اجتماع فى فيللا أحد قيادات مجلس الشورى كان نقطة البداية ■ الاجتماع طالب بتصعيد الشباب لتعويض غياب أعضاء مجلس شورى الإخوان الذى يصل عدده إلى 115 عضوا
■ محمود حسين يرد على مطالبة الشباب بفصل القيادات وانتخاب قيادات جديدة بكلام عن التزام الإخوان بالشورى
هل انتهت جماعة الإخوان المسلمين إلى الأبد؟
شباب الإخوان يحملون غضب رابعة
■ توجيه بعودة اجتماعات الأسر الإخوانية والتركيز على أن الجيل الحالى هو جيل المحنة وليس التمكين الذى لم يأت أوانه بعد
هل انتهت جماعة الإخوان المسلمين إلى الأبد؟
هل استسلم شباب الجماعة بعد أن وصلوا إلى مرحلة اليأس التى أدركوا معها وفيها أن تنظيمهم لا يعد له وجود ولن يكون له مستقبل فى مصر؟
مظاهرات الإخوان المسلمين التى لا تنقطع يراها البعض محاولة لإنقاذ الرقاب من الإعدام، وهروبا بالأبدان من السجن... لكنها لا تعبر أبدا عن حيوية يتميز بها التنظيم الذى عاش 80 عاما يبحث عن السلطة، ولما وصل إليها فقدها فى عام واحد.
لكن هل معنى ذلك أن الجماعة استسلمت؟... أعتقد أن أى تفاؤل بنهاية جماعة الإخوان المسلمسن لن يكون فى محله، ولا أرتكن هنا إلى فكرة أو تحليل أو تنظير ولكن إلى أرض الواقع... وما يجرى فى كواليس الجماعة التى لا يريد أبناؤها الاعتراف بأن الزمن تجاوزهم وتجاوز دعوتهم ورجالهم وأهدافهم ومشروعهم... هذا إذا كان لديهم مشروع من الأساس.
منذ ما يقرب من شهرين جرت وقائع اجتماع فى فيللا خاصة بأحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين (عضو فى مجلس شورى الجماعة)... كان الاجتماع على خلفية تساقط قيادات الجماعة وصدور أحكام ضدهم، وهو مجلس شورى الإخوان يفقد عدداً كبيراً من أعضائه الذين يبلغون 115 عضوا.
هدف الاجتماع بشكل محدد كان أن يتم الاتفاق على تصعيد الشباب لاستكمال عدد مجلس شورى الجماعة، على أن يتم اختيار الشباب بدقة وطبقا لمعايير محددة دون تجاوز لوائح الجماعة التى تنظم عملية انتخاب أعضاء مجلس الشورى.
لم يكن هذا هو المزعج فقط فى اجتماع عضو مجلس شورى الجماعة بشباب الإخوان فى فيللته، كان هناك ما هو أكثر إزعاجا، فقد طالب الشباب بإقالة عدد من قيادات الجماعة، وخاصة الذين وقعوا فى أخطاء كادت تورد الجماعة موارد التهلكة، وأن تتم الإقالة بشكل علنى ومسبب، حتى يعرف أعضاء الجماعة جميعا أنه لا أحد فوق الحساب والمساءلة.
هذا الاجتماع كان له رد فعل عنيف وصدى واسع، ولم تكن رسالة محمود حسين أمين عام الجماعة الهارب الآن فى قطر إلى قواعد الإخوان التنظيمية إلا محاولة لاستيعاب رغبة شباب الإخوان فى إقالة القيادات ومحاسبتهم.
لم يلتفت كثيرون إلى الأسباب التى دعت محمود حسين إلى إصدار بيان يخلص فيه إلى أنه لا يجوز تغيير قيادات الجماعة إلا بالشورى لأنهم جاءوا أساسا بالشورى، إلا أن الباحث ماهر فرغلى كانت له وجهة نظر أخرى، فقد تحرك حسين عندما أدرك أن هناك خطراً على تماسك التنظيم القديم، دون أن يعى أن هناك تنظيماً جديداً يمكن أن يتشكل على أنقاض التنظيم القديم.
تجاهل محمود حسين الاجتماع تماما، لم يشر إليه من قريب أو بعيد، وهو أمر طبيعى جدا، لكنه برر بيانه الذى أصدره بأنه يأتى ردا على كتابات متنوعة تناولت موضوع آليات اختيار مسئولى الجماعة فى المواقع المختلفة والمعايير التى يتم عليها هذا الاختيار، ورغم أنه يقدر هذه الكتابات – حسب زعمه – إلا أنها تحمل استنتاجات متسرعة يجانبها الصواب، فالمسئولية داخل الجماعة تكليف لا تشريف.
