إعلان موعد تلقي أوراق الترشح للانتخابات مجلس النواب اليوم    سعر الذهب في السوق المصري اليوم السبت 4 أكتوبر 2025    مسؤول أمريكي يكشف موعد بحث نزع سلاح حماس بعد الرد على خطة ترامب    نشرة أخبار الطقس| الأرصاد تحذر من أمطار والعظمى 33 في القاهرة و38 بالصعيد    جهود أمنية لكشف لغز وفاة طالبة بشكل غامض أثناء تواجدها في حفل زفاف بالفيوم    اليوم.. محاكمة متهم بالانضمام لجماعة إرهابية في بولاق الدكرور    شهادات البنك الأهلي ذات العائد الشهري.. كم فوائد 100 ألف جنيه شهريًا 2025؟    المتخصصين يجيبون.. هل نحتاج إلى مظلة تشريعية جديدة تحمي قيم المجتمع من جنون الترند؟    سيناريوهات تأهل منتخب مصر ل ثمن نهائي كأس العالم للشباب 2025    يتطلع لاستعادة الانتصارات أمام المحلة| الزمالك ينفي رحيل عواد.. وينهي أزمة المستحقات    الأهلي يسعى لصعق «الكهرباء» في الدوري    هل إجازة 6 أكتوبر 2025 الإثنين أم الخميس؟ قرار الحكومة يحسم الجدل    أسعار الفراخ اليوم السبت 4-10-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في الأسواق المصرية    رغم تحذيراتنا المتكررة.. عودة «الحوت الأزرق» ليبتلع ضحية جديدة    الخبراء يحذرون| الذكاء الاصطناعي يهدد سمعة الرموز ويفتح الباب لجرائم الابتزاز والتشهير    في ذكرى حرب أكتوبر 1973.. نجوم ملحمة العبور والنصر    في الدورة ال 33.. أم كلثوم نجمة مهرجان الموسيقى العربية والافتتاح بصوت آمال ماهر    مسلسل ما تراه ليس كما يبدو.. بين البدايات المشوقة والنهايات المرتبكة    رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد إطلاق المركز الثقافي بالقاهرة الجديدة    وسائل إعلام فلسطينية: إصابة شابين برصاص الاحتلال خلال اقتحام قلقيلية واعتقال أحدهما    عبد الرحيم علي ينعى خالة الدكتور محمد سامي رئيس جامعة القاهرة    البابا تواضروس: الكنيسة القبطية تستضيف لأول مرة مؤتمر مجلس الكنائس العالمي.. وشبابنا في قلب التنظيم    حرب أكتوبر 1973| اللواء سمير فرج: تلقينا أجمل بلاغات سقوط نقاط خط بارليف    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الدائري بالفيوم    "بالرقم الوطني" خطوات فتح حساب بنك الخرطوم 2025 أونلاين عبر الموقع الرسمي    كأس العالم للشباب.. أسامة نبيه يعلن تشكيل منتخب مصر لمواجهة تشيلي    ثبتها حالا.. تردد قناة وناسة بيبي 2025 علي النايل سات وعرب سات لمتابعة برامج الأطفال    «نور عيون أمه».. كيف احتفلت أنغام بعيد ميلاد نجلها عمر؟ (صور)    "أحداث شيقة ومثيرة في انتظارك" موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الموسم السابع على قناة الفجر الجزائرية    مستشفى الهرم ينجح في إنقاذ مريض ستيني من جلطة خطيرة بجذع المخ    اسعار الذهب فى أسيوط اليوم السبت 4102025    بيطري بني سويف تنفذ ندوات بالمدارس للتوعية بمخاطر التعامل مع الكلاب الضالة    تتقاطع مع مشهد دولي يجمع حماس وترامب لأول مرة.. ماذا تعني تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني الأخيرة؟    نسرح في زمان".. أغنية حميد الشاعري تزيّن أحداث فيلم "فيها إيه يعني"    الخولي ل "الفجر": معادلة النجاح تبدأ بالموهبة والثقافة    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم السبت 4102025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الأقصر    بعد أشمون، تحذير عاجل ل 3 قرى بمركز تلا في المنوفية بسبب ارتفاع منسوب النيل    هدافو دوري المحترفين بعد انتهاء مباريات الجولة السابعة.. حازم أبوسنة يتصدر    تامر مصطفى يكشف مفاتيح فوز الاتحاد أمام المقاولون العرب في الدوري    حمادة طلبة: التراجع سبب خسارة الزمالك للقمة.. ومباراة غزل المحلة اليوم صعبة    النص الكامل ل بيان حماس حول ردها على خطة ترامب بشأن غزة    احتفاء واسع وخطوة غير مسبوقة.. ماذا فعل ترامب تجاه بيان حماس بشأن خطته لإنهاء حرب غزة؟    تفاعل مع فيديوهات توثق شوارع مصر أثناء فيضان النيل قبل بناء السد العالي: «ذكريات.. كنا بنلعب في الماية»    لبحث الجزر النيلية المعرضة للفيضانات.. تشكيل لجنة طوارئ لقياس منسوب النيل في سوهاج    «عايزين تطلعوه عميل لإسرائيل!».. عمرو أديب يهدد هؤلاء: محدش يقرب من محمد صلاح    "مستقبل وطن" يتكفل بتسكين متضرري غرق أراضي طرح النهر بالمنوفية: من بكرة الصبح هنكون عندهم    تفاصيل موافقة حماس على خطة ترامب لإنهاء الحرب    الرد على ترامب .. أسامة حمدان وموسى ابومرزوق يوضحان بيان "حماس" ومواقع التحفظ فيه    محيط الرقبة «جرس إنذار» لأخطر الأمراض: يتضمن دهونا قد تؤثرا سلبا على «أعضاء حيوية»    عدم وجود مصل عقر الحيوان بوحدة صحية بقنا.. وحالة المسؤولين للتحقيق    ضبط 108 قطع خلال حملات مكثفة لرفع الإشغالات بشوارع الدقهلية    لزيادة الطاقة وبناء العضلات، 9 خيارات صحية لوجبات ما قبل التمرين    الشطة الزيت.. سر الطعم الأصلي للكشري المصري    هل يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم الجمعه 3 أكتوبر 2025 اعرفها بدقه    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضمير في القرآن الكريم
نشر في الفجر يوم 12 - 08 - 2014

