى ابو مرزوق حول التفاوض مع اسرائيل قال يوسف "بالقطع فإن مسألة التفاوض المباشر مع إسرائيل لم يتم مناقشتها بعد داخل حركة حماس الشورية، وهي تتعدى قضية الحلال والحرام، ولها سابقة في تاريخنا الإسلامي، وذلك في الكثير من الاتفاقيات التي وقعها المسلمون مع كفار قريش، وأشهرها "صلح الحديبية" أو الاتفاق بين صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله) والصليبيين في "صلح الرملة". نص الحوار : • إن معاناة الناس في قطاع غزة تتفاقم في كل مناحي الحياة، فيما تبدو حركة حماس وكأنها لا تفعل شيئاً؛ أي أنها – كما يرى البعض - قد تخلت عن دورها بانتظار وصول حكومة التوافق لحمل العبء، فما الذي يحدث الآن؟ - هذا قول منافٍ للحقيقة، حيث أن حركة حماس تحركت باتجاه أسر الشهداء والمتضررين، وقامت بتقديم مساعدات مالية عاجلة تجاوزت الثلاثين مليون دولار، وقامت بالكثير من الاتصالات مع بعض الدول العربية والإسلامية الصديقة لطلب المساعدة في جهود إعادة الإعمار وتأهيل الأسر المنكوبة جراء العدوان الإسرائيلي، كما أنها قدّمت كل التنازلات المطلوبة للتسريع بعملية إدخال مواد البناء وقطع الطريق أمام أية أعذار إسرائيلية لتعطيل الجهود الدولية التي تقودها الأممالمتحدة وحكومة التوافق. نحن بانتظار مؤتمر المانحين الذي من المتوقع أن ينعقد قبل منتصف هذا الشهر، وكذلك قدوم حكومة د. رامي الحمد الله لتولي مسؤولياتها الكاملة بالقطاع، ونحن سنكون جنوداً لها من أجل خدمة شعبنا العظيم. مما لا شك فيه أن عملية تسريع البناء تحتاج إلى كفاءات هندسية وأيدي عاملة مدربة، وهنا أقترح أن تتجهز بعض فرق الهندسة التابعة للمقاومة وحركة حماس بالدرجة الأولى للنزول إلى ميدان العمل، والمشاركة في جهود إعادة الإعمار، وهذا يتطلب لسد باب الذرائع الإسرائيلية تعليق العمل المسلح لسنتين أو ثلاث، والتفرغ الجزئي لعملية إخراج الناس من عقابيل النكبة التي حلت بهم، جراء العدوان الهمجي الذي قام به جيش الاحتلال في حربه الأخيرة على قطاع غزة؛ أي أن تعطي المقاومة الأولوية لعملية البناء، والوقوف بإمكانياتها وأطقمها الهندسية إلى جانب حاضنتهم الشعبية. بصراحة؛ إن المرحلة القادمة ليست لقرع طبول الحرب، بل هي لجهود الإعمار وإعادة البناء، أي أن يحمل الكل فأسه وينزل بمعوله إلى المناطق المنكوبة ليضع لبنة في بناء ما تهدَّم.. المطلوب الآن أن نحمي شبابنا من ضغوطات الحاجة والنجاة بهم من مسلسل الموت باتجاه الهجرة وركوب البحر جرياً وراء المجهول وظلمات التهلكة. هذه أبجديات المرحلة القادمة، وإلا فإن صرخات الاستغاثة وأمنيات الإعمار ستظل أضغاث أحلام، وأوهام أشرعة ممزقة لسفينة تذروها الرياح.!!
• ما هي توقعاتكم لمصير حكومة التوافق، وكيف تقيمون المرحلة القادمة في قطاع غزة؟ - إن حكومة التوافق ستلقى كل الدعم من حركة حماس؛ لأن نجاحها هو تمكين لمشروعنا الوطني وإفشال للمخططات الإسرائيلية بتأبيد الانقسام وابتلاع الضفة الغربية. وقد أظهرت حركة حماس استعدادها الكامل وجدية مواقفها لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام من خلال تخليها عن الحكومة، وتوقيعها لاتفاق مخيم الشاطئ، وتشكيل حكومة التوافق برئاسة د. رامي الحمد الله في شهر إبريل الماضي.
