لم يخل تاريخ مصر المحروسة من البلاء والوباء والبغاء والغلاء! فصنعت المحن على اختلاف أشكالها من هذا الشعب شعبا قادرا على تحمل الصعاب وامتصاص الصدمات.. فكانت أول محنة غلاء تتعرض لها مصر فى زمن الملك السابع عشر من ملوك مصر قبل الطوفان واسمه (أفروس بن مناوش) الذى كان طوفان نوح عليه السلام فى زمنه، وكان سبب الغلاء ارتفاع الأمطار وقلة ماء النيل، فعقمت أرحام البهائم، ووقع الموت فيها..
ثم تبعه غلاء آخر فى زمن (فرعان بن مسور) وهو التاسع عشر من ملوك مصر قبل الطوفان، وسببه أن الظلم والهرج كثر حتى لم ينكره أحد، فأجدبت الأرض وفسدت الزروع وجاء بعقب ذلك الطوفان، فهلك الملك فرعان وهو سكران..
كما وقع فى أيام المستنصر الغلاء الذى فحش أمره وشنع ذكره، وهو ما اشتهر باسم «الشدة المستنصرية» وكان أمده سبع سنين، سببها ضعف السلطنة والصراع على السُلطة، كان ذلك سنة 457ه، فارتفعت الأسعار وتزايد الغلاء، وتعطلت الأراضى الزراعية، وانتشر الوباء، وحل الخوف جميع الأرجاء..
وعاد شبح الغلاء يطل على المحروسة بقوة من جديد فى عصر الدولة الأيوبية وسلطنة العادل أبى بكر بن أيوب، فتكاثر مجيء الناس من القرى إلى القاهرة من شدة الجوع، ومع قدوم فصل الربيع هب هواء أعقبه وباء وفناء، ووصل الحال إلى أقساه حين أكل الناس أطفالهم من شدة الجوع!..
فمصر على الرغم من ثرواتها التى لا تُعد ولا تُحصى، إلا أنها عانت اقتصاديا على مر العصور الطويلة من جراء السلب والنهب، فتعثرت اقتصاديا جيلاً بعد جيل حتى وصلت الديون اليوم إلى 1.2 تريليون جنيه خلال الثلاث سنوات الأخيرة!..
جاء وصول الرئيس السيسى لكرسى الحُكم بمثابة مرحلة إنقاذ حقيقى للدولة، مرحلة استعادة هوية مصر الأبية، مرحلة قررنا فيها أن نضع أيدينا فى أيدى رئيسنا الهُمام ونقفز جميعا فى الماء بجسارة المُحارب حتى وإن لم نكن نعرف العوم!
حين قرر الرئيس بشجاعة يُحسد عليها، مرة يوم أطاح بمُرسى والأخرى يوم رفع الدعم لسد احتياجات الدولة، كان يعلم أنه يُغامر بشعبيته ولكن فى الحقيقة وعقب كلمته التى اتسمت بالصدق وانحازت للمُعدمين، فقد ازداد احتراما فى عيون كل من تلمسوا بين كلماته الصدق الشديد والحمل الثقيل..
ولأن اقتصاد الدول لا يُبنى من خلال التبرعات، وإنما بزيادة الاستثمارات، فخطوة التبرعات التى بدأها السيسى لم تكن كافية للنهوض بالدولة اقتصاديًا، ومن هنا كان يجب تنفيذ خطوة رفع الدعم دون تباطؤ..
فعندما دعا السيسى للتبرع فى صندوق «تحيا مصر».. تملص البعض، وتوارى البعض وخذله الكثيرون..
لم نسمع حسا للفنانين والإعلاميين الذين تحمسوا بشدة لفكرة ركوب العجل، ورقصوا على أغنية «بشرة خير».. لأنهم فئة عادة ما تُشارك فى السراء وتتوارى فى الضراء!..
أما فئة رجال الأعمال فلم يظهر منها سوى عدد يُحسب على أصابع اليد الواحدة، على الرغم من كل التسهيلات المالية والأراضى التى كانت توزع عليهم باليمين والشمال، من خلال علاقاتهم المشبوهة بنظام بائد فتح للفساد الباب على مصراعيه..
وهناك فئة من أصحاب الدخول التى لا تخضع لسقف، وهؤلاء امتعضوا من جراء تطبيق نظام الحد الأقصى للرواتب فقرروا إعلان غضبهم وامتناعهم عن المشاركة..
وبقيت الفئة الوحيدة التى وافقت عن حُب، وقررت المشاركة بصدق، وهى الفئة التى لم ترتزق من الثورة ولا قبلها، فئة لم تتذمر ولم تساوم، لكنها صبرت وصمتت من منطلق حب شديد لوطن أذاقهم المُر ولكنه ساكن بين ضلوعهم، ولا يستطيعون التخلص من آفة عشقه!.. تلك الفئة هى فئة الطبقة الوسطى التى أصبحت «المُعاناة» هى جنسيتهم المكتوبة فى شهادة الميلاد..
وبقيت الفئة الأكثر ضررا والأشد صبرا، التى عانت على مر ثلاث حقب تاريخية فى صمت شامخ، وهم المُهمشون المُعدمون ساكنو العشوائيات الحامدون الشاكرون الذى لم يكن الدعم ليصلهم فى الأصل حتى يحزنوا على رفعه!..
آن الأوان لتلك الفئة أن تستريح وتشعر بآدميتها، وأتمنى أن تعى الحكومة أن مشاكلهم ومعاناتهم هى مسئولية الدولة، وأتمنى أن يتم توجيه الدعم العربى القادم للاستثمار فى مصر للمساهمة فى مواجهة العشوائيات، وحل قضية أطفال الشوارع..
وعلى الرغم من كل المحن التى تعرضت لها مصر على مر تاريخها، فستبقى فترة حكم محمد مرسى هى بحق مُنحدر الصعود بل ومنعطف السقوط أيضا!..
سيدى الرئيس السيسى برغم قسوة المرحلة، والظلام الذى يُخيم على حاضر مرتبك إلا أننا من خلال عينيك نرى مستقبلاً أفضل، ونرى شمس مصر تعود من جديد لتلوح فى الأفق..
سيدى الرئيس نحن معك ووراءك.. قادرون على التحلى ببعض الصبر وبذل الكثير من التضحيات من أجل مصرنا المحروسة..