الضمير من الأدوات الرابطة لأجزاء النص، يقوم مقام اللفظ الظاهر، فيُغني عن تكراره، ويصل الجُمَل بعضها ببعض، ويحيل ما هو لاحق على ما هو سابق، فيربط آخر الكلام بأوله.

والقرآن الكريم جاء على سَنَن العرب في نظم الكلام، فاستعمل الضمير بحسب لسانهم. وفيما يلي نقف على استعمال (الضمير) في القرآن، مبينين أغراضه، وقواعده، وأنواعه، ممثلين لكل ذلك من آيات الذكر الحكيم.

الغرض من استعمال الضمير

من المفيد أن نشير بداية إلى ابن الأنباري صنف كتاباً في تعيين الضمائر الواقعة في القرآن، وهو تصنيف فريد في بابه، ذكره الزركشي في "برهانه"، وتابعه السيوطي في "إتقانه".

وقد ذكر أهل اللغة أن الغرض الرئيس من استعمال الضمير هو الاختصار؛ قالوا: إن قوله سبحانه: {أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} في ختام آية: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} (الأحزاب:35) قام مقام عشرين اسماً لو أتى بها مظهرة. ونحو هذا ما نقله ابن عطية عن مكي قال: "قوله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} (النور:31) الآية، إنه ليس في كتاب آية اشتملت على ضمائر أكثر منها، وهي مشتملة على خمسة وعشرين ضميراً".

ومن أغراض استعمال الضمير تفخيم شأن صاحبه؛ حيث يُجْعل لكثرة شهرته كأنه يدل على نفسه، ويُكتفى عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته، والمثال عليه قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} (الدخان:3)، يعني: القرآن. ومنه أيضاً قوله عز وجل: {فإنه نزله على قلبك} (البقرة:97).

ومن أغراض استعمال الضمير التحقير، كقوله تعالى: {إنه لكم عدو مبين} (البقرة:168)، يعني: الشيطان. وقوله: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} (الأعراف:27)، وهذا كثير، وهو من باب التحقير.

قواعد استعمال الضمير

استعمال الضمير في كلام العرب يخضع لقواعد لا بد من مراعاتها واعتبارها، وهي على النحو التالي:

- لا بد أن يتقدم على الضمير اسم ظاهر يدل عليه، ويعود إليه، فقوله تعالى في آية الدين: {فاكتبوه}، الضمير هنا يعود على (الدين) في بداية الآية، وهو قوله تعالى: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} (البقرة:282)، وفي قوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض} (الأنعام:112)، فقد أُخر المفعول الأول {شياطين الإنس والجن} ليعود الضمير {بعضهم} عليه لقربه.