• لم نسمع من حماس أي موقف من خطاب الرئيس أبو مازن في الأممالمتحدة، فيما استشاط الإسرائيليون غضباً، وكالوا للرئيس الاتهامات واللعنات، فما هو تقييمك للخطاب؟ - في الحقيقة أن الخطاب فيه لغة قوية نجح فيها الرئيس في وضع النقاط على الحروف، وإن كانت المسألة تحتاج إلى "تقفيلة"، أي أن يشير الرئيس بالخطوة العملية القادمة وهي الذهاب إلى توقيع اتفاق روما ومحكمة الجنايات الدولية (ICC)، ولعلي هنا أتفق مع الأستاذ المفكر هاني المصري في تقييمه حيث أشار بأن خطاب الرئيس يدل على أن لحظة الحقيقة، لحظة اتخاذ القرار الذي طال انتظاره تقترب، وإذا لم يتم التقاطها بسرعة ستطارد لعنة التاريخ القيادة الفلسطينية إلى الأبد. لقد رفض الرئيس في خطابه العودة إلى المفاوضات كما كانت تجري في السابق، وطالب بوضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال من خلال الأممالمتحدة، وتحدث أيضًا عن حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، محذراً أنها لن تفلت من العقاب، وهذه أمور كلها في منتهى الأهمية والإيجابية. أنا أعتقد بأن عدم تعليق حركة حماس على الخطاب بشكل رسمي هو مؤشر إيجابي، وإن كان البعض قد قدَّم تلميحات مشجعة.
• البعض يتحدث بأن توقيع اتفاق وقف اطلاق النار تمَّ دون دراسة أو تخطيط ورؤية واضحة، وأنه قد وقعت عملية خداع لحماس، حيث قاموا بالتوقيع على عدة أسطر وبدون أية ضمانات لرفع الحصار.. ألا ترون أن الناس دفعت أثماناً باهظة من دمائها وممتلكاتها لسوء تقديرات حركة حماس؟ - إن عملية التفاوض في القاهرة تمت من خلال وفد فلسطيني مشترك يمثل الكل الوطني والإسلامي، قد تكون لحركة حماس مواقف مختلفة، من حيث المطالب المشروعة التي قدمتها وتم الحديث عنها في وسائل الإعلام المحلية والدولية، ولكن في النهاية القرار يتم اتخاذه بالإجماع.. فإذا كانت هناك "عملية خداع" فهذه يتحمل مسئوليتها الجميع، وليس حركة حماس أو الجهاد الإسلامي.. المصلحة كانت تقتضي التعجيل بالتوصل إلى اتفاق يوقف العدوان وحالة الجنون الهستيرية التي أصابت دولة الاحتلال، ودفعتها لتبني "سياسة الأرض المحروقة" والدمار الشامل، حيث ارتكبت جرائم حرب، ومجازر وانتهاكات بحق الإنسانية،وقد ظهر ذلك بشكل جليِّ مع استهداف الأبراج السكنية وهدم البيوت على ساكنيها، وجعل عاليها سافلها.
• ماذا عن رواتب موظفي الحكومة السابقة؟ هل هناك أمل قريب يلوح في الأفق؟ - أعتقد أننا تجاوزنا مرحلة المناكفة والخلاف حول هذه القضية، وأن كل ما له علاقة بآلية الصرف تمَّ التفاهم حوله، وهناك جهات عربية ودولية دخلت على خط تسهيل مهمة دفع رواتب موظفي قطاع غزة، والمسألة - من وجهة نظري - هي فنية بالدرجة الأولى، فالرواتب آتية لا ريب فيها، وتذليل كل ما يعترض ذلك من عقبات هو في طريقه إلى الحل.
