أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش)، بتاريخ 29 يونيو(حزيران) الماضي، عن تغيير اسمه ل "الدولة الإسلامية"، مفسحاً الطريق لإقامة "دولة خلافة إسلامية" تمتد لأبعد من منطقتي بلاد الشام والعراق وحدهما، عبر تنصيب "خليفة" لهذه الدولة المزعومة، هو أبو بكر البغدادي. يعتبر تنظيم داعش أنه في مرحلة "التمكين" حيث تبدأ الدولة بالتمدد إلى البلاد المجاورة وتضمها لتكون تحت رايتها ثم ينتقل عناصر التنظيم إلى كل البلاد الإسلامية وبعدها يحررون القدس ثم بخارى وسمرقند والأندلس وبعدها ينطلقون لتحرير الأرض كلها من "هيمنة الكفر" ويعد هذا القرار الذي اتخذه تنظيم داعش خطوة غير مسبوقة، إلا أنها متوقعة إذا أخذنا في عين الاعتبار أن داعش هو اليوم أكثر التنظيمات ثراءً – وتطرفاً - في العالم، ما يجعل بوسعه بسط نفوذه أكثر فأكثر، حتى يشطح به الخيال لحد التفكير في إعلان قيام دولة خلافة "حديثة"، كما أعلن فعلاً. ويأتي إعلان داعش هذا تتمةً للهدف الأساسي لقيام مثل هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة في الأصل، وهو "الإطاحة بنظام الحكم الحالي، وإقامة دولة إسلامية بديلة"، حيث النتيجة الحتمية التالية لقيام دولة إسلامية واحدة، هي قيام دولة خلافة كاملة.
ولم يكن اسم "داعش" ليعني شيئاً في حد ذاته، فلا جذر له في اللغة ولا إشارة في مراجع الإسلام، باعتبار أن الاشتقاقات الدينية شائعة بقوة، إلا أن تغيير اسمه ل "الدولة الإسلامية"، وإعلانها دولة خلافة، يعد بمثابة تتويج ل "الفتوحات" التي يزعمها داعش، لاسيما إذا بدأ تداول هذا الاسم إعلامياً. "الخليفة" أبو بكر البغدادي بإعلان داعش، أصبح إبراهيم عوض البدري، المكنى أبو بكر البغدادي، العراقي المنحدر من مدينة سامراء في شمال غربي العراق، قائداً – أو أميراً – ل "الدولة الإسلامية". ويعد البغدادي (42 عاماً)، المختص في الفقه الإسلامي والشعر، مقاتلاً في حرب العصابات، وخبيراً في التكتيكات الحربية منذ عام 2004، كما حارب القوات الأمريكية على طريقة "اضرب واهرب" في وسط العراق وبغداد، حين كان ضمن مجموعة "جيش السنة"، التي أسسها بنفسه.
وعلى الرغم من انضمام البغدادي إلى القاعدة، إلا أنه أصبح قوياً بحد ذاته، ورفض عدة أوامر تنظيمية أصدرها زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، وأصر على إبقاء "جبهة النصرة" وداعش منفصلتين من الناحية التنظيمية. تكتيك وترهيب لا يكتفي تنظيم داعش بالاستيلاء على القرى، بل يعيد طلاء المباني الحكومية باللون الأسود، ويعطي مقاتليه ألقاباً إسلامية، ويجعلهم مسؤولين عن فرض رؤيتهم المتشددة حول الإسلام. ويعتبر الخبير في المجموعات الجهادية في معهد واشنطن، آرون زيلين، أن الذين يقفون في وجه داعش "ينتهي بهم الأمر إما أمواتاً، وإما في زنزانة في أحد أقبيتها، وإما بين هذا وذاك".