وتأسيساً على هذه القاعدة قرر اللغويون أن الضمير إما أن يعود على اسم ملفوظٍ به سابقٍ له، نحو قوله تعالى: {ونادى نوح ابنه} (هود:42)، وقوله سبحانه: {وعصى آدم ربه فغوى} (طه:121).

أو يعود على لفظ متضمِّنٍ له، نحو: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة:8)، فإن الفعل {اعدلوا} يتضمن الاسم العائد إليه الضمير، وهو (العدل). ونحو هذا قوله عز وجل: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه}، فأعاد الضمير في {منه} على {القسمة}؛ لما كانت بمعنى المقسوم؛ لدلالة {القسمة} عليه.

أو يدل عليه اللفظ بدلالة الالتزام، نحو قوله سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} (القدر:1)، أي: القرآن، فإن (الإنزال) يدل عليه التزاماً. ومنه قوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} (البقرة:178)، ف {عفي} يستلزم (عافياً)، أعيد عليه الهاء من {إليه}.

وقد يأتي الاسم متأخراً لفظاً لا رتبة، نحو قوله عز وجل: {فأوجس في نفسه خيفة موسى} (طه:67)، التقدير: فأوجس موسى خيفة في نفسه. نظيره قوله تعالى: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} (القصص:78)، والتقدير: ولا يُسأل المجرمون عن ذنوبهم.

وقد يأتي الاسم متأخراً مدلولاً عليه بدلالة الالتزام، نحو قوله تعالى: {فلولا إذا بلغت الحلقوم} (الواقعة:83)، فقد أُضمِرت (الروح) لدلالة {الحلقوم} عليها. نظيره قوله تعالى: {حتى تواترت بالحجاب} (ص:32)، أي: الشمس؛ لدلالة (الحجاب) عليها.

وقد يدل السياق على الاسم الذي يرجع إليه الضمير، فيُضمر ثقة بفهم السامع وعلمه، نحو قوله تعالى: {كل من عليها فان} (الرحمن:36)، أي: الأرض والدنيا. ومثله قوله سبحانه: {ما ترك على ظهرها من دابة} (فاطر:45). ونحو هذا قوله عز من قائل: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس} (النساء:11)، فالضمير يعود على الميت، ولم يتقدم له ذكر.

وقد يعود الضمير على لفظ المذكور دون معناه، نحو قوله سبحانه: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب} (فاطر:11)، أُعيد الضمير على (غير المُعَمَّر)؛ لأن ذكر (المُعَمَّر) يدل عليه لتقابلهما. فكان يصاحبه الاستحضار الذهني. ومثله قوله عز وجل: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان} (يس:7)، فأعاد الضمير للأيدي؛ لأنها تصاحب الأعناق في الأغلال، وأغنى ذِكْرُ الأغلال عن ذكرها.

وقد يعود الضمير على بعض ما تقدم نحو قوله: {فإن كن نساء} وهو بعض من كل، وهو يعود على قوله سبحانه: {يوصيكم الله في أولادكم} (النساء:11). ومثله قوله عز وجل: {وبعولتهن أحق بردهن}، فإنه عائد على قوله سبحانه: {والمطلقات} (البقرة:228)، فإنه خاص بالرجعيات، والعائد عليه عام فيهن وفي غيرهن.

- ومن قواعد الضمير أيضاً عَوْده على لفظ شيء، والمراد به الجنس من ذلك الشيء؛ كقوله تعالى: {إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما} (النساء:135)، أي: بجنسي (الفقير) و(الغني)؛ لدلالة غنياً أو فقيراً على الجنسين، ولو رجع إلى المتكلم به لأفرد الضمير. نظيره قوله عز وجل: {وأتوا به متشابها} (البقرة:25)، فإن الضمير في {به} يرجع إلى (المرزوق) في الدارين جميعاً؛ لأن قوله سبحانه: {هذا الذي رزقنا من قبل} مشتمل على ذكر ما رزقوه في الدارين.

- ومن قواعده أيضاً أن يُذكر شيئان، ويُعاد الضمير إلى أحدهما، والغالب كونه الثاني، نحو قوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة} (البقرة:45)، فأعيد الضمير ل {الصلاة}؛ لأنها أقرب. ونحوه قوله سبحانه: {والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين} (التوبة:62)، فأفرد الضمير في {يرضوه}، ولم يقل: (يرضوهما)؛ لأن الرسول هو داعي العباد إلى الله، وحجته عليهم، والمخاطِب لهم بأمره ونهيه، وذكر الله تعالى في الآية تعظيماً، والمعنى تام بذكر الرسول وحده.

