بدأ العشر الاوائل من شهر رمضان المعظم ، وفرغ الناس من شراء كل حاجاتهم من مأكل ومشرب، تاركين المحال التجارية خاوية على عروشها، ومشهد البشر في المولات يشعرك بأن مجاعة على وشك الحدوث ، أو كأن من يستعدون للصيام مقبلون على مارثون للأكل، يفوز فيه من يلتهم أكبر كمية من الطعام ، والحقيقة أن هذا ليس هو المقصد من صوم هذا الشهر المبارك، فقد فرض الله سبحانه وتعالى الصوم لكبح جماح النفس البشرية ، فيمسك الإنسان عن ما تشتهيه من مأكل ومشرب ، وما يطلبه الجسد من متعة حلال. لذا فإن ما نشاهده في دنيا الناس باستقبالهم شهر رمضان بشراء كل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين هو في حقيقة الامر خروج عن مقاصد الصيام ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة ، فقد جعل من السنن إفطار الصائم على تمرة ، فإن لم يجد فيفطر على الماء ، على اعتبار أن الماء متوافر وليس له ثمن ، وفي متناول الغني والفقير ، ومن ثم يجدر بالصائمين أن يستقبلوا شهر رمضان بالأخذ بمقاصد الصوم واعتباره تربية، وتهذيبا للنفس، وعدم الانسياق وراء الإسراف بل الاعتدال في كل شيء. وعلى الإنسان أن يشكر الله المنعم على نعمه ، وأولى هذه النعم بلوغ هذا الشهر الكريم، فكم من جار أو قريب أو صديق توفي قبل رمضان، وحُرم من خير كثير ، من صيام، وقيام ، وصدقة ، حُرم من شهر فيه ليلة خير من ألف شهر هي ليلة القدر ، ونعم الله على الإنسان كثيرة، لا تعد ولا تحصى، لكن الإنسان ظلوم كفار، والكفر نقيض الشكر يقول الله سبجانه وتعالى في كتابه الكريم : «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ». ومن لا يشكر الخالق عز وجل بحاجة الى أن يراجع إيمانه ، وشكر الله سبحانه وتعالى لا يكون فقط بالدعاء، وترديد عبارات الشكر، بل بترجمة ذلك على أرض الواقع بالاحسان الى الناس ، والبذل والعطاء ، فغالبية البشر لا يشكرون الله سبحانه لأنهم لا ينظرون إلى ما في أيديهم من نعم بل إلى ما في يد الاخرين ، لذلك لا يحمدون الله. وفي القران الكريم يوجهنا المولى عز وجل إلى كيفية الشكر والحمد على نعمه، ويحكي لنا قصة ال داود ويقول :"اعملوا أل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور" ، ومن لا ينظر إلى ما بين أيديه من نعم ، يثنيه ذلك عن شكر الله ، فهو يركز فيما يمتلكه الأخرون من نعم، فيحول حياته إلى جحيم ، ومن يتأمل دنيا البشر وواقع المصريين يجد وجوها كالحة ، وأصواتا زاعقة ، كنت في اجتماع لجمعية عمومية بمدينة زايد بالقاهرة تناقش مشاكل الحي، وجدت أناس يصرخون مع الإدارة ، ولا يريدون أن يستمعوا إلى بعضهم البعض ، وتحول الاجتماع إلى عراك، وكانت المرة الاولى لي فانصرفت ، رغم أن هؤلاء المجمعين ينتمون لخلفيات اجتماعية وثقافية عالية ، ويحتلون وظائف مرموقة ، لكن تنقصهم مهارات الاتصال الفعال، ويفتقدون ثقافة الحمد لله رب العالمين. أصحاب هذه الثقافة بائسون يسممون حياتهم بلا داعٍ، واذا نظروا إلى حالهم ودققوا فى حياتهم فسيكتشفوا أن الله تعالى حباهم بنعم كثيرة ، لكن مشكلتنا فى كثير من الأحيان أننا لا نفرق بين نظرتنا إلى البشر وإيماننا بالله. فالله تعالى عادل «وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً». حل هذه المشكلة لا يحتاج أكثر من أمرين: الأول: لابد أن يدرك الإنسان أن كل شىء فى هذه الحياة بيد الله عز وجل ، لا حيلة فى الرزق أيا كان نوع هذا الرزق( مال صحة أو أبناء) ولا شفاعة فى الموت وكل إنسان سيموت حين ينقطع رزقه في هذه الحياة ، وليس صحيجا أن العباد يقطعون الأرزاق ، بل من يقطع الرزق هو ملك الموت "عزرائيل" حين يستوفي الإنسان أجله فيقبض روحه بأمر الله «فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ». الثانى أن يحمد الإنسان خالقه سبحانه وتعالى على ما فى أنعم عليه من نعم ،ولا ينظر إلى ما فى يد غيره ، فهو لا يدري إن كان ما يمتلكه غيره ، سيقوده إلى رضا الله ، وقد يفوز الإنسان بمتع الدنيا كلها ، ويكون في الأخرة من الخاسرين. شهر رمضان فرصة عظيمة للتوقف مع النفس ومحاسبتها ، فالصوم امتناع عن الحلال استجابة لامر الله فما بلك اذا أجتنبت ما حرم الله، إن جوهر الإيمان هو اتباع قاعدة أفعل ولا تفعل ، افعل ما حلل الله ، ولا تفعل ما حرم الله ، نسأل الله أن يجعلنا من عتقاء شهر رمضان ، وأن ينظر إلينا ، ويحفظ مصر والعراق وسوريا والخليج وبلاد المغرب وكل البلاد العربية والإسلامية من كل سوء، وكل عام وأنتم بخير.