لم يكن صحيحا أن محمود حسين يتحدث مع من كتبوا، ولكنه وجه كلامه إلى من اعترضوا واحتجوا على وجود القيادات الحالية على رأس الجماعة، قال لهم إن أهم القواعد فى الجماعة هى الشورى الملزمة، وذلك حتى يلتزم المسئول برأى الأغلبية، ويزعم حسين أن الجماعة اعتمدت المؤسسية فى كل أعمالها وعلى كل المستويات، فلا يوجد قرار فردى وإنما كل القرارات تؤخذ فى مؤسسات الجماعة الشورية سواء المكاتب أو مجالس الشورى أو بالأغلبية.
وحتى يؤكد حسين كلامه فقد استعرض الأشكال المختلفة لقيادات الجماعة، فهناك القيادات المعينة من قبل مكتب الإرشاد والقيادات المنتخبة والتى تمثل كل المجالس الشورية، فلكل شعبة ولكل منطقة ولكل محافظة مجلس شورى وللقطر مجلس شورى عام، وهذه المجالس تنتخب من القاعدة الإخوانية فى الموقع الجغرافى الذى تمثله، ولكل مجلس ممثلوه فى المستوى الذى يليه أيضا بالانتخاب السرى المباشر من القاعدة الإخوانية.
العمل اليومى فى جماعة الإخوان المسلمين عبر الشعب والمناطق والمحافظة ومكتب الإرشاد كانت تديره المكاتب التى يتم انتخاب أعضائها بالانتخاب السرى المباشر من مجالس الشورى كل فى مستواه.
لا يريد محمود حسين أن يعترف بأنه يتحدث عن أطلال جماعة تهاوت، لكنه فى قرارة نفسه يعرف المأزق الذى يعانى منه هو وجماعته، ولذلك حاول تبرير فشل كثير من القيادات التى تولت شئون الجماعة عندما قال إن العمل البشرى يبقى خاضعا لاجتهادات الأفراد التى قد تخطئ أو تصيب، ولذلك فهناك نسبة لا يتم تجاوزها للتعيين ليتم تدارك بعض سلبيات الانتخابات، والتى تغطى بعض التخصصات التى لا تتوافر بالانتخابات أو نتيجة لانتقال بعض الكفاءات ولا يتوافر فيها شروط الاختيار.
ومن بين ما برر به حسين فشل القيادات أيضا أن هناك صعوبات تواجه عمل الجماعة سواء فى الانتخابات أو التعيينات، تتلخص أهمها – من وجهة نظره بالطبع – فى تداعيات التضييق الأمنى الذى يحيط بعمل الجماعة، وهو تضييق يعوق عملية تسجيل الخبرات والدورات التى يشارك فيها الإخوان، ثم إنه وكما يقول حسين لا يتاح احتكاك مباشر وعميق بين الأفراد ليتعارفوا بشكل دقيق إلا من خلال المعسكرات والرحلات وفترات السجون وبالتالى قد يشوب الاختيار سواء بالانتخاب أو التعيين بعض جوانب القصور.
حاول محمود حسين أن يبدو متماسكا وقويا موحيا بأن الجماعة ما زالت تعمل، وما زالت تتبع قواعدها فى العمل الذى قال إنه مؤسسى، لكن أمين الجماعة كشف- ربما دون أن يقصد- عن حجم الأزمة التى يعيشها الإخوان المسلمون.
فبعيدا عن التأويلات والشائعات هناك انشقاقات كثيرة أصابت جماعة الإخوان المسلمين بعد رحيل محمد مرسى عن السلطة، بعضها لأسباب سياسية متعلقة بقناعة أعضاء داخل الجماعة بأنهم غير مؤهلين على الإطلاق للعمل السياسى، ولأسباب عقائدية، رأى أصحابها أن الجماعة لو كانت على حق لما جرى عليها ما جرى، ولما تمزقت وتشتتت ودخلت السجون وقتل أبناؤها، فلو أنها جماعة ربانية كما يقولون لما تخلى الله عنها.
اجتماع فيللا القيادى الإخوانى الذى ينتمى إلى مجلس شورى الجماعة كان به ملمح آخر، أعتقد أنه الأكثر خطورة، لقد قرر المجتمعون إحياء التنظيم من جديد، والبعد به عن حالة الصراع الحالية التى كبدت الجماعة خسائر فادحة.
فالإخوان يصرون على أن اجتماعات الأسر الإخوانية (الأسرة أصغر وحدة فى الهيكل التنظيمى لجماعة الإخوان) كانت مستمرة طوال الفترة الماضية رغم المشاكل التى مرت بها الجماعة، ورغم حالة الحصار التى أصابتها سواء من الجيش والشرطة أو من الشعب الذى أصر على اقتلاع الجماعة من جذورها.
إلا أن الحقيقة التى لا يستطيع الإخوان إنكارها، أنهم دخلوا جميعا فى حالة عامة من الارتباك أفقدتهم أى شكل تنظيمى كانوا يحرصون عليه، خاصة الاجتماعات الأسبوعية، وحتى لو سلمنا جدلاً بأن هذه الاجتماعات كانت تعقد، فإنها فى الغالب كانت لتنظيم المسيرات والمظاهرات الإرهابية التى عانت منها مصر خلال الشهور الماضية.