لكن الذي حدث في الأيام الماضية، أظهر أن داعش تطاول على نحو يفوق قدراته، فبعد أن ظهر مجدداً في غرب العراق، وادعى مسؤوليته عن أول تفجير له في لبنان، أشعل تمادي التنظيم ثورةً مسلحةً ضده في معاقله، شمالي سوريا. وفجأة، وجد التنظيم أن سمعته المخيفة تبددت وتكشَّف ضعفه، بعد أن تعرض إلى هجمات منسقة على نقاط التفتيش التابعة له، وقواعده قليلة التحصين، وحتى على معاقله المحمية بصورة كثيفة، وهو ما دعا به لإعلان "الخلافة".
مراحل التنظيم ترى تنظيمات القاعدة، ومنها تنظيم داعش، أن السبيل الوحيد للوصول إلى "السلطة وتطبيق شرع الله" هو الجهاد والقتال، ولهذا يرفعون الراية السوداء التي تعتبر راية الحرب، حيث ذكرت صحيفة "الحياة" أن منظّري القاعدة يرون أن الطريق إلى الخلافة أو الدولة الإسلامية يمر بثلاث مراحل: مرحلة الشوكة والنكاية في هذا السياق، رشَّح تنظيم القاعدة منذ سنوات عدة دولاً ليبدأ فيها نشاطه، هي المغرب وليبيا والجزائر، ومالي ونيجيريا ومصر والسودان، واليمن والسعودية وباكستان، ثم أُدرج العراق عام 2003، ثم سوريا عام 2011. وتقضي سياسة التنظيم بتكوين خلايا منفصلة في هذه المناطق، محاولاً إقناع الناس بأنهم أتوا ل "محاربة المحتلين الأجانب، ورفع الظلم عنهم من النظم الحاكمة".
شعار هذه المرحلة هو "الدم الدم، والهدم الهدم، وتدفيع الثمن للعدو"، فإذا ما قتلت القوات النظامية، مثلاً، إحدى المجموعات أو أسرت عناصرها، فإن على المجموعات الأخرى أن ترد بقوة. وتركز مجموعات القاعدة في هذه المرحلة، على ضرب المصالح الاقتصادية، بهدف إجبار الجيوش والقوات الأمنية على تعزيز الحماية لها. وأطلق قادة القاعدة على هذه المرحلة اسم "الشوكة"، لأن المجموعات فيها "لا تنكسر"، كما يقولون. مرحلة إدارة التوحش بعد أن يجبر عناصر القاعدة الأنظمة أو المحتلين على الانسحاب من بعض المناطق، تحدث فوضى عارمة، فينتشر السلب والنهب والسرقة، ويكثر القتل وتغيب القوانين، هذا الوضع الاجتماعي يطلق عليه منظّرو القاعدة اسم "التوحش". وينصب عمل الجماعات في هذه المرحلة، على ضبط الأمن(عبر إنزال العقوبات الصارمة بكل من يسرق أو يقتل أو تثبت عمالته)، وتوفير حاجات الناس وإزالة ما تعتبره "معالماً شركية" (أي هدم القبور ومنع التدخين وهدم التماثيل)، وإجبار الناس على الالتزام بالتعاليم الدينية، وحضور الدروس الدعوية.
لا تشغل الجماعات التابعة لداعش نفسها بمحاربة الأنظمة في هذه المرحلة، ما لم تبادرها هذه بالهجوم، إذ إن تنفيذ الهجمات والتفجيرات من اختصاص مجموعات "الشوكة" في المرحلة الأولى. مرحلة التمكين في هذه المرحلة، يُعلن عن قيام دولة الخلافة، وبعدها تبدأ الدولة بالتمدد إلى البلاد المجاورة، وتضمها لتكون تحت رايتها، ثم ينتقل عناصر التنظيم إلى كل البلاد الإسلامية، وبعدها يحررون القدس، ثم بخارى وسمرقند والأندلس، وبعدها ينطلقون لتحرير الأرض كلها من "هيمنة الكفر".