• ما هو تقييمكم لتجربة حماس بعد ثمان سنوات من وجودها في الحكم، أين أصابت وأين أخطأت؟ - في الواقع أن هناك الكثير من الكتابات التي تناولت هذه التجربة، والتقييمات متفاوتة بين الإيجابية والسلبية، ويمكن القول أن المسألة تعتمد على درجة القرب والبعد، ومستوى النظر للحركة من زاوية الصداقة أو الخصومة، هناك من حاول أن يتخذ الأعذار ويبرر إخفاق الحركة في تحقيق ما وعدت به من الإصلاح والتغيير وإرجاع ذلك للاحتلال والحصار والتآمر الدولي والتواطؤ الاقليمي والمناكفات الإعلامية والسياسية والعدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، وكلها - بدو شك - أسباب وجيهة، ولكنها غير كافية كذرائع لتبرئة ساحة من توسدوا سُدَّة الحكم لمدة ثمان سنوات يراها خصومهم أنها كانت عجافاً، وأوردت أهل قطاع غزة موارد الهلاك. قد يكون من الظلم والاجحاف التعاطي والحكم على التجربة خارج سياق أنها كانت تجربة على المحك، وما زال هناك الكثير من الوقت للحكم لها أو عليها، لأن النتائج لا يمكن تقديرها إلا بعد انجلاء غمَّة الاحتلال، وعودة أجواء التصافي والتصالح، وطي صفحات الخلاف وسنوات الانقسام البغيض. ربما كان تطويرقدرات المقاومة، وتوفير الأجواء لحماية مشروعها لتشكل رافعة نعتز بها لمشروعنا الوطني، هي واحدة من الإنجازات التي يجب إرجاع الفضل في تحقيقها لحكومة حماس، التي عملت منذ عام 2006م على منح كل الإمكانيات والتسهيلات وتهيئة الأجواء لكل فصائل العمل المقاوم لكي ترتقي بكوادرها ومعداتها وتكتيكاتها العسكرية للمستوى الذي شكل مفاجأة للعدو الإسرائيلي، وسجل ملحمة بطولية أشاد بها الجميع. لقد كانت الأحداث الدامية في يونيه 2007م خطأً كبيراً، وعدم التوصل إلى المصالحة بالسرعة المطلوبة خطيئة يتحمل مسؤوليتها طرفي الأزمة؛ فتح وحماس، والسجالات والمناكفات الإعلامية والسياسية جريمة بحق القضية ومسّ بطهارتها، وتتحمل القيادات السياسية في كلا الجهتين كامل مسؤوليتها.
• ما هو مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة، وخاصة بعد التجربة المتعثرة لحركة حماس والإخوان في مصر، وما يحدث مع تنظيم داعش؟ - قد يكون من المبكر قراءة هذ المستقبل؛ لأنه يعتمد على عدة متغيرات ما تزال أبعادها غير واضحة.. صحيحٌ أن الربيع العربي تحول إلى كابوس وأوضاع كارثية مخيفة، بسبب عدم قدرة الإسلامين في بعض البلدان التي شهدت حراكاً شعبياً واسعاً على استيعاب خصومهم من العلمانيين، والاخفاق في تكييف علاقة شراكة سياسية قائمة على تقاسم السلطة بالشكل الذي يمنح الجميع الثقة بالآخر، والاطمئنان لاستمرارية التحالف معه. لا شك أن الحالة التي ظهرت عليها وضعية الإسلاميين في الحكم لم تكن مشجعة في معظم أحوالها، إلا أن ما عليه الإسلاميين في تركيا أردوغان وتونس الغنوشي تمنحنا بعض التطمينات وتفتح المجال لأن نتشبث بمسار التغيير والإصلاح الذي يطالب به الشارع العربي والإسلامي بشكل عام. إن نجاح وتميز تجربة تركيا أردوغان في الحكم لأكثر من عشر سنوات، والتقدم الحاصل في مجال الاقتصاد والعملية الديمقراطية التي تتصدر بها منطقة الشرق الأوسط يجعلنا نستبشر خيراً بأن خطاب "الإسلام هو الحل" ما يزال يثبت مشروعيته على الأرض، كما أن نجاح حزب النهضة في تونس في نزع فتيل التفجير في علاقاته مع الآخر العلماني، وتنحيه عن السلطة في فترة اشتداد المحنة، واعتماده خيار الحوار والتوصل إلى تفاهمات سياسية حمت البلاد والعباد من عقابيل فتنة لا تبقي ولا تذر، هي في الحقيقة مسلك فيه الكثير من الحكمة والفطنة السياسية التي تبشرنا هي الأخرى بأن حركات الإسلام السياسي يمكنها أن تناور وتظهر من المرونة ما يحفظ الأمن والأمان ويحقق الاستقرار للبلاد. وهناك أيضاً من التجارب الناجحة لتيارات الإسلام السياسي في الحكم ما نشاهده في المغرب، حيث يتصدر "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي مشهد الحكم والسياسة، من خلال تحالفات أقامها مع الآخرين من شركائه في الأحزاب الوطنية. وتأسيساً على ذلك، يمكننا القول بأن السنوات القادمة ستشهد فضاءاتها الإقليمية والدولية مواجهات مفتوحة مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وأيضاً منافسات وصراعات سياسية على الحكم، وهي التي ستحكم على تيارات الإسلام السياسي بالاستمرار كقوى حية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية أو أن تكون النهاية لهذه التيارات بالشكل الذي نراها عليه اليوم .
