أبهرنى أحمد زويل منذ سنوات طويلة.. الرجل تمكن من عقولنا وقلوبنا عندما ظهر على هيئة عالم يقف له العالم إجلالا ويمنحه أرفع الأوسمة، اعتقدنا لسنوات طويلة أن أحمد زويل هو الأمل وهو الفكرة التى يجب أن تنبت فى عقولنا وحقولنا ومصانعنا. لكن حالة الإبهار لم تدم طويلا.. فالرجل ناجح جدا فى التقرب من الأنظمة، يعرف طريقه جيدا للوصول لهدفه، حول حالة الانبهار التى عشناها إلى تجارة رابحة، حصل بها على مكانة قريبة من كل الأنظمة.. لكن للأسف لم يقدم لنا شيئا.. تركنا.
عاد ليبهرنا وهو يتسلل ببراعة من نظام إلى نظام، اعتقد أننا لن نرصد محاولاته المستميتة للبقاء فى المنطقة الدافئة بجوار كل حاكم.. عبر بسهولة من نظام مبارك إلى حكم المجلس العسكرى إلى حكم الإخوان إلى ثورة 30 يونيو وحكم الرئيس عبدالفتاح السيسى.
كان المصريون يعلقون آمالهم على العالم الذى بزغ نجمه عام 1999 عندما حصل أحمد زويل على جائزة نوبل فى الكيمياء، كانت زيارته إلى مصر قليلة توجت بحصوله على قلادة النيل العظمى من الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وقتها وصف زويل الجائزة والتكريم بأنه تكريم شعبى.
عاد زويل إلى مصر بعد 25 يناير ليطالب مبارك بالرحيل فورا.. ورحل مبارك لتزداد تطلعات زويل من حقل العلم إلى السياسة، كان يرى فى نفسه ما يؤهله لحكم مصر، وبالفعل فكر كثيرا فى الترشح للرئاسة إلا أن أموراً عائلية منعته من الاستغراق فى الحلم.. لم يجد أمامه سوى المجلس العسكرى الذى تولى الحكم خلال المرحلة الانتقالية بين نظامى مبارك والإخوان.. وبالفعل منحه المجلس العسكرى أرض جامعة زويل للعلوم والتكنولوجيا.
لم يجد زويل فى نظام الإخوان مع بداية حكمهم ما يقلقه.. التقى الرئيس المعزول محمد مرسى ووصفه بعد اللقاء بالعالم "وعندما يجتمع العلماء يتحدثون فى العلم"، وقال إن مرسى أكد له أنه يعرف 10 علماء شخصيا ويتواصل معهم.. ومثلما فعل مع مبارك كان موقفه أيضا من نظام الإخوان وحكم محمد مرسى.
عاد زويل إلى الصورة مرة أخرى بعد لقائه بالسيسى وتعيينه على رأس قائمة المجلس الاستشارى العلمى للرئيس، ولم تختلف معانى كلمات الثناء التى يطلقها فى رحاب كل نظام، ولا تختلف أيضا كلمات الهجوم التى يلاحق بها كل الأنظمة التى تهوى من على قمة الحكم.
يبدو زويل مثل تجار الأحلام الوردية الذين يخدرون مريديهم بالوعود.. فعلمه لم يتحول إلى ما ينفع الناس، وتورط فى لعبة شهيرة أجادها أهل البيزنس فى عصرى مبارك ومرسى، فكلما اثنى على الحكم حصل فورا على جائزة، ثنى على مبارك وحصل على قلادة النيل.. ثم أثنى على مرسى لتحاصر بعدها بأسابيع قوات الشرطة الطلبة المتظاهرين فى جامعة النيل المتضررين من سطو زويل على جامعتهم، وبعد زوال النظامين لاحقهم باللعنات.. الآن يكرر زويل نفس السيناريو.
ربما تكون اللحظة غير مناسبة لحضور زويل بهذه الصورة الطاغية مرة أخرى.. فالمجلس الاستشارى العلمى للرئيس يضم علماء لا يقلون مكانة وأهمية عن زويل.. من حقهم أن يحصلوا على الفرصة كاملة.. فرصة لا تشوبها إخفاقات زويل وسعيه الدائم وراء أهل السلطة، فرصة لنيل ثقتنا كاملة، فرصة حتى لا نخاف من تكرار نفس السيناريو واستنساخ نفس النموذج الذى لم نلمس إنجازاته ولا حضوره العلمى.. فرصة لعالم يقول كلمته ولا ينتظر مقابلاً أو مكافأة نهاية الخدمة.
عندما واجهته انتقادات بأنه نقل مشروعه العلمى إلى قطر استخف بمنتقديه وقال فى تصريحات لجريدة «الشرق الأوسط» إن مشروعه ليس حقيبة متنقلة يصحبها معه أينما ذهب.
زويل فى تصريحاته يستخف بتوقعات وأحلام مريديه.. لا مبرر عنده للخوف، فالتوقيت الذى خرجت فيه تصريحاته كان أموال قطر وإمكانياتها تمهد الأرض لمشروع الإخوان الذى تحول إلى واقع ظل جاثما على صدور المصريين لمدة عام كامل.
على زويل أن يقدم لنا الآن كشف حساب عن 14 سنة من الأوهام التى باعها لنا، سنوات لم يقدم فيها لمصر شيئا منذ مكالمته الأولى للرئيس المخلوع حسنى مبارك عام 2000 وقتها طرح على مبارك فكرة مدينته، وحصل بعدها على قلادة النيل، وتحجج بعدها بالفساد الإدارى والسياسى وقال إنه فضل الابتعاد حتى لا يتلوث بالفساد، وإذا كان يملك ما يقنع به الجمهور طوال السنوات العشر التى فصلت بين مكالمته لمبارك وبين اندلاع الثورة.. فكيف يبرر مرور 4 سنوات منذ اندلاع الثورة ولم يقدم فيها شيئاً ولم تظهر علامات نبوغه فى تغيير نمط حياة المصريين وطريقة تفكيرهم ولم يخرج علماء كما أوهمنا بتحويل مصر إلى سوق للعقول المبدعة.. عليه أن يقدم مبرراته الآن وليس بعد مرور أربع سنوات أخرى يخرج بعدها ليخلق مبررات جديدة لفشله وتوريط علماء عظماء آخرين فى فشله المتكرر.
السنوات الأربع الأخيرة تحديدا كان زويل يتغزل فى حكامها رغم كثرتهم وتباين مشروعاتهم، من المجلس العسكرى إلى الإخوان إلى 30 يونيو.. فماذا جمد مشروعه وحلمه وطموحه طوال تلك السنوات بخلاف سعيه المستميت فى الاستيلاء على جامعة النيل.
نعرف جيدا أن المجلس الاستشارى يضم مجموعة من العلماء أصحاب الأفكار القادرة على إحداث نقلة كبيرة فى نمط حياة المصريين.. مشروعاتهم قريبة جداً من مشاكلنا من المرور إلى نمط البناء إلى أزمة الطاقة إلى التعليم والصحة.. نرغب فى أن تكون بدايتهم معنا خالية من الشوائب التى تركها زويل فى نفوس الكثيرين.