وبالتالي، يرى تنظيم داعش أنه في خضم المرحلة الثالثة، وهي مرحلة التمكين، وعليه فلا بد من مبايعة إبراهيم عواد إبراهيم البدري، المعروف بالبغدادي، خليفةً للمسلمين، الذي سيحاول جاهداً بسط نفوذ التنظيم على دول عديدة. الأخطر منذ 11 سبتمبر وكانت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية ذكرت، في تقرير نشرته في وقت سابق شهر يوليو(تموز) الجاري، أن تنظيم داعش هو "الأسوأ والأشد وحشيةً وتطرفًا في تاريخ الجماعات المتطرفة، ولديه خطة خمسية لتأسيس دولة للخلافة الإسلامية تمتد أطرافها إلى خارج حدود دول العالم الإسلامي".
وحسب الصحيفة، فإن داعش يخطط لتأسيس دولة إسلامية تشمل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجزءاً كبيراً من غرب آسيا، وأجزاء من أوروبا، إلى جانب دول البلقان. ونقلت الصحيفة عن عدد من المراقبين قولهم إن ما حققه داعش إلى الآن يعد "الأخطر في تاريخ الحركات المسلحة، منذ أحداث 11 سبتمبر 2001". استغلال وتشويه واعتبر أستاذ الشريعة والقانون في جامعة الأزهر، الشيخ محمود الجبلي، أن تنظيم داعش بإعلانه الخلافة "وصل للقمة باستغلال الدين الإسلامي وتشويهه". وأضاف: "ما تقوم به هذه العصابة من إعلان للخلافة وتنصيب للخليفة، ليس إلا كذباً وافتراء، ومؤشراً لزيادة في الظلم الممارس على الناس، في المناطق التي يتواجدون بها حالياً في سورياوالعراق".
وأكد الجبلي أن إعلان الخلافة لدى المسلمين له شروط وضوابط شرعية، وهي غير متوفرة في حالة دولة البغدادي، وبالتالي فإن إعلانه هذا هو "إعلان باطل، لافتقاره لأدنى مقومات الدولة الاسلامية، وهي أن تكون الدولة قد مدت سيطرتها وسلطانها على كافة الأراضي، والمقصود بسيطرتها هو السيطرة بالكلام والإقناع، وليس بالدماء والقتل كما تتصرف داعش". لا مودة بعد اليوم من جهته، قال اللواء المتقاعد في الجيش المصري والمتخصص بالجماعات الإرهابية، يحيى محمد علي، أن الإعلان "ينبئ بالمزيد من المعارك العنيفة بين داعش ومن يعارضها، في المناطق التي تسيطر عليها في العراقوسوريا، خصوصاً مع جبهة النصرة وتنظيمات القاعدة الأخرى".
وأشار علي إلى أن "إعلان العدناني هو رسالة واضحة لتنظيم القاعدة، إذ إن إعلان الخلافة يسقط "الولايات الإسلامية" الأخرى وولاية أمرائها، إن كانوا تابعين لداعش أو لأي تنظيم آخر". مسرحية دموية من جهته، اعتبر الشيخ في مسجد العمر في حلب – سابقاً معاذ عبد الكريم، أن إعلان الخلافة الإسلامية وتنصيب البغدادي خليفة هو "استكمال للمسرحية الدموية التي يتم عرضها في سورياوالعراق". ورأى الشيخ أن لجوء داعش إلى منصب الخليفة ليس إلا "لجوءاً إلى رمز إسلامي وتاريخي لحماية وجوده، في ظل ممانعة معظم المواطنين له، وعدم اقتناعهم بوجوده من الأصل".
وأضاف قائلاً: "لو سلمنا جدلاً بأن داعش تسعى لإقامة دولة الخلافة، فالبيعة للخليفة لا تكون من حاشيته وجنده، بل تكون من جميع سكان البلاد التي سيحكمها في الدولة المزعومة، وهو ما ليس متوفراً، بعد النقمة الكبيرة من أهالي سوريا ضد داعش، بسبب الممارسات غير المقبولة التي تقوم بها باسم الدين". هروب من الجرائم إلى جانب ذلك، أعلن رئيس جماعة علماء ومثقفي العراق، خالد الملا، أن "كبار علماء الإسلام في العراقوسوريا والسعودية ومصر، رفضوا خطوة تنظيم داعش بإعلان خلافة إسلامية، كونها غير شرعية ولا تحمل نوايا سليمة".
