في الوقت التي تسارع فيه الدول الغربية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة الأميركية وفرنسا الخطى في بناء تحالف دولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، يتلمس المتابع للمشهد العربي ترددا وحذرا في تصريحات مسؤولي بعض الدول العربية التي أعلنت انضمامها إلى التحالف على غرار مصر التي لم تحسم موقفها بعد من التدخل عسكريا ضد التنظيم المتطرف، في ظل الغموض الذي يشهده الإعلان الأميركي.
تواترت خلال الأيام الأخيرة زيارات المسؤولين الغربيين للعاصمة المصرية القاهرة، لبحث سبل مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم “داعش”، وما يمكن للسلطة المصرية أن تقدمه في هذا الإطار.
وكان آخر المترجلين بمطار القاهرة وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دران الذي التقى نظيره المصري صدقي صبحي، وتناول معه تطورات المنطقة وسبل مواجهة تنظيم “داعش” الذي بات الشغل الشاغل للدوائر الرسمية العربية والدولية.
ولئن أبدت مصر استجابتها للمشاركة في التحالف المعلن عنه ضد التنظيم المتطرف، إلا أن خبراء يجمعون على أن القاهرة ليست في وارد المساهمة العسكرية في هذه الحرب في ظل ازداوجية المعايير التي اتسمت بها السياسة الأميركية حيث حصرت الحرب على الإرهاب على داعش متجاهلة باقي التنظيمات بما فيها جماعة الإخوان المصنفة تنظيما إرهابيا في مصر وعدد من الدول العربية.
وفي هذا الصدد أكد محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق، “أن مصر لا يمكن أن تتورط عسكريا في حرب برية في العراق أو سوريا، بذريعة محاربة إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية”.
واعتبر العرابي في تصريحات خاصة ل”العرب”: “أن وجود مصر في التحالف الأميركي لمواجهة التنظيم المتطرف أمر مهم و لابد منه، لكن على الآخرين (في إشارة إلى واشنطن) أن يكونوا صادقين في هذا التوجه”.
وشدد المسؤول المصري السابق على ضرورة إعلان واشنطن وقوفها ضد كل الجماعات المتطرفة لا ضد “داعش” فقط .
وطالبت مصر خلال قمة جدة، التي انعقدت بحضور ثماني دول عربية أخرى (السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، الكويت، لبنان، الأردن، العراق) وبمشاركة وزير الخارجية الأميركي، بضرورة عدم حصر محاربة الإرهاب في “داعش” فقط بل يجب أن يتعداه إلى مواجهة جميع التنظيمات التي تنهل من نفس الفكر المتطرف بما في ذلك الإخوان.
وتواجه مصر منذ انهيار حكم جماعة الإخوان في الثلاثين من يونيو الماضي موجة عنف وتفجيرات، آخرها سقوط ستة من عناصر الشرطة، أمس، بتفجير عبوة ناسفة يعتقد أن مسلحين إسلاميين هم من يقفون خلفه. وفي سياق البحث حول المشاركة المصرية في التحالف الموسع ضد “داعش”، أكد بدوره محمد علي بلال قائد القوات البرية المصرية في التحالف الدولي ضد العراق عام 1991، ل”العرب” أن مصر ستقف مع أي تحالف، يتم تكوينه بالأساس لمحاربة الإرهاب.
وأشار إلى أن حصر كلمة الإرهاب لتكون مفصلة على تنظيم بعينه دون آخر عملية يمكن فهمها في إطار الكيل بمكيالين، التي اشتهرت بها الولاياتالمتحدة.
وأوضح بلال أن الإرهاب لا يقتصر فقط على تنظيم “داعش”، لكنه ينطبق على العديد من التنظيمات الموجودة في الشرق الأوسط مثل جماعة “أنصار بيت المقدس”، التي تبنت عمليات إرهابية عدة في مصر، وجماعة “الإخوان المسلمين” التي تم إعلانها جماعة إرهابية، و “جبهة النصرة”، فضلا عن جماعات مسلحة كثيرة في ليبيا، مثل “أنصار الشريعة”.
واعتبر الخبير العسكري أنه في حال أبقت الولاياتالمتحدة على معاييرها المزدوجة في التعامل مع التنظيمات المتطرفة في المنطقة، فإن ذلك سيكون رسالة سيئة يفقد دول المنطقة جدية التعامل مع التحالف الجاري تشكيله. يذكر أن هناك توجها قويا لدى قوى وأحزاب سياسية لرفض مشاركة مصر عسكريا في هذه الحرب، والاكتفاء بمشاركة رمزية، وحتى الآن لم يظهر موقف رسمي محدد لطبيعة المشاركة المصرية. ويرجع الخبراء عدم وضوح الموقف المصري إزاء التحالف، إلى وجود عديد النقاط المثيرة للشكوك في المشروع الأميركي.
وفي هذا السياق اعتبر قائد القوات البرية المصرية في حرب “عاصفة الصحراء” “أن هذا الاهتمام غير العادي من جانب الولاياتالمتحدة ب تنظيم “داعش” إلى درجة حشد كل هذه الإمكانيات لمواجهته، أمر يطرح العديد من علامات الاستفهام ويعطي انطباعا بأن هناك أهدافا خفية، غير محاربة الإرهاب”.
وكشف الفريق محمد علي بلال، أن الولاياتالمتحدة طلبت من الدول التي تنضوي تحت التحالف إرسال قوات برية إلى العراقوسوريا، مؤكدا أن مصر رفضت هذا المقترح، ما لم يتم التعامل مع باقي الجماعات الإرهابية.
في السياق نفسه، قال محمود زاهر الخبير العسكري والاستراتيجي ل “العرب” إن مصر لن تتورط في التدخل عسكرياً، من خلال مشاركتها بعناصر من القوات المسلحة في حرب الهدف منها تحقيق مصالح خاصة بالولاياتالمتحدة.
من جانبه قال منير حامد الخبير العسكري وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، ل”العرب” إن وزير الخارجية الأميركي اندهش من عدم تحمس الدول العربية لمسألة الاشتراك بقوات برية داخل العراقوسوريا.
وتوقع عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية ألا تستكمل القاهرة إجراءات الانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، إذا لم يتم الحصول على موافقة الأممالمتحدة في هذا الشأن.