أمير قطر طلب مكالمة شخصية مع الرئاسة.. والمسئولون: الرئيس مشغول ■ اسمه محمد السليطى ويعمل فى جهاز أمن الدولة القطرى ووصل مصر قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية
■ جهاز الأمن الوطنى حقق معه للاشتباه فى اتصالاته بقيادات جماعة الإخوان.. وتم منع الزيارة عنه لمدة 48 ساعة
القصة كلها لا تزال طى الكتمان.
التحقيقات فيها تتم على قدم وساق.
وفى الغالب يمكن أن تنتهى فى كواليس الأجهزة الأمنية المصرية دون الإعلان عن تفاصيلها.
لكننا على كل حال سنقترب مما جرى، ونسجل ما نقلته لنا مصادر مختلفة لديها معلومات دقيقة عن الواقعة التى جرت منذ أيام قليلة.
فقبل أيام ألقى جهاز الأمن الوطنى القبض على محمد السليطى وهو ضابط بجهاز أمن الدولة القطرى، وكانت التهمة الموجهة إليه مبنية على تحريات قام بها الجهاز وأثبتت علاقته بقيادات جماعة الإخوان المسلمين، وهى العلاقة التى كانت وراء دعم الإخوان المسلمين واستمرارهم فى مواصلة أعمالهم الإرهابية.
محمد السليطى يعمل داخل جهاز أمن الدولة القطرى تحت قيادة جاسم رستم نائب رئيس الجهاز والذى يباشر فى الوقت نفسه ملف التمويلات القطرية للجهات التى تتعاون معها قطر، ومن المؤكد أن مهمة السليطى المباشرة فى مصر كانت التواصل مع قيادات جماعة الإخوان المسلمين على الأرض الذين يقفون وراء حالة الفوضى التى ينشرها شباب الجماعة فى محافظات مصر منذ ثورة يونيو حتى الآن.
لم تكن هذه هى المرة الأولى لزيارة محمد السليطى لمصر، فهو يعرفها جيدا، تزوج منذ سنوات من مصرية مولودة فى الدوحة وحاصلة على الجنسية القطرية، وله شقة فى المعادى كان يتردد عليها خلال السنوات الأخيرة، حيث زار القاهرة بعد ثورة يناير عدة مرات، وتم رصد لقاءات عديدة بينه وبين قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
الغطاء الذى كان يتحرك تحته محمد السليطى هو أنه رجل أعمال قطرى، وكان يحرص على التبرع بأموال كثيرة فى مشروعات خيرية، ربما ليبعد الشبهة عن عمله الحقيقى وعلاقاته المتشعبة مع رجال جماعة الإخوان.
خضع السليطى لتحقيقات مكثفة داخل جهاز الأمن الوطنى خلال الأيام الثلاثة الماضية، لكنه ظل على موقفه من أنه لا علاقة له بجماعة الإخوان من قريب أو بعيد، وأنه يتواصل مع بعض الأسر الفقيرة من أجل الإنفاق عليها.. لكن التحريات التى لدى الجهاز أشارت إلى أن الأموال التى يتحدث عنها كانت تصل فى أغلبها إلى جماعة الإخوان، ولم تنقطع هذه الأموال حتى الآن.
كانت هناك مشكلة فى التعامل مع السليطى، فجهاز الأمن الوطنى هو الذى تعامل معه، والقضية كاملة عنه، وكان السيناريو الأول أن يتم تحويله إلى نيابة أمن الدولة العليا لتباشر التحقيق معه، خاصة أن هناك معلومات ومستندات تدينه، أما السيناريو الثانى فهو أن يتم تحويله إلى جهة سيادية تتولى التحقيق معه، خاصة أن العلاقات مع النظام القطرى بالأساس متوترة.
هذا التوتر تحديدا هو ما دعا الأمير القطرى تميم بن حمد يتحرك على وجه السرعة.
كان الأمير تميم قد أرسل ببرقية تهنئة للرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى بعد حلفه لليمين الدستورية، وعاد السفير القطرى إلى القاهرة مرة أخرى، بما يعنى أن هناك إشارات إيجابية قد أرسلت بها قطر إلى النظام المصرى، فتهنئة أميرها للسيسى معناها أن النظام القطرى رسميا يعترف بالانتخابات الرئاسية المصرية، ويعترف بأن ثورة قامت وجاءت برئيس يريده الشعب بعد إسقاط رئيس إخوانى ظل النظام القطرى يدعمه طوال وجوده فى السلطة، وظل يدعم جماعته من أجل إعادته، بل إن النظام القطرى رسميا يحمى مجموعة من الخارجين على القانون والذين صدرت ضدهم أحكام قضائية، وبدلا من أن تسلمهم للقاهرة تتحدى بهم رغبة الشعب المصرى كله.