• ما هي طبيعة علاقاتكم بإيران ومصر وقطر، ولماذا الاصطفاف في محاور تكلفكم أثماناً باهظة؟ - كانت حركة حماس تحرص دائماً على التأكيد بأن علاقاتها متقاربة مع الكل العربي والإسلامي، وأنها تحافظ على مسافة متساوية من الجميع، وأنها تنأى بنفسها عن سياسة الأحلاف القائمة في المنطقة باعتبار أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية، وهذا يوجب الاحتفاظ بعلاقات تآخي مع كل الأنظمة الحاكمة والأحزاب السياسية القائمة في المنطقة، وعن محاباة قطر على آخر.. هذا من الناحية النظرية كلام يقال، ولكن عملياً لا يمكن اثباته والبرهنة عليه، فالسياسة هي لعبة قذرة حيث تتقدم فيها المصالح على الأخلاق، وأشكال الدعم المالي ليست بدون مقابل أو اشتراطات، فمن يقيم حالة التمكين السياسي بعطاياه، ينتظر منك مواقف وسياسات تخدم حساباته واستراتيجياته بالمنطقة. هذه قضايا ألف باء في السياسة، ويدركها كل من عمل في هذا المجال.. الرئيس أبو عمار (رحمه الله) كان دائم الحرص على استقلالية القرار الفلسطيني، ولكن واقع الحال كان يفرض عليه مجاملة هذا النظام أو ذاك، لأن استقلالية القرار تحتاج إلى امتلاك الإمكانيات التي تغنيك عن سؤال الناس والدول، وهذا أمرٌ لم يكن متوفراً – آنذاك - للرئيس عرفات، وهو أيضاً غير متاح لحركة حماس. لذلك ستظل الاتهامات تلاحقنا إذا ما مالت كفة القول وسعة الابتسامة تجاه هذا الطرف أو ذاك. نحنكنا - دائماً - نحرص ونجتهد على الظهور بعيدين عن سياسة المحاور، ونحاول كسب احترام ودعم الجميع، ولكن في ظل حالات الاستقطاب العالية بالمنطقة العربية والإسلامية يبدو أن هذا الأمر مستحيلاً. إذا كانت علاقات اليوم مميزة وأخوية مع قطروتركيا فتوقع أن تكون متوترة مع مصر والسعودية، وإذا خسرت سوريا بسبب الصراعات الدامية فيها فلا تنتظر دعماً مالياً من إيران ولا تحسن في العلاقة مع روسيا. هذه هي السياسة؛ حالة من التقلبات وعمليات الفرز المقيت، ومع ذلك نحن نبسط أيدينا للجميع ونحاول أن نقول لهم حسنا؛ لأن رهاناتنا على الشعوب الأكثر وطنية وصدقية في عطاءاتها. • هل ما تزال حركة حماس ترفض السلام مع إسرائيل وحل الدولتين؟ - حركة حماس لا ترى جدية في الموقف الإسرائيلي تجاه عملية السلام، فمنذ توقيع اتفاقية أوسلو في واشنطن في 13 سبتمبر 1993م، والمماطلة الإسرائيلية قائمة، حتى أننا وبعد أكثر من عشرين عاماً لم نحقق شيئاً يذكر على مستوى تحقيق طموحاتنا في إقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل الرابع من حزيران 1967م، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم، كما جاء في القرار الأممي (UN-149). إن محاولات إسرائيل المتكررة للتهرب من استحقاقات عملية التسوية والقائمة على حل الدولتين، قد أضعف مصداقية دولة الاحتلال، وجعلت الطرف الفلسطيني بشقيه الوطني والإسلامي يقف متردداً تجاه ما يحاول المجتمع الدولي فرضه من حلول، باعتبار أنها عملية استدراج لجر الفلسطينيين إلى طاولة التفاوض، وممارسة الضغوطات عليهم لحساب الموقف الإسرائيلي؛ أي استمرار لعملية المراوحة في المكان، وشراء الوقت لصالح السياسات الاستيطانية على حساب الأرض والحق الفلسطيني. إن موقف حركة حماس ودرجة المرونة التي يمكن أن يبديها الإسلاميون تعتمد على مدى توفر القناعة بأن هناك توجهات دولية صادقة باتجاه حل عادل للقضية، وهذا أمر غير متاح الآن، وليس هناك حتى اللحظة ما يدفع الإسلاميين لتصديق أن إسرائيل لديها نوايا طيبة تجاه منح الفلسطينيين دولتهم الحرة والمستقلة. لذا، فإن موقف حماس سيظل يتأثر من ناحية المرونة أو التشدد تبعاً لمدى ما تظهره إسرائيل من التزامات تجاه العملية السلمية أو تتخذه على الأرض من خطوات تؤكد للفلسطينيين بأن هناك تسوية قادمة وجادة للصراع، وعند تلك المحطة فإن لكل حادثة حديث.
