يأتى مصر للاستجمام والراحة والشعور بالنجومية.. وبعد مرضه الأخير أصبح أكثر شراهة ونهما للحياة ■ زويل حصل على جائزة نوبل بوصفه مواطنا أمريكيا.. قدم إنجازه على أرض أمريكية وساهم فى نهضة بلاده التى هى الولاياتالمتحدة
■ تم اللعب به فى آخر سنوات مبارك بالترويج له كبديل مناسب للرئيس.. فصدق أنه فعلا يمكن أن يكون رئيسا للبلاد رغم جنسيته الأمريكية
■ مدينته العلمية مجرد وهم.. فلو كان جادا لتفرغ لها واستقر فى مصر.. كما فعل الدكتور مجدى يعقوب فى مركزه بأسوان
■ كيف يكون مستشارا علميا لأوباما الذى يريد تركيع مصر.. ومستشارا للسيسى الذى يقوم مشروعه على الاستقلال الوطنى
■ يصدر نفسه كذبا على أنه رئيس المجلس الاستشارى العلمى للرئيس رغم أن كل دوره كان تقديم إيميلات العلماء إلى أحمد على
مدخل لابد منه
قد يكون من حق أحمد زويل العالم المصرى الكبير أن يغضب إذا دخلنا معمله رغما عنه، قد يكون على صواب إذا قطع علينا الطريق، وقال إننا لا نفهم أسرار تجاربه العلمية، ولا إمكانيات اختراعاته، ولا مدلولات أبحاثه، لكن عندما يخرج زويل إلى المجال العام.. يقف على منصة السياسة، ويتحدث كرجل إعلام.. فعليه أن يتأدب وهو يتحدث، لأنه فى المجال العام ليس أكثر من تلميذ مبتدئ، لا يجيد التعبير رغم ادعائه البلاغة، ولا يحسن القول رغم زعمه الفصاحة.. ولا يجذبك إلى ما يقول.. لأنه طول الوقت معجب بنفسه، يعتقد أنه الأهم على الأرض، والأكثر شهرة فى الكون، والأكبر عطاء لمصر.. رغم أنه فعليا لم يقدم شيئا حتى الآن.
الحكاية من البداية
فى العام 1999 حصل زويل على جائزة نوبل، لم يحصل عليها كونه مواطنا مصريا، ولا بسبب إنجاز حققه على مصر (زويل حاصل على الجنسية الأمريكية منذ العام 1982) ولكن كمواطن أمريكى، ساهم فى نهضة بلده الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولم يكن غريبا بعد ذلك أن يرد اسمه فى قائمة الشرف التى تضم أهم الشخصيات التى ساهمت فى النهضة الأمريكية، بل كان ترتيبه رقم 18 من بين 29 شخصية بارزة، باعتباره أهم علماء الليزر فى أمريكا.
احتفل الأمريكان بحصول مواطنهم زويل على الجائزة، ولأن المصريين يريدون أن يفرحوا على أى شىء، فقد اعتبروا أن نوبل التى حصل عليها زويل مصرية، وأضافوه إلى سجل الخالدين ممن حصلوا على نوبل قبله (السادات مناصفة مع مناحم بيجين فى السلام، ونجيب محفوظ فى الآداب.. وبعد ذلك محمد البرادعى فى السلام).
هل كان ما حدث مجرد خدعة؟
لم يكن الأمر كذلك بالفعل، والأقرب أنه كان بداية تكوين الخرافة الكبرى التى تسمى أحمد زويل ليس فى الحياة السياسية فى مصر فقط.. ولكن فى الحياة العلمية أيضا.
خلال السنوات التى أعقبت حصول زويل على نوبل، حرص على أن يزور مصر تقريبا بشكل سنوى، فى الفترة التى كان يقضيها هنا، كان يتحول إلى سوبر ستار، فهو ضيف على معظم البرامج الفضائية، يجرى عددا لا بأس به من الحوارات الصحفية، يشارك فى عدد كبير من الحفلات الفنية، ثم ينتهى هذا المولد كله، ويرحل أحمد زويل مرة أخرى إلى موطنه الأمريكى يواصل عمله وبحوثه واختراعاته وإنجازاته التى يستفيد منها بلده أمريكا.. ويتخلف وراءه هنا مريدون وموهومون ينتظرون طلته من جديد.
