جاءت جوائز مهرجان الخليج السينمائي الثالث حسب توقعات النقاد والمشاهد، فسمعت أحدهم يردد بكل ثقة أن لجنة التحكيم التي يرأسها المخرج المغربي الجيلاني فرحاتي تستحق الاحترام وشعر الجميع بارتياح حقيقي لما حدث في مهرجان أقيم وسط تساؤلات ترتكز حول: هل هناك سينما في منطقة الخليج، وهل يمكن لهذه السينما أن تصنع مهرجانا به العديد من المسابقات وتحصل الأفلام المشاركة في المسابقات علي جوائز؟. جدوي المهرجان أقيم المهرجان في مدينة دبي في الفترة بين 8 إلي 14 إبريل برئاسة عبدالحميد جمعة رئيس مهرجان دبي السينمائي الدولي أما مسعود أمر الله آل علي المدير الفني فقد كان بمثابة التواجد المتوهج طوال أيام المهرجان والرجلان يتوليان مسئولية مهرجان دبي السينمائي الدولي، لذا بدا أن الرهان علي مسألة عمل مهرجان متخصص تشارك فيه أفلام تم إنتاجها خلال العام الماضي، والحالي من دول الخليج، هو أمر بالغ الصعوبة وبمثابة رد علي ما سبق أن تردد حول جدوي صناعة مهرجانات سينمائية في مدن الخليج الكبري بينما دول هذه المنطقة لم تدخل في مجال صناعة سينما حقيقية وأن البلاد التي سبق أن فعلت مثل البحرين كانت تقدم تجارب فردية. لذا فإن المثير للتساؤل بالفعل أن يقام مهرجان متخصص لأفلام هذه المنطقة والغريب أن هذه هي الدورة الثالثة وأنا شخصيا لا أعرف تفاصيل الأفلام التي عرضت في الدورتين الماضيتين لكنني علي الأقل استمتنعت بمشاهدة ثلاثة أفلام روائية هذا العام وهي الأفلام التي حصلت علي الجوائز الأساسية في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة ومعني وجود ثلاثة أفلام جيدة يمكن مشاهدتها في هذه المنطقة وسط هذا التحدي يعني أن السينما ولدت بالفعل وأنك يمكن أن تشاهدها ليس فقط في مهرجانات الخليج بل في مهرجانات دولية عديدة. حسب الأرقام فقد شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة ب 36 فيلما روائيا، وقصيرا وتسجيليا باعتبار أن المسابقات قد تمثلت في: مسابقة الطلبة، ومسابقة الأفلام القصيرة، ومسابقة الأفلام الوثائقية، ثم المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، أما المملكة العربية السعودية فقد شاركت ب 24 فيلما، وجاء 25 فيلما من العراق، و10 أفلام من سلطنة عمان، و8 أفلام من الكويت، وستة أفلام من البحرين، أما الأفلام الروائية التي دخلت المسابقة الرسمية فهي الفيلم الإماراتي «دار الحي» إخراج علي مصطفي الذي عرض أيضا في الافتتاح، وهو الفيلم الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، ثم الفيلم البحريني «أيام يوسف الأخيرة» إخراج محمد جناحي والفيلم البحريني «حنين» إخراج حسين الحليبي، والفيلم السعودي «الشر الخفي» إخراج محمد هلال ثم الفيلم العراقي «ضربة البداية» إخراج شوكت أمين كورتي، وهو الفيلم الذي استحق عن جدارة الجائزة الأولي في المسابقة الرسمية، كما أن الإمارات شاركت بفيلم «لعنة إبليس» إخراج ماهر الخاجة، وقدمت العراق فيلم «المحنة» إخراج حيدر رشيد، وهو الفيلم الفائز بالجائزة الثانية في المسابقة الرسمية. المخرج المؤلف وقد لوحظ في هذه الأفلام المشاركة في المسابقة وفي الأفلام الروائية الأخري خارج المسابقة أن المخرج يشارك غالبا في كتابة الأفلام مثلما حدث مع «دار الحي» و«الشر الخفي» و«ضربة البداية» و«لعبة إبليس» و«المحنة» بل إن مخرجي هذه الأفلام شاركوا في الإنتاج وفي أعمال أخري مثل المونتاج والتصوير حيث إن ماهر الخاجة كان هو المخرج والمؤلف والمصور والمونتير لفيلمه «لعنة إبليس» كما شارك بعض المخرجين في بطولة أفلام ولوحظ أيضا دخول دول أخري في الإنتاج مثل اليابان والمملكة المتحدة وإيطاليا. ولا أتصور أن فيلم «المحنة» ينتمي بأي شكل إلي سينما الخليج إن صح التعبير، فهو فيلم بريطاني مأخوذ عن مسرحية إنجليزية بطله شاب عراقي يعيش في لندن وهو قريب من السينما الإنجليزية مثل الفيلم الذي أخرجه خالد الحجر في بريطانيا بعنوان «غرفة للإيجار». الموضوعات الأساسية في هذه الأفلام هي ما يعيشه أبناء الخليج، وقد بدا ذلك واضحا في فيلم «دار الحي» حيث نري ثلاث قصص تدور أحداثها في الإمارات تعكس التنوع الثقافي لمدينة تميزها طموحاتها وأحلامها وتعيش فيها جنسيات العالم كله تقريبا فهناك شاب