• ما أسباب عدم إتمام المصالحة الفلسطينية إلا في وقت قريب؟ - صحيح أن اتفاق المصالحة التي رعته مصر، وتم التوقيع عليه في مايو 2011م، لم يتم تفعيله، وظل افتعال الأسباب لتعطيل عملية الالتزام بتطبيق بنوده من كلا الطرفين.. ثم حدث ما حدث في مصر من انتكاسة الربيع العربي وغياب الإخوان المسلمين، السند القوي لحركة حماس عن مسرح السياسة والحكم، الأمر الذي أعادنا جميعاً إلى دائرة الجدل والمناكفات، لتتباطأ إجراءات تنفيذ المصالحة على الأرض.. ومع اشتداد حالات الضغط على قطاع غزة المحاصر بجيش الاحتلال، وفشل السلطة في تحقيق أية إنجازات في مفاوضاتها مع الاحتلال، دفع الطرفان للتسليم أن الخيار الأفضل لاستنقاذ الحالة الفلسطينية وطوق النجاة لكل منهما هو الشروع بتطبيق المصالحة، حيث تم ذلك في 24 إبريل2014م في اتفاق مخيم الشاطئ، الذي أسس لقيام حكومة التوافق الوطني برئاسة د. رامي الحمد الله.
• هل لعب المجتمع الدولي والمساعدات الخارجية أي دور في الانقسام واستمراره ؟ وما هو هذا الدور؟ - بالتأكيد، حيث إن المجتمع الدولي لم يعترف بالحكومة التي شكلتها حركة حماس برئاسة السيد إسماعيل هنية، والتي جاءت للحكم عبر صناديق الاقتراع.. للأسف، كانت التهديدات الغربية - وخاصة الأمريكية - تمنع أي فصيل فلسطيني حتى من مجرد التفكير أن يكون جزءاً من منظومة الحكم، وذلك بالشراكة السياسية مع حماس. لقد ظل اعتراف المجتمع الدولي والدول الغربية فقط بالرئاسة الفلسطينية، واقتصر التعامل مع الرئيس أبو مازن، وقد أوصدت كل الأبواب في وجه حكومة إسماعيل هنية باستثناء بعض الدول العربية والإسلامية. كان واضحاً منذ فوز حماس بالانتخابات في يناير 2006م أن الغرب أصيب بصدمة (تسونامي سياسي)، وبالتالي قام بكل شيء يمكن أن يضعف حكومة هنية، ويعمل على سحب الشرعية عنها. ولذا، كانت كل أوجه الدعم الغربي تأتي عبر الرئاسة الفلسطينية، ولأغراض تكرس الانقسام ولا تؤدي إلى تكامل عمل السلطة من حيث الرئاسة والحكومة. وعندما تباعدت الضفة الغربية عن قطاع غزة بعد الأحداث المأساوية الدامية في يونيه 2007م، تعاطى الغرب مع حكومة د. سلام فياض في رام الله، وتم تجاهل الحكومة التي تديرها حركة حماس في قطاع غزة بالكلية. لا شك أن هذه الممارسات من قِبل المجتمع الدولي وجهات المانحين في الدول الغربية أدت إلى تعميق الانقسام، والنظر إلى الحالة الفلسطينية باعتبار وجود حكومتين؛ واحدة (شرعية) في رام الله، وأخرى متمردة و(إرهابية) في قطاع غزة.!! هذا الأسلوب من التعامل الغير أخلاقي، والمخالف للقانون الدولي هو من أطال مدة الانقسام، وأسهم في شرعنته؛ كون الحكومة في قطاع غزة– من وجهة نظر قانونية – هي الحكومة الشرعية، التي جاءت عبر صناديق الاقتراع، ونالت المصادقة عليها من المجلس التشريعي، فيما الحكومة في رام الله هي حكومة الأمر الواقع (De facto) حيث إنهالم تحظبمصادقة المجلس التشريعي عليها. كانت ممارسات المجتمع الدولي والتي اعتمدت أسلوب النفاق السياسي وسياسة الكيل بمكيالين، هي السبب وراء استمرار الانقسام لحوالي ثماني سنوات، أضرّت كثيراً بالشعب والقضية.
