يثور التساؤل عن الآثار القانونية المترتبة على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بتاريخ 11/4/2012 بإلزام وزارة الداخلية بمنح شهادة من واقع السجلات الرسمية تفيد عدم تجنّس والدة المرشح الرئاسي / محمد حازم صلاح أبو إسماعيل بأي جنسية أجنبية بما فيها الجنسية الأمريكية. ويعلّق على هذا الحكم المستشار الدكتور عبدالفتاح مراد أستاذ القانون الإداري والدستوري ورئيس محكمة الاستئناف العالي بالإسكندرية، فيقول أنه قد أصدرت محكمة القضاء الإداري مساء يوم 11/4/2012 حكمها التاريخي بإلزام وزارة الداخلية بمنح شهادة من واقع السجلات الرسمية تفيد عدم تجنّس والدة المرشح الرئاسي / محمد حازم صلاح أبو إسماعيل بأي جنسية أجنبية بما فيها الجنسية الأمريكية. على أن يُنفّذ الحكم بمسودته الأصلية وذلك تأسيسا على تقاعس وزارة الداخلية عن القيام بواجباتها تجاه مواطنيها في موافاتهم بالمعلومات اللازمة عن أحوالهم المدنية وجنسياتهم. ويرجع الأساس القانوني لهذا الحكم إلى نص المادة 49 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، والتي تنص على أنه : "لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها"، وقد أوضحنا ذلك تفصيلا في موسوعتنا شرح الدساتير المصرية والمستويات الدستورية الدولية. وقد طلب المدّعي في الدعوى موضوع الحكم وقف تنفيذ القرار السلبي الصادر من وزارة الداخلية، وقد استجابت المحكمة لطلبه، ويثور التساؤل عن الآثار المترتبة على صدور هذا الحكم والتي سوف نبيّنها تفصيلا في البنود العشرة التالية: أولا: سوف يقوم المدّعي بالحصول على صورة رسمية معتمدة ومختومة وممهورة بالصيغة التنفيذية من الحكم المستعجل الصادر في الدعوى، والذي يجب أن يتضمّن الصيغة التنفيذية المنصوص عليها في المادة 54 من قانون مجلس الدولة والتي تنص على أنه: "على الوزراء ورؤساء المصالح المختصين تنفيذ هذا الحكم وإجراء مقتضاه". ثانيا : يقوم المدّعي بإعلان الصورة التنفيذية إلى وزير الداخلية بصفته، ورئيس مجلس الوزراء بصفته، ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته. ثالثا : سوف يكون من حق كل ذي مصلحة – ومنهم جميع مرشحي الرئاسة أو حتى أي مواطن مصري - أن يطعن على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا دائرة فحص الطعون، وقد ترددت بعض الأنباء غير المؤكدة عن احتمال قيام بعض المواطنين بالطعن على هذا الحكم أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، وقد يكون ذلك تأسيسا على أن حكم محكمة القضاء الإداري قد كلّف وزارة الداخلية بأمر مستحيل ليس بإمكانها تنفيذه، وقد يكون مخالفا للواقع، ويقوم هذا الطعن تأسيسا على نص المادة 46 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، والتي تتضمّن : "تنظر دائرة فحص الطعون الطعن بعد سماع إيضاحات مفوضي الدولة وذوى الشأن، إن رأى رئيس الدائرة وجهاً لذلك ، وإذا رأت دائرة فحص الطعون أن الطعن جدير بالعرض على المحكمة الإدارية العليا، إما لأن الطعن مرجح القبول أو لأن الفصل في الطعن يقتضي تقرير مبدأ قانوني لم يسبق للمحكمة تقريره أصدرت قرار بإحالته إليها أما إذا رأت – بإجماع الآراء – أنه غير مقبول شكلاً أو باطل أو غير جدير بالعرض على المحكمة حكمت برفضه. ويكتفي بذكر القرار أو الحكم بمحضر الجلسة، وتبين المحكمة في المحضر بإيجاز وجهة النظر، إذا كان الحكم صادراً بالرفض، ولا يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن. وإذا قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا يؤشر قلم كتاب المحكمة بذلك على تقرير الطعن ويخطر ذوو الشأن وهيئة مفوضي الدولة بهذا القرار". رابعا : سوف يكون من حق كل ذي مصلحة أن يرفع إشكالا في التنفيذ على هذا الحكم أمام محكمة القضاء الإداري التي أصدرت الحكم لوقف تنفيذه، وقد استقر قضاء محكمة القضاء الإداري وقضاء المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة على اختصاصها بنظر الإشكالات في الأحكام الصادرة منها أمام مجلس الدولة وليس أي جهة قضائية أخرى. خامسا : سوف يكون من حق كل ذي مصلحة أن يرفع إشكالا في التنفيذ على هذا الحكم أمام القضاء العادي، وقد جرى قضاء المحاكم العادية على رفض مثل هذه الإشكالات على أحكام محاكم القضاء الإداري ومجلس الدولة، وتقوم بإحالة الإشكال إلى محاكم مجلس الدولة للاختصاص، وقد استقر قضاء محكمة القضاء الإداري وقضاء المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة على عدم اختصاص القضاء العادي واختصاص مجلس الدولة – وحده دون غيره - بنظر الإشكالات في تنفيذ الأحكام الصادرة منها أمام محاكم مجلس الدولة وليس أي جهة قضائية أخرى، كما سبق القول. سادسا : في حالة استمرار امتناع وزير الداخلية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن تنفيذ الحكم القضائي المستعجل الصادر من محكمة القضاء الإداري بعد انتهاء الإشكال في التنفيذ عليه، يكون لكل ذي مصلحة الحق في رفع جنحة مباشرة ضد وزير الداخلية بشخصه ورئيس مجلس الوزراء بشخصه ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشخصه – وليس بصفتهم - ، لارتكابهم جريمة الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي مشمول بالصيغة التنفيذية وواجب النفاذ، والمنصوص عليها في المادة 123 من قانون العقوبات والتي تنص على أنه: "يُعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته في وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين واللوائح أو تأخير تحصيل الأموال والرسوم أو وقف تنفيذ حكم أو أمر صادر من المحكمة أو من أية جهة مختصة. كذلك يُعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي امتنع عمداً عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذُكر بعد مضى ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر إذا كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلاً في اختصاص الموظف". وقد شرحنا ذلك تفصيلا في كتابنا: شرح جرائم الامتناع عن تنفيذ الأحكام وغيرها من جرائم الامتناع. سابعا : ونحن نرى أنه إذا ثبت علم وزارة الداخلية بحمل المرحومة والدة المرشح الرئاسي / محمد حازم صلاح أبو إسماعيل لجنسية أجنبية وعدم سحبها الجنسية المصرية منها، أن هذا يشكل تقاعسا من وزارة الداخلية لأنه كان يجب عليها أن تُسقط عنها الجنسية المصرية وهي على قيد الحياة فور علمها بذلك، ويؤيّدنا في ذلك أحدث القرارات الصادرة من رئيس مجلس الوزراء المصري الدكتور / كمال الجنزوري والمرفقة صورته، حيث أصدر القرار رقم 306 لسنة 2012 والصادر بتاريخ 27/3/2012 بإسقاط الجنسية المصرية عن السيد / سيد مصطفى محمد موسى المولود في القاهرة بتاريخ 14/10/1954 لدخوله في جنسية دولة إسرائيل بدون إذن من وزير الداخلية، انظر الجريدة الرسمية المصرية العدد 15 بتاريخ 12/4/2012. ونحن نرى أن هذا التقاعس يُفسّر لصالح المرشح الرئاسي / محمد حازم صلاح أبو إسماعيل، كما أننا نرى أنه لا يجوز عقلا ومنطقا أن يتم الآن إسقاط الجنسية عن المرحومة السيدة / نوال عبدالعزيز عبدالعزيز نور لأنها في عالم آخر ولا تستطيع الدفاع عن نفسها أو تقديم الأدلة التي تجعلها تفخر بجنسيتها المصرية. ثامنا : وقد استقر قضاء محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا على أن إثبات القانون الأجنبي – مثل القانون الأمريكي أو غيره – هو واقعة مادية يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات المقررة قانونا. ونحن نرى أن القانون الأمريكي وواقعة تجنّس المرحومة / نوال عبدالعزيز عبدالعزيز نور بالجنسية الأمريكية هي واقعة ماديّة يمكن لكل ذي مصلحة أن يثبتها بكافة طرق الإثبات القانونية المقررة قانونا، ومع ذلك فإننا نرى أنه من الملائمات القضائية والتشريعية في هذه الحالة بالذات وعلى حده يجب تفسير نص المادة 1/2 من قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية رقم 174 لسنة 2005 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2012 والقانون رقم 15 لسنة 2012 والتي تنص على أنه : "ويشترط فيمن يُنتخب رئيساً للجمهورية أن يكون مصرياً من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وألا يكون قد حمل أو أي من والديه جنسية دولة أخرى ...". أن يُفسّر هذا النصر تفسيرا قضائيا ضيّقا، بمعنى أن يقتصر تطبيقه على حمل الجنسية الأصلية وليس الجنسية المكتسبة بالإقامة، وفي حالة حمل الجنسية المكتسبة فإننا نرى أنه يجب أن يُشترط في هذه الحالة أن يكون هناك تصرّف إيجابي من الحكومة المصرية بإسقاط الجنسية المصرية عن الشخص الذي تجنّس بتلك الجنسية دون الإذن المسبق، كما حدث ذلك بقرار رئيس مجلس الوزراء المصري رقم 306 لسنة 2012 سالف الإشارة إليه. تاسعا : ونحن نرى أنه من الظلم البيّن أن تُسقط الجنسية المصرية الآن عن شخص متوفي – في حالة ثبوت حمله يقينا لجنسية أجنبية - دون سماع دفاعه الشخصي عن جنسيته المصرية التي سوف يكون معتزا بطبيعة الحال باستمراره لحملها في حياته وبعد مماته. عاشرا : ونحن نرى أنه من الملائمات القضائية في التفسير أن الحكمة من هذا النص التشريعي هو منع وقوع رئيس الجمهورية المصري المحتمل للتأثير الذي قد يحدثه عليه أحد والديه إذا كان متجنسا بجنسية أجنبية عند اتخاذه للقرارات السياسية الوطنية، ولما كان قد سبق يقينا أن والدة المرشح الرئاسي / محمد حازم صلاح أبو إسماعيل قد توفيت إلى رحمة الله تعالى فإن الحكمة من هذا النص تنتفي وينعدم أي تأثير محتمل لها على قراراته السياسية المقبلة إذا تم اختياره رئيسا لجمهورية مصر العربية، والله تعالى أعلم.