وأفادت هيئات شرعية معارضة في سوريا، ومن أبرزها "الهيئة الشرعية" التابعة لفصيل "الجبهة الإسلامية"، في بيان مشترك، بأن "شروط الخلافة لم تتحقق في وقتنا الحاضر، وخصوصاً بالنسبة لتنظيم الدولة". واعتبرت الهيئات أن إعلان التنظيم لدولة الخلافة "هروب للأمام من جرائمه، وإضفاء الصبغة الشرعية على ما يقوم به، خصوصاً في ما يتعلق بقتال مخالفيه والممتنعين عن تقديم البيعة له". سلوك وعقيدة ويرى بعض الخبراء أن الشيء الذي جعل المجموعات الأخرى تنقلب ضد داعش هو سلوكها(الدموي والمتطرف) وليس عقيدتها، وقد رفض هذا التنظيم القبول بآليات التحكيم التي تم إنشاؤها لحل الخلافات بين الجماعات المختلفة، في منطقتي حلب وإدلب.
وقال الخبير في الفصائل المتمردة في مؤسسة أوقاف كارنيغي للسلام الدولي، أرون لاند: "ما أزعج هذه المجموعات كثيراً هو رفض داعش اعتبار نفسها فصيلاً من بين فصائل أخرى"، حيث يرى تنظيم داعش نفسه أعظم شأناً من الجماعات الأخرى، التي يفترض أنها تشاركه الفكر. القرضاوي يدعم داعش بالرغم من إصداره بياناً أعلن فيه عن "بطلان" قيام دولة "خلافة إسلامية"، إلا أن شيخ الفتنة يوسف القرضاوي ليس مناهضاً لتنظيم داعش على طول الخط، بل على العكس، حيث قال إنه تابع "التصريحات الصادرة عن تنظيم ما يسمى ب (الدولة الإسلامية) والتي انطلقت من العراق، مع القوى العراقية الأخرى، مدافعين عن سنة العراق، وعن المستضعفين في هذا البلد، ففرحنا بهم ورحبنا بهذا الاحتشاد لرفض الظلم والتجبر في الأرض".
وبالنظر إلى تصريحه، نلاحظ أن القرضاوي اعتبر عناصر داعش، في أول الأمر، "مدافعين عن السنّة"، مع أن التنظيم كان ينتهج سياسة الدموية والتطرف منذ الأيام الأولى لبسطه نفوذه على أراضي العراقوسوريا. لذا، فإننا نستشف من بيان القرضاوي أنه كان يستبشر خيراً باصطفاف "داعش" مع قوى "الثورة" في العراق، لما اعتبره "نصرة أهل السنة هناك".
ويبدو واضحاً أن القرضاوي من أشرس المدافعين عن "داعش"، وأنه ما كان سيصدر هذا البيان لولا موضوع "الخلافة"، فهذا الرجل، الذي يعرف عنه أن كثيراً من تصريحاته مثيرة للفتنة، لا توجد لديه أية مشاكل مع "داعش"، ولا يختلف معها على شيء ما، وجل ما استفزه هو إعلان "الخلافة" من قبل "داعش"، التي يرفضها القرضاوي لاعتبارات أخرى في نفسه. ولا خير يرتجى، بطبيعة الحال، من أن تكون جماعة تكفيرية إرهابية كداعش تدافع عن حقوق السنّة، حيث مارس التنظيم العنف على أقرب حلفائه بالعقيدة، مثل "جبهة النصرة" في سوريا، فقتل الآلاف منهم ذبحاً وصلباً وتفجيراً، دون أدنى رحمة، ناهيك عن فظاعاته مع باقي المسلمين والمسيحيين والقوميات والمذاهب الأخرى، والسؤال هو، كيف يرى القرضاوي في هكذا ممارسات "دفاعاً عن حقوق المستضعفين"، كما يزعم.