• هل رفض المجتمع الدولي مشاركة حماس عند الإعلان عن رغبتها في دخول الانتخابات أم أن الرفض جاء بعد إعلان النتائج ؟وعن ماذا يعبر هذا؟ - في الحقيقة، جاء الرفض بعد إعلان فوز حركة حماس بالأغلبية في الانتخابات، حيث كانت التوقعات حسب الكثير من استطلاعات الرأي العام (المُسيّسة) بأن حركة فتح ستتصدر قائمة الفوز، ثم تأتي بعدها حركة حماس.. كان المخطط هو جر الحركة للمشاركة في العملية الانتخابية، ومن ثمَّ توريطها للقبول بنتائج اتفاقية أوسلو، والتسليم بما يجري من مفاوضات تقوم بها السلطة الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلي. جاءت عملية فوز حركة حماس (كتلة التغيير والإصلاح) بمثابة لطمة في وجه الجميع، وانقلاب السحر على الساحر. ولذلك، انكشفت اللعبة وتعثرت خطط الغرب وفشلت بالتالي مخططات استدراج حركة حماس للوقوع في شرك أوسلو وتداعياته الكارثية على الشعب والقضية.
• لماذا رفض المجتمع الدولي حماس؟ كما رفض إمدادها بالمساعدات؟ - حركة حماس هي حركة تحرر وطني برؤية إسلامية، وهي ترفض الاعتراف بإسرائيل، وترى في الكفاح المسلح طريقاً مشروعاً للتخلص من الاحتلال والعمل من أجل تحرير فلسطين. لذلك، كانت المقاطعة الدولية لها وفرض الحصار عليها، باعتبار أنها حركة مدرجة على قوائم الإرهاب العالمي، وبالتالي جرى العمل على إسقاط شرعيتها وشيطنة حكومتها، وتحريم أي شكل من أشكال الدعم أو التواصل معها. وبسبب هذه السياسة، كانت معاناة الفلسطينيين في معظم مناحي حياتهم، وذلك بهدف إضعاف هيبة الحكومة التي تقودها حركة حماس، ودفع الناس للتمرد عليها والمطالبة برحيلها.
• هل يصل غزه بعد الانقسام أي من المساعدات الامريكية والأوروبية؟ كيف تصل في ظل سياسات تحظر التعامل مع حماس؟ - لم تقدم أية مساعدات للحكومة التي كانت تقودها حركة حماس، ولكن هناك مشاريع دعم غربية كانت تتم عبر وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، كما أن بعض أشكال الدعم كانت تصل لبعض الوزارات؛ كالصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، لأنها تخص الكل الفلسطيني.. وبعد الانقسام، كانت السلطة في رام الله تدفع - للأسف - رواتب الموظفين المستنكفين، فيما اضطرت الحكومة في قطاع غزة أن تتولى دفع رواتب حوالي 40 ألف موظف، للقيام بتغطية الفراغ الذي أوجده غياب هؤلاء المستنكفين عن العمل، وذلك بميزانية متواضعة نسبياً،وتقدرقيمتهابحوالي نصف مليار دولار سنوياً.