كان لابد من مشروع يمنح زويل شرعية التواجد فى مصر، على الأقل حتى يأتى كل عام وهناك ما يمنحه فرصة للتواجد فى الإعلام بصورة مكثفة، وكانت فكرته لتأسيس مدينة زويل العلمية.. وهى المدينة التى أحاطت بها المشاكل من كل جانب، وتحول فيها العالم الكبير إلى طرف فى مشكلة سطو على مبانى جامعة النيل، وكأنه يريد أن يبنى مجده على أحلام الآخرين.
بدأت فكرة مدينة زويل العلمية منذ عصر مبارك، توالى على مصر ثلاثة رؤساء، حصل على موافقة نهائية على تأسيس المدينة أثناء إدارة المجلس العسكرى للبلاد، وقع على الموافقة عصام شرف.. لكن لم تخرج المدينة إلى النور، قدم عدلى منصور حلا وسطا للأزمة عندما حصلت جامعة النيل على أحكام نهائية بأحقيتها فى مبانى الجامعة، فقدم أرضا أخرى لزويل.. يمكن أن ترى لافتة صغيرة تشير إليها عندما ينتهى بك الطريق الدائرى وأنت فى طريقك إلى مدينة الإنتاج الإعلامى.. مجرد قطعة أرض خالية جافة لا حياة فيها ولا روح.
لن أكون مبالغا إذا قلت إن مدينة زويل العلمية خرافة كبيرة فى حياتنا، وأن الرجل الذى وضع الفكرة بالفعل، لا يريد لها أن تعمل، ولو كانت لديه الإرادة لاستطاع أن يقدم إنجازا علميا واضحا لمصر التى يتغنى بحبها ليل نهار دون أن يقدم دليلا واحدا على ذلك.
هل تريدون دليلا على ما أقول؟
تأملوا فقط تجربة الدكتور مجدى يعقوب فى أسوان.. أقام الجراح العالمى مركزاً لزراعة القلب هناك، أنهى عمله فى لندن، وبدأ العمل فى صمت تام، نجح فى تخليق قلب صناعى وأعلن عنه من مقر موطنه الأصلى مصر، كل ذلك دون أن يكون مزعجا.. وكأنه تطبيق حقيقى للحكمة العربية القديمة التى تقول: «من يجد شيئا يفعله لا يهتم بأن يجد شيئا يقوله».
أحمد زويل على العكس تماما من مجدى يعقوب، فهو لا يفعل شيئا، ولذلك يهتم اهتماما كبيرا بأن يجد أشياء يقولها، لم ينه زويل عمله فى أمريكا ويعود إلى مصر ليباشر مشروعه العلمى العالمى، لم يقرر الإقامة فى مصر بعد تغريبته الكبرى، ليمنح مصر بعضا من أفكاره وإنجازاته وإبداعاته العلمية.. اكتفى فقط بما يمكن أن نستقر على أنه مجرد حملة إعلامية لتسويقه وتلميعه وتصنيعه كنجم مجتمع.
■ ■ ■
فى حياة أحمد زويل زاوية لا يلتفت لها الكثيرون، وربما لفرط غروره وإعجابه بنفسه صدق بالفعل أنه يمكن أن يتحول إلى زعيم سياسى وقائد ملهم.. وربما أيضا رئيس جمهورية.
فى السنوات الأخيرة لحكم مبارك، كانت النخبة السياسية والصحفية تبحث عمن يكون بديلا لمبارك، كانوا يعرفون أن النظام العتيق لا يمكن أن يرحل بسهولة، ولذلك فكروا فى خلخلته، بطرح بدائل، ولأن البديل لابد أن يكون مشهورا وصاحب حيثية، فقد كان زويل واحدا ممن طرحت أسماؤهم، على أساس أن مصر فيها كثيرون يمكن أن يتولوا الرئاسة ردا على من يقولون إنه لا أحد يصلح إلا الرئيس مبارك.
