أكد المفتى الجديد للبنان الشيخ عبد اللطيف دريان أنه لا مجال اليوم ولا بعد اليوم للانقسام بين المفتى والمجلس الشرعى الإسلامى الأعلى (أعلى هيئة دينية سنية فى لبنان). وقال دريان - فى كلمة له من دار الفتوى بعد انتخابه مفتيا للبلاد اليوم الأحد - إنه "أصاب دار الفتوى ما أصاب الوطن فى السنوات الماضية من انقسام من حولها وانقسامات فى قلب مؤسساتها وتراجع فى خدماتها الوطنية وفى القيام بدورها الجامع ومهماتها الاجتماعية الكبرى التى عرفها عنها اللبنانيون على اختلاف الطوائف".. وأعرب عن أمله بأن "تكون عملية انتخاب المفتى فاتحة خير ووفاق على هذه المؤسسة الإسلامية والوطنية".
وأضاف أن "الذى جرى اليوم هو تعبير عن إرادة قوية من جانب كل المسلمين فى لبنان، فى مواجهة المشكلات وتسديد المسار والتصميم على متابعة المهام والدور والإسهام المعهود من جانب هذه الدار فى صون الشأنين الإسلامى والوطني"، مشددا على أنه سيكون على "مستوى الأمانة التى عهدتم لى بها فى رعاية الشأن الدينى والوقفى والقضائى والخيرى بحسب المراسيم والقوانين والأعراف المرعية بما تقتضيه النزاهة".
وتابع "لقد وضعنا المشرعون وأسلافنا على طريق واضحة فى التعاون والتضامن وأداء المهام، وتلقينا دروسا فى هول ما يحصل عندما يحصل الخلاف والانقسام"، معربا عن إصراره على "العودة بمسيرة الألفة والوحدة والعمل بقدر الوسع والطاقة مع المجلس الشرعى الأعلى لاستدراك ما فات والاستعداد لما هو آت، عبر العمل مع المجلس الشرعى ومع المجلس الاستشارى مع الإدارات الوقفية وإدارات المؤسسات الخيرية على تلافى ما وقع من أضرار".
وقال مفتى لبنان "نحن فى المؤسسات الدينية رأس مالنا ثقة المجتمع الإسلامى فى لبنان.. والتعليم الدينى فى مدارسنا الرسمية والخاصة لا يكاد يقوم بمهام الحد الأدنى فى التربية على الدين والأخلاق، ونحن نعانى من التشرذم وضآلة الكفاءة".
وأضاف "لدينا انفلات كبير وكثير ولدينا من جهة ثانية تشدد وانكماش وغربة وغرابة.. ولا ينبغى أن نحمل أنفسنا نحن القائمون على التعليم الدينى ما لا نطيق وما لسنا مسئولين عنه"، موضحا أن "مجتمعنا الإسلامى واللبنانى يضج بشكوى فى كل تلك الشئون وبخاصة فى مجال التشدد والتطرف".
وشدد دريان على أن "ديننا دين الاعتدال والتسامح والعيش المشترك، ولو استقامت التربية الإسلامية ستعالج كل هذا التطرف، ونحن بحاجة إلى إعادة تنظيم المعاهد الدينية وتدريب المدرسين وفى الإشراف الأقوى فى دار الفتوى على المدارس الدينية الرسمية والخاصة"، مشيرا إلى أننا "نحتاج اليوم وغدا إلى مكافحة الفقر والحاجات الاجتماعية ومكافحة التشدد والتطرف والعنف باسم الدين فى أوساطنا، كما نحتاج إلى ثقة المجتمع الإسلامى والوطنى والعربي".
ورأى أن "مقام مفتى الجمهورية اللبنانية هو مقام مصارحة، كما أن هذه الدار كانت ولاتزال دار مصالحة، والعلاقات بين الشيعة والسنة داخل الإسلام ليست على ما يرام"، لافتا إلى أن "ما يجرى فى العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا هول هائل وما نصنعه فى أنفسنا يكاد يعجز عن صنعه الإسرائ يليون". وطالب دريان ب"إيجاد مبادرة لهذه المشكلة لأن الخسائر هائلة ولأن الفتنة بحسب ما جاء فى القرآن لا تنال من المتورطين فيها فقط، إن العقاب الشديد لا ينال المتورطين فى الفتنة فقط بل أولئك الذى كانوا قادرين ولم يبادروا إلى إخماد نيرانها"، مشيرا إلى أن "هذا الشر المستطيل لا ينال فقط من وحدة الأوطان إنما ينال من ديننا الذى ساء مشهده فى العالمين العربى والإسلامي".
وأكد أن "بيننا وبين المسيحيين فى الوطن شراكات ووجوه عيش كريم، وقد اختلفنا ونختلف فى أمور كثيرة لكننا ومنذ قرر القرآن الكريم أن النصارى هم الأقرب لنا"، معربا عن تضامنه مع "المسيحيين"، مطالبا ب"إحقاق الحق فنحن معا نستطيع القيام بالكثير فى لبنان وطن السلام".
وقال "سنبقى اليوم وغدا أهل الجماعة والألفة والمبادرة، فبالأمس كانت عرسال هى الحدث وقبلها طرابلس وقبلها صيدا وقبلها بيروت لكننا نبقى أهل الجماعة وأهل الدولة وأهل المبادرة".
ولفت إلى أننا "تحملنا عبء النزوح السورى وعبء اللجوء الفلسطينى وبين هذا وذاك تحملنا وما نزال نتحمل القتل والاغتيال من القريب وغير القريب لكننا نبقى اهل الجماعة وأهل العيش المشترك"، موجها التحية إلى مبادرة الملك السعودية وقال "نقدرها، ونطمئن اللبنانيين إلى أنه لن يغير من طبيعتنا لا العدوان ولا التطرف ولا الإرهاب، ولن يخرجنا عن طورنا أحد أو حدث أو عنف"، مشددا على أن دار الإفتاء ستبقى فى السنوات المقبلة على صورة المسلمين واللبنانيين فى ودهم وحضارتهم واقتناعهم العميق وانتمائهم العربى وأمانتهم لدينهم وأمتهم.