بعد ان تصدرت الاعمال العراقية الدورات الماضية من مهرجان الخليج السينمائي لجهة قيمتها والمواضيع التي عالجتها وقدرتها على انتزاع الجوائز، تعود في هذه الدورة الخامسة التي تختتم فعالياتها مساء الاثنين لتحتل الواجهة في إطار الانتاج الخليجي.. فهي تبقى الاكثر ارتباطا بحياة الشعب العراقي المأساوية بينما تنعم بقية دول الخليج بهدوء نسبي ورخاء اقتصادي. وتكتسب الاعمال العراقية التي تقدم في مهرجان الخليج أهمية أكبر إذ ان المخرجين العراقيين وبسبب من الاحداث التي مر بها العراق وما زال منذ اكثر من ثلاثين عاما، يتوزعون اليوم في العواصم الاوروبية التي اكتسبوا فيها خبرة اضافية وتجارب حول كيفية صناعة الاشرطة، بينما بدأت المدارس تتوافر بعض الشيء في بلدان الخليج الاخرى التي لا يهاجر شبابها الا قليلا. وتبدو الاعمال العراقية هذه المرة أيضا حاضرة بقوة وقادرة على التنافس في الدورة الرسمية التي تشمل تسعة افلام طويلة مزجت ما بين الوثائقي والروائي، ومن بينها خمسة افلام عراقية: عملان روائيان وثلاثة وثائقية. إلى جانب العراق، شاركت في المسابقة الرسمية اعمال من الكويت والامارات وقطر والولايات المتحدة. ومن بين مجمل الاعمال المشاركة في المسابقة تعرض أربعة اعمال روائية وخمسة وثائقية تعاطت عن كثب مع شؤون الساعة والمنطقة، من دون ان تنسى ان تعرج على الذاكرة والفن. وينطبق ذلك على فيلم الافتتاح "تورا بورا" للكويتي وليد العوضي، الذي صور من خلاله رحلة والدين ومعاناتهما في افغانستان التي قصداها بحثا عن ابنهما الذي اجتذبه التطرف. وفي ما يتعلق بالافلام الوثائقية العراقية، فقد عالج اثنان منها المذابح التي ارتكبها نظام البعث بحق الاكراد في العراق. فتناول شريط "انا مرتزق ابيض" للمخرج الكردي طه كريمي الذي درس السينما في طهران، محاكمة سعيد جاف قائد مجموعة من المرتزقة التابعة لحزب البعث والمتهم بالتورط في مذبحة الانفال التي وقع ضحيتها 182 الف كردي. أما فيلم "حلبجة، الاطفال المفقودون" الذي قدم في المسابقة قبل يومين، فقد بني على قصة قوية واكبت عودة شاب فقد حين كان طفلا في حلبجة التي قذفت بالسلاح الكيميائي وفقدت عددا كبيرا من اهلها الذين دفنوا في مقابر جماعية. يبدأ الفيلم بمشهد عودة الشاب الذي اختفى طفلا حين نقل الى مستشفى ايراني ثم ربته عائلة ايرانية. فيجلس على شاهدة قبره حيث كان الجميع يعتقد وبما فيهم عائلته، بانه ميت. وهذا الفيلم هو الاول للمخرج الكردي من اصل سوري اكرم حيدو الذي يعيش في المانيا. إلى ذلك، يحمل الفيلم الوثائي الثالث توقيع حيدر رشيد المخرج العراقي الإيطالي (والدته ايطالية) الذي يقيم في ايطاليا، شريط وثائقي تجريبي اول يتعقب الموسيقى ذات الهويات المتعددة من خلال متابعة فرقة تتشكل في صقلية وتعزف في مهرجان للسينما العربية. وتبدو طريقة معالجة الفيلم راديكالية منحازة الى الموسيقى، تركز على جوهر التجربة ومعناها مستندة الى صمت الكلمات لتصدح الانغام في فضاء المكان المتوسطي. فتحاول مد جسور بين الشرق والغرب في المكان المتقدم في الجغرافيا نحو بلاد الجنوب. اما في الافلام الروائية، فقد تناول احد الشريطين الروائيين المشاركين قصة تدور احداثها في الاوساط الكردية وتتناول حكاية حب بين مراهقين وتعقيدات هذه القصة في بلاد تحكمها التقاليد. يأتي الشريط تحت عنوان "قلب احمر" وهو الاول للمخرج العراقي الكردي الشاب هلكوت مصطفى (26 سنة) المقيم في النروج. "ميسو كافيه" هو عنوان الشريط الروائي العراقي الثاني الذي يحمل توقيع جعفر عبد الحميد المقيم في لندن، وهو أيضا شريط اول. وتدور حوارات الفيلم باللغة الانكليزية لتعالج يوميات يوسف الشاب العراقي الذي يصل الى لندن وهو مدون معارض للنظام، بقصد تسليط الضوء على الآثار المأساوية للحظر المفروض على العراق. لكنه يتحول الى كاشف لشريحة من الجالية العراقية في لندن وقد راح يتردد على المقهى الذي يحمل الفيلم اسمه. إلى ذلك، يأتي الفيلم الروائي الرابع في المسابقة قطريا من نوع افلام الرعب وقد تشارك في صنعه كل من محمد الابراهيم واحمد الباكر. ويعتبر هذا عملهما الاول بعد ان ترك احدهما العمل في المجال المصرفي والآخر في مجال هندسة الاجهزة والمعدات، بهدف التفرغ للسينما. ويحمل الفيلم عنوان "عالقون" وتدور احداثه في الصحراء. فيقدم نوعا سينمائيا يستهوي شباب الخليج أي افلام الرعب، التي يجدون فيها متنفسا وامكانية اسهل لدخول السينما من دون التطرق إلى الواقع والشؤون الحياتية والاجتماعية المعقدة. لكنها تجارب لم تثبت لغاية اليوم قدرتها. ويشارك في المسابقة الرسمية أيضا فيلم نجوم الغانم "أمل" الذي يتناول سيرة ممثلة سورية تقصد الامارات في محاولة للعثور على عمل مؤقت لتعود بعدها الى وطنها سوريا وتحقق حلمها فتأسس فرقة مسرحية. لكن التجربة تمتد بها لتطرح عليها اسئلة حول مشوارها الفني وعلاقتها بالحياة والفن. وكان هذا الفيلم قد حاز جائزة افضل فيلم خليجي في مهرجان دبي السينمائي الماضي، وتتميز مخرجته بمعالجتها الجادة واطلالتها الشاعرية على الموضوع. ومن ضمن الافلام المشاركة في المسابقة ايضا فيلم المخرجة الاميركية كيتي تشانغ التي صورت في الامارات شريط "غبار براق: العثور على الفن في دبي" الذي يتناول علاقة ثلاثة فنانين بما هو حقيقي ومصطنع في الفن والحياة. وقد مزجت المخرجة بين واقعهم وما تخيلته من رسوم تحريك ابدعتها لتعكس عالمهم.