قال ابن الأنباري: ولم يؤثر عود الضمير إلى الاسم الأول في القرآن كله إلا في موضع واحد، وهو قوله عز وجل: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} (الجمعة:11)، فخص (التجارة) بعَوْد الضمير {إليها}؛ لأنها كانت سبب (الانفضاض) عنه، وهو يخطب. قال: فأما كلام العرب فإن الضمير تارة يعود على الثاني، وتارة على الأول. وقد رد الزركشي قول الأنباري هذا، فانظره في "البرهان".

- ومن قواعده أيضاً أن يُذْكَرُ شيئان، ويعود الضمير جمعاً؛ لأن الاثنين جَمْعٌ في المعنى، كقوله تعالى: {وكنا لحكمهم شاهدين} (الأنبياء:78)، يعني حكم سليمان وداود، فعاد الضمير في {لحكمهم} جمعاً، وهما اثنان.

- ومن قواعده أيضاً أن يثنى الضمير، ويعود على أحد المذكورين نحو قوله سبحانه: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان}، وإنما يخرج من أحدهما. نظيره قوله عز وجل: {نسيا حوتهما} (الكهف:61)، الحديث عن موسى وفتاه، فأعاد الضمير عليهما، وإنما نسيه الفتى.

- ومن قواعده أيضاً مجيء الضمير متصلاً بشيء، ويعود لغيره، نحو قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} يعني آدم: ثم قال: {ثم جعلناه نطفة} فهذه لولده، لأن آدم لم يُخْلق من نطفة. نظيره قوله سبحانه: {هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا} (الحج:78)، يتبادر إلى الذهن إن الضمير في قوله: {هو} عائد لإبراهيم عليه السلام؛ لأنه أقرب المذكورَين، وهذا غير مستقيم؛ لأن الضمير في قوله {هذا} راجع للقرآن، وهو لم يكن في زمن إبراهيم، ولا هو قاله. والصواب أن يقال: إن الضمير راجع إلى الله سبحانه، يعني هو سبحانه {سماكم المسلمين من قبل}، يعني في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلكم، وفي هذا الكتاب الذي أُنزل عليكم، وهو القرآن.

- ومن قواعده أيضاً أنه إذا اجتمعت ضمائر، فحيث أمكن عودها لواحد فهو أولى من عودها لمختلف؛ ولهذا لما جوَّز بعضهم في قوله تعالى: {أن اقذفيه في التابوت} (طه:39)، أن الضمير في {فاقذفيه في اليم} ل {التابوت} وما بعده، وما قبله ل موسى عابه الزمخشري، وجعله تنافراً ومُخْرِجاً للقرآن عن إعجازه، فقال: "والضمائر كلها راجعة إلى موسى، ورجوع بعضها إليه، وبعضها إلى {التابوت} فيه هجنة؛ لما يؤدي إليه من تنافر النظر"، قال: "فإن قلت: المقذوف في البحر هو {التابوت}، وكذلك المُلقى إلى الساحل. قلت -الزمخشري-: ما ضرك لو جعلت المقذوف والملقى إلى الساحل هو موسى في جوف التابوت؛ حتى لا تفرق الضمائر، فيتنافر عليك النظم، الذي هو قِوام إعجاز القرآن، والقانون الذي وقع عليه التحدي، ومراعاته أهم ما يجب على المفسر". وقد عقب الزركشي على قول الزمخشري بقوله: "ولا مزيد على حسنه".

ومن هذا القبيل قوله عز وجل: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه} (الفتح:9)، قال الزمخشري: "والضمائر لله عز وجل، والمراد بتعزيز الله: تعزيز دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فرق الضمائر فقد أبعد".

وقد يأتي من الضمائر ما تختلف مراجعه، كما في قوله سبحانه: {قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} (الكهف:22)، فإن الضمير في الجار والمجرور {فيهم} عائد على أصحاب الكهف، والضمير في الجار والمجرور {منهم} عائد لليهود.

- ومن قواعده أيضاً أنه إذا اجتمع في الضمائر مراعاة اللفظ والمعنى، بُدئَ باللفظ ثم بالمعنى، قال السيوطي: "هذا هو الجادة في القرآن"، والمثال عليه قوله سبحانه: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} (السجدة:18)، ف {مؤمنا} و{فاسقا} محمولان على لفظ (من)، و{لا يستوون} محمول على المعنى، بدليل قوله تعالى بعد: {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات} (السجدة:19)، وقوله عز وجل: {وأما الذين فسقوا} (السجدة:20). ونحو هذا قوله تبارك وتعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} (الحج:19)، ف {هذان} محمول على اللفظ، و{اختصموا} محمول على المعنى.