إبراهيم عيسى تحديدا – الذى كان يبحث عن خلاصه الشخصى قبل خلاص مصر من مبارك- هو الذى قذف باسم زويل فى منطقة الترشح للرئاسة، عيسى كان وقتها رئيسا لتحرير جريدتى الدستور وصوت الأمة، وجعل منهما جريدة واحدة تتابع أخبار ترشح أحمد زويل وردود أفعاله، وتعليقات السياسيين على ذلك، كل هذا دون أن يتحدث زويل فى شىء.. أو يجيب على إبراهيم بشىء.. لكن اللعبة راقت للعالم الكبير الذى كان يعرف جيدا أنه لا يمكن أن يصبح رئيسا لأنه أمريكى الجنسية.
أكبر دليل على أن إبراهيم عيسى تلاعب بزويل، جعل منه مجرد دمية نسج منها حدوتة صحفية ولا أكثر من ذلك، أنه وبمجرد ظهور محمد البرادعى الذى يمكن أن يكون رئيسا بالفعل – لم يحمل جنسية أخرى إلى جوار الجنسية المصرية ولديه مشروع سياسى بالفعل – رفع إبراهيم يده عن زويل وكأنه لم يقل شيئا عنه قبل ذلك...لكن زويل لم ينس أن اسمه كان مطروحا للرئاسة.
أخذت السياسة أحمد زويل من وقتها، تحول موضوع مدينته العلمية إلى مشكلة سياسية أيضا، ترفع أن يتدخل فيها، أن ينقذ مستقبل طلاب من الضياع لمجرد أن يرضى أنانيته، التى جعلته لا يقبل التفريط فى مبانى جامعة النيل وكأنها كانت ملكا له.
يقينى أن أحمد زويل لم يحلم بالرئاسة، لكنه كان يتسلى بما يقال عنه، كان سعيدا لأنه خرج من الدائرة الضيقة للاهتمام به كعالم، إلى الاهتمام به من زاوية أنه يمكن أن يكون منقذا لمصر، وصانعا لمستقبلها، رغم أنه وفى قرارة نفسه أيضا يعلم أنه لا يريد من مصر إلا عدة أيام يقضيها فى إجازة وراحة واستجمام ومتابعة من الإعلام له كسوبر ستار.
■ ■ ■
تعاون أحمد زويل مع كل الأنظمة، كان مقربا من نظام مبارك، لم يتحدث عنه بكلمة سيئة طوال وجوده فى الحكم، على عكس ما فعله البرادعى الذى تحدى مبارك فى عز قوته وجبروته، وعندما صعد محمد مرسى إلى الحكم أتاه أحمد زويل وجلس بين يديه، وخرج ليقول إن مرسى عالم يتحدث مع العلماء بلغتهم، وهو نفس ما قاله عن السيسى بعد ذلك.
وكم كانت لميس الحديدى ناضجة جدا ومدركة لحقيقة الأمور عندما ردت زويل الذى لا يزال يرى أن محمد عالم لكنه فاشل سياسيا، اعترضت لميس التى استضافت زويل فى حديث مطول ضمن برنامجها « هنا العاصمة».. قالت له إن مرسى لم يكن عالما، هو مجرد أستاذ جامعة، لكنه أصر على أنه عالم فى الفيزياء دون أن يقول لنا ما هو الإسهام الذى قدمه مرسى فى الفيزياء.
فى الحقيقة لم يكن زويل يقصد ما يقول، فبعد أن قابل السيسى وقال عنه نفس ما قاله عن مرسى، قام آلهة التواصل الاجتماعى عبر شبكات فيس بوك وتويتر بفضحه وتجريسه، عندما نشروا له تصريحاته عن مرسى، وكأنهم يشيرون إلى نفاق لحق بثوب زويل، ولذلك كان عليه أن يستر عورته، تحدث عن مرسى وكأنه يريد أن يقول إنه لم يغير رأيه، رغم أنه فعليا فيما قاله كان يغير ضميره.