بعد القبض على محمد السليطى كان لابد أن يتصرف تميم بنفسه، فالقضية فى النهاية فضيحة بكل المقاييس، ويمكن أن تعطل أى محاولة للتقارب بين القاهرةوالدوحة، ففى الوقت الذى تقدم فيه قطر التهنئة للرئيس المصرى الجديد، إذا بها ترسل جاسوسا قطريا، ضابط أمن دولة تحت غطاء رجل أعمال من أجل أن يتواصل مع جماعة الإخوان المسلمين.
طلب الديوان الأميرى القطرى رسميا أن يتحدث تميم مع الرئيس عبد الفتاح السيسى، وكان المسئولون فى الديوان الأميرى القطرى قد حددوا سبب المكالمة بدقة، حيث أشاروا إلى أن الأمير يريد أن يتحدث مع الرئيس السيسى بصورة شخصية، وأن المكالمة ليست رسمية، لكن المسئولين فى القصر الرئاسى بالقاهرة ردوا على مسئولى الديوان الأميرى القطرى بأن الرئيس مشغول وليس لديه وقت للحديث.
الأمير القطرى يحاول التدخل بنفسه فى القضية لأن توابعها ستكون عنيفة جدا ليس فى مصر فقط ولكن فى قطر أيضا، وذلك لعدة أسباب من بينها.
أولا: وجود محمد السليطى فى القاهرة خلال المهمة الأخيرة والتى جاءت قبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية بأيام قليلة كان بعلم وبتوجيه من رئيس الوزراء القطرى عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثان، الذى يهتم بما يدور فى مصر بشكل خاص، ويتابع ملفها عن قرب.. وكان يتلقى تقارير عن نشاط السليطى فى القاهرة.
ثانيا: أن الحالة الأمنية الداخلية فى قطر تمر بمرحلة اضطراب كبيرة جدا، خاصة فى الشهور الأخيرة، ويعيش غانم الكبيسى رئيس جهاز أمن الدولة القطرى حالة من القلق الشديدة، حيث تلقى خلال الأيام الماضية تعنيفاً من الديوان الأميرى بسبب زيادة النشاط المعارض داخل قطر.
وتقول مصادر مقربة من جهاز الأمن القطرى إن التقارير الصادرة عن الجهاز تشير إلى أن أصواتاً وتجمعات معارضة بدأت تظهر بكثافة فى المجتمع القطرى، وأصبحت الأحاديث العامة تنحو فى اتجاه نقد الأمير والأسرة الحاكمة، وتشير هذه التقارير إلى أن المعارضة القطرية فى الداخل والتى تأتى انعكاساً لحركات المعارضة القطرية فى الخارج، تجرأت وأصبحت تعلن عن نفسها استنادا إلى أن النظام القطرى يحتضن المعارضة المصرية والأصوات التى تنتقد النظام الجديد فى مصر، وتحصل هذه المعارضة على دعم بالملايين من أموال الشعب القطرى التى يوزعها النظام لقلب الأنظمة فى الخارج.
فضيحة محمد السليطى فى حالة تفجرها ستكون سببا إضافيا لدى المعارضة القطرية فى الداخل للاحتجاج على النظام القطرى، فهو لا يزال يعمل من خلال متناقضاته الشهيرة فى العلن يقدم التهنئة للرئيس المصرى، وفى الخفاء يرسل بجواسيسه إلى القاهرة، من أجل دعم جماعة إرهابية.
الغريب فى هذه القضية أن محمد السليطى وفى التحقيقات أخبر المحققين أنه لا يريد العودة إلى قطر إذا ما تم الإفراج عنه، ويفضل السفر إلى لندن، حاول السليطى بأنه يريد أن يقطع علاقته بالنظام القطرى ولا يزال يصر على أنه لم تكن له أى مهمة أمنية، بل هو رجل أعمال يحاول مساعدة الأسر المصرية، بينما تشير المصادر التى تتابع القضية عن قرب إلى أن السليطى فى الغالب يريد السفر إلى لندن، لأنه قد تكون هناك مهمة أخرى مكلف بها من جهاز أمن الدولة القطرى هناك.
على أية حال.. الألغاز حول هذه القضية لا تزال كثيرة.. قد تكبر وتتطور، وقد تنتهى تماما إلى لا شىء.. وهو ما أتوقعه.