إماراتي وسائق تاكسي هندي وامرأة أوروبية يعيشون ثلاث مغامرات منفصلة وتتقاطع حيوات كل منهم كما تتشابك النقاشات في هذا المجتمع حيث يلتقون في لحظة تصادم غير مقصودة معا. وحول التباين العقائدي أو المذهبي تدور الفكرة الرئيسية لفيلم «حنين» حيث هناك عائلة واحدة جمعت بين الشيعة والسنة، وفي لحظة ما ونتيجة للتغيرات الحادة في المجتمع الخليجي المعاصر بتنابذ أبناء المذاهب وتكتشف الفتاة السنية أنه ممنوع عليها أن تتزوج من حبيبها الشيعي، رغم أنها تربت معه. ردم الفجوة جاء ضمن أهداف إقامة المهرجان أنه لم يكن هناك من قبل مهرجان كبير موجه نحو استقطاب المخرجين الخليجيين والأفلام التي تستوحي قصصها من واقع الحياة في منطقة الخليج، لذا فإن المهرجان يسعي إلي ردم الفجوة ليصبح ملتقي لاستعراض أفضل ما تقدمه السينما العربية وقد تضمنت المسابقات لعدد ثمانية أفلام وثائقية في المسابقة الرسمية وثلاثة عشر فيلما في مسابقة الطلبة و38 فيلما قصيرا في المسابقة الرسمية والغريب أن لجنة التحكيم كانت لجنة واحدة فقط، اختلطت بمشاهدة هذا العدد من الأفلام والتحكيم بينها وكان أغلب أعضائها من المنطقة نفسها مثل المخرج والناقد السينمائي السعودي محمد الظاهري والممثل الإماراتي إبراهيم سالم والمخرجة اليمنية المقيمة في باريس خديجة السلالي أما رئيس لجنة التحكيم فهو كما أشرنا المغربي الجيلانلي فرحاتي ثم هناك عضو أوروبي واحد هو ما تيو داراس المدير الفني لمهرجان برانيسلافا السينمائي الدولي. حضور طاغ أبرز ما تميز به المهرجان هو ذلك الحضور الطاغي للسينمائيين الخليجيين لمشاهدة الأفلام وأيضا في اللقاءات الحوارية التي عقدت طوال خمس ليال امتدت حتي الفجر، وكانت تسبقها لقاءات «أو ليال» للنقاش أدارها الناقد السوري صلاح سرميني المقيم في باريس وهو مستشار المهرجان ومنسق الجلسات التي ناقشت موضوعات مهمة تحت مفهوم ماذا نطمح من مهرجان الخليج السينمائي، وما هو الدعم الذي يقدمه مهرجان الخليج السينمائي والدعم المتبادل بين الثقافة السينمائية والعربية ومهرجان الخليج السينمائي؟ وقد تركزت الليلة الثانية حول اشكاليات النقد السينمائي العربي، وفي الليلة الثالثة كان المحور هو حول السينما العربية هذا ما يحدث وفي الليلة الرابعة تم إلقاء الضوء حول تجربة السينما في الخليج طوال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين وطرح السؤال نفسه: هل حقق السينمائيون الخليجيون طموحاتهم ودور القنوات الفضائية في التعريف بالسينما الخليجية ومعوقات الإنتاج السينمائي ومقترحات الحلول العملية لإعلاء صناعة السينما في الخليج وصوة الخليج في السينما العربية والعالمية وكيف يمكن لصناعة سينمائية أن تنطلق من الخليج أن تغير من الصورة النمطية. تحليل وتناول أما الليلة الأخيرة في النقاشات التي كانت تبدأ عادة بعد منتصف الليل فقد كانت بمثابة تحليل وتناول أفلام المهرجان، وقد أثير نقاش في هذا اللقاء حول الأفلام المتوقع فوزها بالجوائز والطريف أن الجميع بدا كأنهم قرءوا النتائج مسبقا. شارك في إدارة هذه الحوارات نقاد، وباحثون من جميع الدول العربية منهم المغربي مصطفي السناوي ومحمد الدراجي من العراق وأمين صالح من البحرين، وبشار إبراهيم من فلسطين ومن مصر كان هناك النقاد نادر عدلي وعصام زكريا، ورامي عبدالرازق. قامت هذه الدورة بتكريم ثلاثة من صناع السينما الخليجية علي رأسهم العراقي خليل شوقي، والممثلة والشاعرة الكويتية حياة الفهد، التي ظهرت في أول فيلم كويتي «بس يا بحر» ثم الممثلة والكاتبة الإماراتية رزيقة المطارش. لم يكن مهرجان الخليج السينمائي الثالث بمثابة عروض ومسابقات ونقاشات لكن هناك تعقيد ملحوظ للمخرجين وكتاب السيناريو الجدد الذين يمكن تسميتهم «السينمائيون قادمون» حيث منحت جوائز مالية في مسابقة السيناريو للأفلام الإماراتية القصيرة لكل من نايلة الخاجة عن سيناريو فيلم «ملل» وإلي محمد حسن أحمد عن سيناريو فيلم «سبيل» وسيناريو «فيلم هندي» لمحسن سليمان حسن. حسب هذه الأيام السينمائية الخليجية فإن هذه المنطقة في أشد الحاجة إلي مدارس أو معاهد سينمائية تعلم الأجيال ما السينما الحقيقية؟ وتدربهم علي تقنياتها وهو مطلب أساسي وسط حماس لعمل أفلام جديدة بشكل لافت للنظر.