لم يفهم أحمد زويل لماذا ثار المصريون على محمد مرسى؟
وفى الحقيقة ليس مطلوباً منه أن يفعل ذلك، فهو ليس محللاً سياسياً، لكن ولأنه يصر على الإفتاء فى السياسة بغير علم ولا فهم، فلابد من أن نوضح له حقيقة ما جرى.
لم يخرج المصريون من بيوتهم للثورة على محمد مرسى لأنه فاشل سياسيا فقط، ولكن لأنه حاكم لا يؤمن بالأساس بالدولة المصرية، بل بدأ التحرك نحو التفريط فى حدودها، كان مجرد جاسوس فى القصر، والمصريون لا يقبلون الجواسيس فى قصر الرئاسة.
لقد اقترب أحمد زويل من كل رؤساء مصر، لأنه كان يعرف أن هذا القرب يمكنه من الحصول على ما يريد، وهو لم يرد من مصر إلا الإحساس بنجوميته، يستضيفه الرؤساء، يمجدون دوره – الذى لا نعرفه بالطبع – وعندما يخرج من مكاتبهم، تزداد طاوسيته، التى تعانى أصلا من التضخم.
فى كل مرة كان الشعب المصرى يثور ، كان أحمد زويل يلتزم الصمت تماما، فى يناير جاء أيام الثورة وجلس فى أحد الفنادق الكبرى يراقب المشهد، ولم يتحدث بالفعل إلا عندما رحل مبارك، تكرر الأمر فى 30 يونيو، صمت حتى رحل مرسى وبعدها تحدث.
وهنا يمكن أن نسأل زويل تحديدا عن الدور الذى قام به بعد ثورة 30 يوينو؟
لقد قام عدد كبير من المصريين الموجودين فى الخارج بحملات تصحيح، حتى يضعوا أمام العالم الصورة الحقيقية لما جرى فى مصر، فى ظل حملات من الإخوان تشوه كل ما جرى، وخرج من هنا من مصر عدد كبير من السياسيين فى جولات مكوكية، قابلوا شخصيات دولية عديدة، وشرحوا أمامهم حقيقة ما جرى فى مصر.. فما الذى فعله زويل.. هل يمكن أن يدلنا على مقابلة واحدة فى جريدة أو قناة يوضح فيها ما جرى فى مصر؟
■ ■ ■
لم يكن غريبا أن يكون أحمد زويل واحداً من المجلس الاستشارى العلمى للرئيس السيسى.. فحالة الوهم الذى يصدرها للجميع لا تزال فاعلة ومؤثرة.. لكن الغريب فعليا كان أداء أحمد زويل.
خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده زويل بعد اجتماع السيسى بأعضاء المجلس الاستشارى العلمى، حاول أن يصدر نفسه على أنه رئيس المجلس، رغم أنه فعليا ليس كذلك، فلا يوجد رئيس للمجلس الاستشارى العلمى، السيسى قرر أن يكون هناك منسق فقط، ثم إن زويل لم يكن له فضل فى تكوين هذا المجلس، كل ما فعله على وجه التحديد كان إرسال إيميلات العلماء المشاركين فى المجلس الاستشارى إلى العقيد أحمد على، الذى تولى التواصل مع العلماء وشرح لهم الفكرة وحصل على موافقتهم.
سافر من سافر من العلماء ليبقى زويل مصدرا نفسه على أنه الرئيس، وانه مرة ثانية الرجل الذى يمكن أن ينقذ مصر من ورطتها.
وهنا يمكن أن نتوقف قليلا.. فكيف يكون أوباما مستشارا علميا للرئيس عبد الفتاح السيسى، وهو فى الوقت نفسه مستشار علمى للرئيس الأمريكى باراك أوباما.