• هل حماس تحدد طبيعة المشروعات التي يقوم بها المانحون أم جهة أخرى؟ وما هي طبيعة هذه المساعدات ؟ - في الحقيقة، كان المانحون هم من يقومون بتحديد طبيعة المشاريع من خلال اتصالاتهم بمنظمات المجتمع المدني، حيث لم تتدخل الحكومة في قطاع غزة إلا بتحديد أولويات المشاريع المدعومة من بعض الدول العربية، وخاصة المشروع الاستراتيجي الأهم والمقدّم من دولة قطر بقيمة نصف مليار دولار، والذي شكل الأساس في عملية الإعمار بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في ديسمبر 2008م. كما أن هناك العديد من المشاريع الدولية الخاصة بوكالة الأونروا كالمدارس والعيادات الصحية والتي كانت تتم بتنسيق مباشر بين المؤسسات الدولية والوكالة دون أي تدخل من الحكومة في غزة، كما أن هناك بعض الأحياء السكنية التي أشرفت على تنفيذ بنائها وكالة الأونروا؛ كالمشروع السعودي في مدينة رفح. • هل يتم عمل أي مشروعات في غزة من المساعدات المالية المباشرة التي تحصل عليها السلطة من أمريكا وأوروبا؟ ومن يحدد طبيعة المشروعات التي تنفذ هناك، هل السلطة، حماس أم المانحون أم بالاتفاق بين ثلاثتهم ؟ - هناك بعض المشاريع التي تم تنفيذها في قطاع غزة بأموال أمريكية وأوروبية، ولكن كل ذلك كان يتم التنسيق فيه مع السلطة في رام الله أو عبر مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام. وغالباً ما تكون المتابعة المباشرة لتلك المشاريع هي للجهات المانحة كالنرويج وسويسرا والسويد وإسبانيا، وكذلك الولاياتالمتحدة.
ما هي مصادر تمويل ميزانية قطاع غزة؟ - في الواقع، كانت إيرانوقطروتركيا تمثل شريان الداعم الرئيسي للحكومة في قطاع غزة.. وعندما اندلعت الثورة في سوريا عام 2011م، قررت الحركة هناك مغادرة البلاد، واتخاذ موقف مناصر للثورة السورية، الأمر الذي أدى إلى تراجع الدعم الإيراني وربما توقفه بشكل كامل، مما اضطر الحكومة في غزة على فرض ضرائب على التجارة الواردة للقطاع عبر الأنفاق مع مصر. لقد أصبح اعتماد الحكومة بشكل كبير من جباية الضرائب المفروضة على تجارة الأنفاق، وقد بلغت نسبة ذلك 70% من الميزانية العامة للحكومة تقريباً، ومن المعروف أن حجم هذه التجارة بلغ حوالي 350 مليون دولار شهرياً، وباقي الميزانية هو ما تجنيه الحكومة من الضرائب والتراخيص والرسوم في مختلف الوزارات. إضافة لما سبق، كانت هناك مساعدات تقدمها جهات ومؤسسات خيرية في العديد من الدول العربية والإسلامية، وتستفيد منها بعض الوزارات مثل: الصحة والأوقاف والشؤون الإسلامية وكذلك وزارة الشؤون الاجتماعية.
هناك من يقول أن الوضع الاقتصادي الصعب بعد إغلاق الأنفاق وقلة الدعم الإيراني بعد موقف حماس من سوريا إلى جانب فشل المفاوضات من قبل السلطة كلها عوامل أسهمت فيالإسراع نحو المصالحة...هل تتفق أم لا؟ولماذا؟ - بالتأكيد، كانت تلك أسباباً جوهرية لا يمكن إنكارها، لأنها شكّلت عامل ضغط على الطرفين، إضافة إلى القناعة التي توصل لها الطرفان من أن المستفيد الوحيد من الانقسام هو دولة الاحتلال، وأن استمرار القطيعة السياسية وغياب التواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة معناه تأبيد الانقسام، ونهاية مقاربة "حل الدولتين"، وهذا معناه استمرار سياسات التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وضمها تدريجياً لإسرائيل، وإبقاء قطاع غزة يعاني من وطأة الحصار والموت البطيء، بأمل الانقلاب على حماس وإخراجها من حلبة الحكم والسياسة. كانت المصالحة هي طوق النجاة للطرفين، واستكمال لما سبق أن تحقق من إنجازات في ميدان المعركة وحلبة السياسة؛ حيث تمكنت المقاومة من تحقيق انتصار معنوي على إسرائيل في معركة "حجارة السجيل" في نوفمبر 2012م.. وفي ديسمبر من نفس العام، منحت الجمعية العامةبأغلبية 183 صوتاً فلسطين صفة "دولة مراقب غير عضوبالأممالمتحدة"، في خطوة تعد انتصاراً دبلوماسياً ومكسباً قانونياًلصالح القضية الفلسطينية. بعد هذين الإنجازين، تعاظمت المطالبات الشعبية بضرورة تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، حيث جاءت المصالحة تتويجاً مصاحباً لذلك.