كان التوجيه الأساسى فى هذا الاجتماع هو الحفاظ على الاجتماع الأسبوعى للأسر الإخوانية، وأن يتولى الشباب الحديث فى اجتماعات الأسر، على أن يكون العنوان الكبير لهذه الجلسات هو «وضوح الرؤية».
حدد المجتمعون لهذه الجلسات محاور محددة وهى التأكيد أن الجيل الحالى من أجيال الجماعة هو جيل المحنة وليس جيل التمكين، وعلى هذا الجيل أن يتحمل نصيبه من المحنة والابتلاء حتى يصل إلى مرحلة التمكين التى حتما ستصل إليها الجماعة فى يوم من الأيام.
التكنيك الذى تحرص عليه هذه المجموعة التى لم تعلن عن نفسها بعد هو أن الجماعة لابد أن ترجع خطوات إلى الوراء، حتى تستوعب الضربات التى توجه إليها، وهى ضربات بالنسبة لها مقصودة، والملفت للانتباه أن الإحياء الجديد لجماعة الإخوان يقوم على أن القيادات التى تولت المسئولية كانت مخطئة ومتعجلة، وأن المحنة التى تمر بها الجماعة الآن كانت للرد على هذا التعجل، وعلى الأجيال الجديدة أن تتعلم الدرس، وأن تصبر حتى تحقق الجماعة كل أهدافها.
لقد طالب بعض قيادات الجماعة السابقين أن يجرى شباب الجماعات مراجعات فكرية وسياسية تمهيدا لاندماجهم فى المجتمع، لكن الحادث فعلا أن شباب الجماعة لن يقوم بمراجعات، كل ما سيفعله أنه سيعود مرة أخرى إلى سيرة الجماعة الأولى، فيما يسمونها تربية الأجيال من خلال الجلسات التربوية التى يتم فيها تدريس الجماعة وتضحياتها، وتقديم نماذج قيادات الجماعة الأولى، فى محاولة لغسيل سمعة القيادات الحالية، فكل ما حدث أن التوفيق خانهم وأنهم لم يقدروا للامور قدرها، مما أوقعهم فى الخطأ.
الأسر الإخوانية التى بدأت العمل مرة أخرى وبدأب شديد تحاول من جانبها أن تستوعب غضب الشباب، خاصة أن عددا كبيرا من شباب جماعة الإخوان يرى أن النظام الحالى كافر، والسبب ما جرى أمام أعينهم فى فض رابعة العدوية والنهضة، فهم يتعاملون مع نظام – من وجهة نظرهم – أشد جاهلية من مجتمع الجاهلية الأول، لكن قيادات الجماعة الجدد يرون أن هذه الروح يمكن أن تضر الإخوان فى السنوات المقبلة، لأن رغبة الشباب فى الانتقام سوف تجعلهم فى مرمى هدف النظام، لكن الإعداد التربوى للشباب يمكن أن يجعلهم أكثر قدرة على المقاومة، وتحدى النظام، خاصة أن الإخوان المسلمين يرون أنهم سينتصرون، وأن معركتهم مع الشعب المصرى لم تنته بعد.
بقيت نقطة مهمة جدا فى عملية الإحياء الجديدة، وهى أن نفس المناهج التى كان يدرسها الإخوان طوال تاريخهم هى نفسها التى يتم تدريسها الآن، ما زال حسن البنا هو المعلم والمرشد للأجيال الجديدة، ولا تزال كتابات سيد قطب – مفتى الدماء الأول ومفكر العنف الكبير – هو الشهيد لديهم، الذى لابد أن يتم اقتفاء أثره والعمل على منهجه، وهو ما يعنى أن الإخوان المسلمون الجدد، أو الأجيال الجديدة التى تعد نفسها للقيادة خلال السنوات المقبلة لن تختلف فى قليل أو كثير عن القيادات التى قادت الإخوان إلى الجحيم.
سيزيد على ذلك أن الأجيال الجديدة ستكون أكثر عنفا وأكثر رغبة فى سفك الدماء، القيادات الكبرى تقوم بتلجيم الشباب الآن، ليس إيمانا بأن العنف لن يؤدى إلى شىء، ولكن لأن العنف ليس وقته، فالجماعة ليست مؤهلة لتحدى الجميع... ولذلك ليس عليهم إلا أن يكمنوا قليلا حتى يتمكنوا.
قدر الجماعة فيما يبدو أن تكون مثل سيزيف حامل الصخرة، تصل إلى قمة الجبل فيزيح الشعب الصخرة فتنزل إلى السفح من جديد لتواصل الرحلة مرة أخرى... لكن ما لا يعرفه الإخوان أن قدرها هذه المرة أنها لن تصعد من جديد، حتى لو حاولت أن تحيى نفسها وأن تبعث بالروح فى عظامها المفتتة... إننا أمام مجموعة مجنونة بالسلطة والثروة والنفوذ... ولا تدرى ان مقتلها فى طموحها... فقط ما يؤسفنا أن الدائرة تدور ولن يكون هناك أى جديد.