عندما اختاره أوباما مستشارا علميا له، لم يفعل ذلك لأن زويل مصرى، بل لأنه مواطن أمريكى أقسم على الولاء للولايات المتحدةالأمريكية، ولم يفرح هنا فى مصر لهذا الاختيار إلا أسرى الخرافة الكبرى التى اسمها زويل، معنى ذلك أن زويل يبذل كل ما فى وسعه من أجل خدمة أمريكا ورئيسه وتنفيذ خطته وبرنامجه.
وهنا التناقض يبدو واضحا، فالرجل مستشار لأصحاب مشروعات مختلفة، أوباما يريد إخضاع مصر، يساند جماعة الإخوان المسلمين ولا يزال، والسيسى صاحب مشروع استقلال وطنى كامل.. أوباما يريد تركيع الجيش المصرى، والسيسى يبنى جيشاً قوياً يضمن من خلاله أمن وأمان المنطقة كلها وليس مصر فقط.
فكيف يضع زويل أفكاره وخبرته العلمية فى خدمة المشروعين فى وقت واحد، كيف يمكن أن يبارك خطة أوباما لإخضاع مصر، ويبارك خطة السيسى التى تسعى إلى الاستقلال الوطنى فى نفس الوقت.. ثم ما الذى يقوله زويل للرئيس الأمريكى عندما يقابله الآن عن مصر ورئيسها، هل يدافع عنه على اعتباره كزعيم وطنى لعب دورا فى إنقاذ البلد من حرب أهلية طاحنة، وخلصها ممن فرطوا فى حدودها فى وضح النهار، أم يتبنى هناك الرؤية الأمريكية التى ترى أن ما حدث انقلاب.
ثم ما الذى يمكن أن يقدمه أحمد زويل بالفعل علميا إلى مصر؟
هل سينقل الرجل خبرته العملية إلى مصر؟.. أشك بالطبع، فطبقا لما أعلم أن من يعملون فى الجامعات الأمريكية يوقعون على بروتوكول يقضى بعدم نقل خبرتهم العلمية إلى أماكن أخرى، وأن الاختراعات التى يتوصلون إلها ليست ملكا خالصا لهم، فجامعاتهم لها نصيب فيها، وهو ما يفسر عدم تقديم زويل لأى إضافة علمية للمعاهد أو الجامعات المصرية، ولذلك لا تصدقوه إذا تحدث عن الخبرة العلمية التى سينقلها إلى مصر.. فهو لن يفعل ذلك إلا إذا أنهى خدمته العلمية فى أمريكا، وأغلب الظن أنه لن يفعل ذلك أبدا، وأغلب الظن كذلك – الذى هو ليس إثما – أنه لن يستقر فى مصر مطلقا، إلا إذا عاد إليها ليستقر فى مستودعه الأخير.. القبر.
■ ■ ■
دع هذا جانبا.. فكل من شاهدوا أحمد زويل فى المؤتمر الصحفى الذى عقده للحديث عن المجلس الاستشارى للرئيس، أدركوا أن الرجل لا يسيطر على انفعالاته بسهولة، يميل إلى المزاح بصورة لا تتناسب مع المكان أو المقام الذى يتحدث فيه، يعلن عن شركة تبيع ساعات تعمل بالنانو تكنولوجى، يترك المنصة ليرحب بنبيل العربى، وكأنه موجود فى قعدة عربى، يستخف بالصحفيين الموجودين ويقول لهم ممكن تسمعوا اللى هاقوله عن النانو تكنولوجى فى برنامج لميس الحديدى.
كان هذا الأداء تحديدا هو ما دعا عادل حمودة إلى أن ينصح زويل أن يذهب إلى طبيب نفسى، يعرض نفسه عليه على الأقل لضبط سلوكه.. فبالإضافة إلى هذه الملاحظات كان زويل قد تحدث مع حمودة عبر تليفون رئيس الوزراء، وعاب عليه أن ينتقده فى برنامجه ويقول عليه إنه لم يقدم شيئا لمصر، ولما قال له عادل إنه بالفعل لم يقدم شيئا لمصر، انفعل زويل متهما عادل بأنه لا يفهم شيئا فى الإعلام.
