أوساط صناعة الطيران الحربي الفرنسي، التي تواجه أزمة تسويق حادّة، تفرك اليدين استعدادا لتلقي “أضخم هدية” من قطر عبر صفقة مقاتلات يستبعد مراقبون أن تُحدث تغييرا يُذكر في ميزان القوى بالخليج والشرق الأوسط، لكنهم يؤكّدون في المقابل فاعليتها في شراء حليف لقطر في مرحلة انكفاء الحليف الأميركي، والعزلة عن المحيط القريب. كشف الإعلام الفرنسي عن توجه قطر نحو عقد صفقة ضخمة لشراء عدد كبير من طائرات رافال القتالية، في خطوة قال مراقبون إنّ المآرب السياسية غالبة فيها على الدوافع العسكرية الدفاعية.
وفي مقال نشرته صحيفة “لا تريبين” (المنبر) الفرنسية، تحت عنوان “الرفال على مضمار الإقلاع نحو قطر”، قال الصحفي المختص بشؤون الصناعة ميشال كابيرول، “إن موعد 23 يونيو يمكن أن يكون تاريخا شديد الأهمية لطائرة الرفال، ذلك أنّ أمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني سيأتي في ذلك اليوم إلى باريس، وفق مصادر متطابقة، ويمكن أن يعلن بالمناسبة اختيار المقاتلة الفرنسية والدخول في مفاوضات حصرية مع شركة داسّو المصنّعة لها".
وأضاف كابيرول قوله “إن ذلك هو ما يتمّناه القائمون على صناعة السلاح الفرنسية، تماما مثل وزير الدفاع جون إيف لودريان والرئيس فرنسوا هولاند اللذين سيبسطان البساط الأحمر للشيخ تميم”، مؤكدا نقلا عن مصادر في صناعة السلاح الفرنسي “أن كلّ شيء جاهز، ويكفي أن تضغط قطر على الزرّ، وأن سنة واحدة كافية لإبرام عقد نهائي".
وفي قراءتهم الأولية للصفقة المحتملة استدعى المراقبون الظروف السياسية والاستراتيجية المتفاعلة في الشرق الأوسط، والوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في فرنسا، وعلاقة قطر بمحيطها القريب، وبالولاياتالمتحدة الأميركية، لبيان غلبة الدوافع السياسية على الدوافع العسكرية للصفقة التي وُصفت بالتاريخية.
وقال هؤلاء إنّ الصفقة القطرية ستكون بمثابة قشة نجاة لطاقم الرئيس فرنسوا هولاند الغارق في أزمات لا حصر لها بفعل المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها فرنسا في فترة حكمه وأدت إلى تراجع شعبيته بشكل اتضح منذ أشهر في الانتخابات البلدية وتأكّد أخيرا في انتخابات البرلمان الأوروبي، مع صعود حزب أقصى اليمين “الجبهة الشعبية".
وفي عهد هولاند تواصل تعثّر جهود تسويق طائرة رفال وخسرت فرنسا مناقصات تقدمت الهند والبرازيل وكندا وماليزيا والإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي اعتُبر مظهرا من مظاهر ضعف الدبلوماسية الاقتصادية الفرنسية.
أما قطريا فتعاني الدوحة إهمالا وبرودا من قبل الولاياتالمتحدة التي دخل نفوذها في المنطقة مرحلة انكفاء وتراجع، بينما تواجه قطر خطر العزلة عن محيطها الخليجي بفعل دعمها الكبير لجماعة الإخوان المسلمين. ومن ثم فهي –بحسب المراقبين- بأمسّ الحاجة ل”شراء” حليف، بوزن فرنسا، خصوصا وأنّ لها سوابق في ذلك عبر استثمارات ضخمة في مجالي الرياضة والبنى التحتية الفرنسية.
72مقاتلة سيتم تسليمها على دفعات خلال عشر سنوات وأسند هؤلاء رأيهم بأنّ قطر بفعل صغر حجمها لا تستطيع أن تُحدث تغييرا في موازين القوى بالمنطقة، حتى عبر اقتناء عدد كبير من المقاتلات المتطورة، ولن تتمكّن من تأمين الدفاع عن نفسها ضدّ الأخطار بمعزل عن تحالفات دولية وإقليمية.
وتترجم صفقة الرفال مع فرنسا سعي قطر لرفع عدد قطع أسطولها العسكري الجوي من 12 طائرة ميراج إلى أكثر من 80 مقاتلة بينها 72 طائرة رفال متطورة، يمكن للسلطات القطرية أن تتسلمها على دفعات في بحر عشرية من الزمن.
وتبرز الضخامة المالية للصفقة من خلال ارتفاع سعر طائرة رفال، وهو العامل الذي كان قد دفع بلدانا خليجية أخرى إلى الامتناع عن شرائها، إذ لم تر أنّ في الطائرة الفرنسية من الميزات، قياسا، بمقاتلات أخرى أميركية وبريطانية، ما يبرر وصول سعر الواحدة منها إلى 170 مليون دولار.
ومن هنا قال مراقبون إنّ إقدام قطر على شراء عدد كبير من طائرات رفال رغم ارتفاع سعرها ليس سوى تنفيذ ل”صفقة تبادل منافع ومصالح ضخمة".
وقال الإعلامي سليم ضيف الله على موقع «24» الإخباري “إن من شأن صفقة رافال أن تضمن للدوحة حليفا أوروبيا كبيرا في الملفات القادمة على ضوء الخيارات السياسية التي تصر عليها الدوحة سواء كان ذلك في منطقة الخليج نفسها أو في المناطق التي تحاول قطر أن تلعب فيها دورا سياسيا خاصا بها مثل سوريا أو لبنان وجنوب الصحراء الأفريقية الكبرى في مالي وتشاد والشريط الجهادي الممتد من موريتانيا إلى الصومال مرورا بليبيا البرميل المتفجر الجديد في المنطقة والعالم".
وأضاف في مقال تحليلي للصفقة القطرية الفرنسية الوشيكة “سيكون صعبا على باريس التي تعتبر واحدة من أبرز ساحات الاستثمار القطري في الخارج -إذا لم تؤيد- أن تعارض أو تزعج قطر بما يكفي أو تعرقل مشاريعها الخاصة بها في الوقت الذي ستكون فيه صفقة التسليح الضخمة سارية المفعول، بما أن الصفقة يمكن أن تستمر 10 سنوات على أقل تقدير، وسيكون صعبا على باريس اتخاذ مواقف سياسية أو ديبلوماسية تهدد العقد الضخم”.