• ما هي حقيقة ما تم التصريح به مؤخراً حول نية حماس إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل؟ هل ذلك حقيقة أم أنه مجرد تسريبات لها أهداف مبطنة؟ - في الحقيقة هذه القضية لم تكن يوماً على جدول أعمال حركة حماس، وفي السابق، وخلال الحكومة العاشرة وحكومة الوحدة الحادية عشر كنا نقول أن ملف المفاوضات متروك للرئيس أبو مازن، حيث لديه كل المعطيات وشبكة العلاقات الدولية، وبالتالي أية مبادرات تتم في هذا الاتجاه كنا نُحيلها للرئيس.. لكن ما أثير مؤخراً حول ما ورد على لسان د. موسى أبو مرزوق إنما جاء كرد على تساؤلات الكثيرين من كوادر الحركة وبعض المستويات القيادية فيها عندما تعثر الوصول إلى اتفاق تهدئة يليق بحجم التضحيات التي قدّمها شعبنا ومقاومته الباسلة. ربما كانت تصريحات د. موسى أبو مرزوق؛ نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لها أهداف مبطنة، وتحمل رسائل محددة لجهات مختلفة، وهذا أمر مندوب في السياسة، ولكن بالقطع فإن مسألة التفاوض المباشر مع إسرائيل لم يتم مناقشتها بعد داخل حركة حماس الشورية، وهي تتعدى قضية الحلال والحرام، ولها سابقة في تاريخنا الإسلامي، وذلك في الكثير من الاتفاقيات التي وقعها المسلمون مع كفار قريش، وأشهرها "صلح الحديبية" أو الاتفاق بين صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله) والصليبيين في "صلح الرملة".
• ما هي رؤية حركة حماس للفصائل المتطرفة كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيرها، وهل هناك تعاون أمني مع مصر حول ما يحدث في سيناء؟ - حقيقة إن الموقف من بعض التنظيمات التي تتخذ من الإسلام غطاءً دينياً يحتاج إلى الكثير من البحث والتدقيق، فتنظيم داعش حظي بمباركات دول عربية وإسلامية بالمنطقة، وتلقى الكثير من أوجه الدعم في بدايات ظهوره في سوريا كأحد تنظيمات المعارضة التي تقاتل نظام بشار الأسد، وكان يعمل ويتلقى الدعم تحت مظلة التحالف الدولي الذي يعمل للإطاحة بالنظام السوري.. وفجأة، تمردت داعش، وأصبحت تستهدف تيارات إسلامية أخرى في العراقوسوريا، ثم أعلنت دولة الخلافة بشكل أثار تساؤلات الكثيرين من علماء المسلمين، الذين شككوا في شرعية هذا التنظيم بعد المذابح التي ارتكبها بحق مسلمين آخرين، وبدأوا في التحريض ضده. نحن موقفنا أن بعض الأفعال التي يمارسها التنظيم لا علاقة للإسلام بها، وهي أفعال إجرامية، وتسيء للدين الذي جاء رحمة للعالمين. ما هو موقف حماس من الاحداث في مصر ؟ فيما يتعلق بالشقيقة مصر، وما أصاب علاقتنا بها من توتر واتهامات بعد عزل الرئيس مرسي وأحداث رابعة العدوية، هو في الحقيقة ضجة مفتعلة وعملية تحريض قام بها الإعلام لتشويه صورة حركة حماس التي تحظى بتعاطف شعبي كبير بين المصريين. على أية حال، تلك وقائع قد خلت، ونحن نتطلع إلى إصلاح العلاقة مع الشقيقة الكبرى مصر؛ لأن ما بيننا من ارتباط تاريخيوتلازم جغرافي ونسب ومصاهرات اجتماعية يحتم علينا جميعاً أن نعمل معاً من أجل أن يسود الأمن والأمان ربوع بلادنا؛ فالأمن والاستقرار في سيناء هو قوة لنا ويعزز من أمن جبهتنا الداخلية، ويحفظ لمصر سلامة أراضيها ويقطع دابر الطامعين فيها. إن حركة حماس معنية بالتنسيق مع مصر بكل ما يخدم أمنها وأمن أراضيها، وسيناء يمكن أن تكون واحدة من أهم محطات التعاون الأمني بيننا وبين الأجهزة الأمنية المصرية، لأن إسرائيل نجحت في اختراقها، وجعلتها طريقاً لتهريب المخدرات وكل ما يدمر حياة شبابنا.