يضع زويل معايير لمن يفهمون فى الإعلام إذن، فمن يسبحون بحمده، ومن يرفعونه إلى عنان السماء هم الذين يتقنون حرفة الإعلام، أما من يعريه ويكشفه ويسأله عن حقيقة دوره وما قدمه لمصر، فلا يفهم فى الإعلام.
على أية حال هذه صيغة ليست بعيدة عن كل المستبدين باسم السياسة أو باسم العلم.. فزويل يعتبر نفسه ذاتا مقدسة لا يقبل الاقتراب منها بأى حال من الأحوال، لا يقبل أن يشكك أحد فى علمه أو سلوكه أو ذمته، وهنا قد تكون فرصة لأن نسأل زويل عن الآلية التى يقوم من خلالها بجمع التبرعات لمدينة زويل منذ سنوات.
المعلومات التى لدى تقول إن زويل حدد ميزانية لمدينته العلمية تصل إلى 4 مليارات دولار، وأنه بالفعل استطاع أن يجمع منها مليار دولار، أحد أثرياء الإسكندرية تبرع بمفرده ب250 مليون دولار من أجل المدينة، ويقوم زويل بنفسه بالحديث مع أثرياء عرب للمساهمة فى دعم المدينة، فهل يمكن أن يخرج علينا ليقدم كشف حساب كامل لهذه الأموال التى جمعها.. لا نشكك فى ذمة زويل ولكن على الأقل لنعرف ما الذى يجرى خلف حيطان مدينة لم يتم وضع حجر واحد فيها.. أم أن زويل سيعتبر هذا السؤال مساساً بذاته العليا.. لو اعتبره كذلك فليخبط رأسه فى حائط مدينته التى لم تبن بعد، فنحن سنظل نسأله هذا السؤال حتى يجيب؟
■ ■ ■
تبقى نقطة أخيرة.. وهى حاجة زويل إلى طبيب نفسى.
قبل رحلة مرضه الأخيرة التى شفاه الله منها – ونحمد الله على ذلك – كان زويل شخصية مستفزة لكثيرين، يتحدث عن إنجازات لا يراها غيره، يدلى بآراء فى قضايا لا علاقة له بها على الإطلاق، يقيم أشخاصاً لا يفهم مجالات عملهم، ورغم شذوذ هذا لم يطلب منه أحد أن يذهب إلى طبيب نفسى، فما كان يفعله كان غروراً مبالغاً فيه، تعالياً يرى أنه محق فيه بسبب ما حققه لنفسه.
لكن الآن لابد أن يفعلها العالم الكبير، لقد انتصر على السرطان، كانت المعركة شرسة، كان على خطوات قليلة من الموت، ورغم أن هناك أنماطاً كثيرة من الشخصيات التى تواجه الموت ويكتب الله لها النجاة منه، كما قال لى الدكتور محمد المهدى، إلا أن النمط الأقرب لزويل هو نمط الذى يبدو أنه انكسر تماما عندما وقف وجها لوجه أمام الموت، لكنه بمجرد أن تعافى عاد أكثر نهما للحياة وأكثر شراهة من أجل الاستمتاع بكل ما كان سيحرم منه لو مات فعلا.
مثله شعر أن الحياة ستسرق منه، ولذلك فهو وبعد الشفاء يدافع عن ذاته ووجوده بشكل استحواذى، وهو ما يظهر فعليا الآن، يقول إنه لا ينام سوى ساعتين بسبب الأعباء التى يقوم بها فى مصر، وإصراره على تصدير نفسه على أنه رئيس مستشارى السيسى.
لقد أوشك زويل على الموت.. ولما عاد أصبح أكثر حرصا على التمسك بها، وهو ما يجعله يعانى من حالة نهم وشراهة.. تستحق بالفعل من أجله أن يدخل عيادة الطبيب النفسى، ليس من أجله فقط، ولكن من أجل أن يرحمنا من سخافاته ورغباته.. وأكاذيبه أيضا.