ومن أمثلته أيضاً قوله سبحانه: {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا} (الأحزاب:31)، بعودة الضمير {يقنت} مذكراً؛ رعياً للفظ {من}، ثم قال: {وتعمل} رعياً للمعنى، وهذا كثير.

قال العراقي: ولم يأتِ في القرآن البدء بالحمل على المعنى إلا في موضع واحد، وهو قوله سبحانه: {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} (الأنعام:139)، فأنَّث {خالصة} حملاً على معنى {ما}، ثم راعى اللفظ فذكَّر، فقال {ومحرم}، ولم يقل: (محرمة). قال ابن الحاجب: إذا حُمِل على اللفظ، جاز الحمل بعده على المعنى، وإذا حُمِل على المعنى ضَعُف الحمل بعده على اللفظ؛ لأن المعنى أقوى، فلا يبعد الرجوع إليه بعد اعتبار اللفظ، ويضعف بعد اعتبار المعنى القوي الرجوع إلى الأضعف، وقال ابن خالويه: "وليس في كلام العرب الرجوع من المعنى إلى اللفظ إلا في حرف واحد استخرجه ابن مجاهد، وهو قوله تعالى: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا} (الطلاق:11)، فقد وحَّد في قوله: {يؤمن} {ويعمل} و{يدخله}، ثم جمع في قوله: {خالدين}، ثم وحَّد في قوله: {أحسن الله له رزقا}، فرجع بعد الجمع إلى الإفراد".

وذكر بعضهم أن من هذا القبيل قوله تبارك وتعالى: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} (النساء:13) فقد أفرد {ومن يطع}، {ومن يؤمن} وجمع في قوله: {خالدين فيها}، فرجع بعد الجمع إلى الإفراد. وهذا التنويع في الحمل على اللفظ أو المعنى من بلاغة القرآن الكريم، ومن مظاهر تماسك نصه وانسجامه.

أنواع الضمير

الضمير على الجملة ثلاثة أنواع:

الأول: الضمير المتصل: وهو الضمير المتصل بالاسم، كالضمير المفرد المذكر والمؤنث، والمثنى والجمع. والأمثلة عليه ما تقدم.

الثاني: الضمير المنفصل: هو ضمير بصيغة المرفوع، مطابق لما قبله تكلماً وخطاباً وغيبة إفراداً وجمعاً، يقع بعد مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، وقبل خبر كذلك، نحو قوله سبحانه: {وأولئك هم المفلحون} (البقرة)، وقوله تعالى: {وإنا لنحن الصافون} (الصافات:165)، وقوله عز وجل: {كنت أنت الرقيب عليهم} (المائدة:117)، قوله تبارك: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} (هود:78). والأمثلة كثيرة في القرآن.

هذا، ولا محل للضمير المنفصل من الإعراب. وله ثلاثة فوائد: الإعلام بأن ما بعده خبر لا تابع. والتأكيد. والاختصاص.

الثالث: ضمير الشأن: ويسمى ضمير المجهول: قال في ابن هشام: "خالف القياس من خمسة أوجه. أحدها: عوده على ما بعده لزوماً؛ إذ لا يجوز للجملة المفسرة أن تتقدم عليه، ولا شيء منها. الثاني: أن مفسَّره لا يكون إلا جملة. الثالث: أنه لا يُتبع بتابع، فلا يؤكد، ولا يعطف عليه، ولا يبدل منه. الرابع: أنه لا يعمل فيه إلا الابتداء أو ناسخه. الخامس: أنه ملازم للإفراد". ومن أمثلته قوله سبحانه: {قل هو الله أحد} (الإخلاص:1)، وقوله تعالى: {فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} (الأنبياء:97)، وقوله عز وجل: {فإنها لا تعمي الأبصار} (الحج:46). وفائدته الدلالة على تعظيم المُخبَر عنه وتفخيمه، بأن يذكر أولاً مبهماً ثم يُفَسَّر.

قال ابن هشام: "ومتى أمكن الحمل على غير ضمير الشأن، فلا ينبغي أن يُحمل عليه"، ومن ثم ضَعَّفَ قول الزمخشري في قوله سبحانه: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} (الأعراف:27) قال الزمخشري: "والضمير في {إنه } للشأن"، قال ابن هشام: "والأولى كونه ضمير الشيطان، ويؤيده قراءة (وقبيلَه) بالنصب، وضمير الشأن لا يُعطف عليه".

هذه جملة من أحكام الضمير والغرض منه وأنواعه، مع التمثيل لها من الآيات القرآنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.