أسوان.. أهالي القفايطة بنصر النوبة يشكرون الرئيس السيسي بعد تحقيق حلم توصيل الكهرباء والمياه    البحيرة: رفع نواتج تطهير ترعة الخندق ومنع إلقاء المخلفات أو أي تعديات    رئيس وزراء ماليزيا: نتطلع إلى عدالة في غزة والسودان وحل سلمي لأوكرانيا    باحث: لبنان يعيش استقلالا منقوصا والجنوب خارج سلطة الدولة وسط تصعيد إسرائيلي مستمر    بعد غياب 900 يومًا.. ليفاندوفسكي يسجل هدفا تاريخيا لبرشلونة أمام بلباو    شاهد بالبث المباشر الأهلي اليوم.. مشاهدة مباراة الأهلي × شبيبة القبائل بث مباشر دون "تشفير" | دوري أبطال إفريقيا    تفاصيل ضبط أسلحة نارية و10 متهمين فى خناقة مسلحة كفر الشيخ تسببت فى مقتل شاب صدفة    تأجيل محاكمة 56 متهمًا بالهيكل الإداري للإخوان    «صوت هند رجب».. فيلم يكشف جروحنا الخفية ويعيد للسينما رسالتها الأخلاقية    وزير الصحة يفتتح تطوير قسم الاستقبال والطوارئ بمعهد القلب القومي ويوجه بسرعة إصدار قرارات العلاج على نفقة الدولة    الدوري الإنجليزي.. تشيلسي يعبر بيرنلي بثنائية نظيفة    هيمنة عبدالله: 550 مليار دولار استثمارات بالبنية التحتية أسهمت في دفع النمو الاقتصادي    مصر تبحث مع نيجيريا تعزيز التعاون فى مجالات الزراعة والدواء والطاقة والإنشاءات    الزراعة: زيادة إنتاج مصر من اللحوم الحمراء ل600 ألف طن بنهاية 2025    زيادة قيمة جائزة رجائي عطية إلى 100 ألف جنيه.. وإعلان الشروط قريبا    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    بدء المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب فى 13 محافظة .. الأثنين المقبل    الرعاية الصحية: أعظم الطرق لحماية الصحة ليس الدواء لكن طريقة استخدامه    جهود صندوق مكافحة الإدمان × أسبوع.. 450 فعالية لرفع الوعى بخطورة المخدرات    فيه حاجة غلط، أستاذ سدود يكشف دعامات خرسانية حديثة وهبوط بجسم سد النهضة (صور)    صلاح يقود هجوم ليفربول أمام نوتنجهام فورست في البريميرليج    خاص بالفيديو .. ياسمين عبد العزيز: هقدم أكشن مع السقا في "خلي بالك من نفسك"    الهلال بالقوة الضاربة أمام الفتح بالدوري السعودي    القبض على 4 سائقين توك توك لاعتراضهم على غرامات حظر السير| فيديو    رئيس الإمارات يصل إلى البحرين في زيارة عمل    السيدة انتصار السيسي تشيد ببرنامج «دولة التلاوة» ودوره في تعزيز مكانة القرّاء المصريين واكتشاف المواهب    قبل عرضه.. تعرف على شخصية مي القاضي في مسلسل "2 قهوة"    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    انطلاق معسكر مغامرات نيلوس لتنمية وعي الأطفال البيئي فى كفر الشيخ    غنيم: خطة الصناعة لتحديد 28 فرصة استثمارية خطوة استراتيجية لتعزيز التصنيع المحلي    علاج نزلات البرد، بطرق طبيعية لكل الأعمار    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها    وزيرة التخطيط تشهد الحفل الختامي لجوائز مصر لريادة الأعمال    الحكم على مها الصغير في قضية سرقة اللوحات 27 ديسمبر    حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 4 أيام على ذمة التحقيقات    لاعب الاتحاد السكندري: طموحاتي اللعب للثلاثي الكبار.. وأتمنى استمرار عبد الرؤوف مع الزمالك    "رويترز" عن مسؤول أوكراني: أوكرانيا ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب    «من تركيا للسويد نفس الشبكة ونفس النهب».. فضيحة مالية تضرب شبكة مدارس تابعة لجماعة الإخوان    بث مباشر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا 2025.. مشاهدة دقيقة-بدقيقة والقنوات الناقلة وموعد اللقاء    قادة أفريقيا على هامش قمة العشرين: تفاقم تكاليف خدمة الدين يعيق تنمية القارة    سعر اليوان الصيني أمام الجنيه في البنك المركزي المصري (تحديث لحظي)    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    إصابة 28 عاملا وعاملة فى حادث انقلاب سيارة بمركز سمسطا ببني سويف    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    دعم العمالة المصرية بالخارج وتوفير وظائف.. جهود «العمل» في أسبوع    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    انتخابات النواب بالخارج.. إقبال كبير للمشاركة بانتخابات النواب باليوم الأخير في السعودية وسلطنة عمان |صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    بعد قليل، محاكمة مها الصغير بتهمة انتهاك حقوق الملكية الفكرية    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع في الحرارة العظمى إلى 29 درجة مئوية    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الآية 20 من سورة الأحقاف
نشر في الفجر يوم 16 - 05 - 2014

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .
أيُّها الإخوة الكرام، الآية العشرون من سورة الأحقاف، وهي قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}.
جزء من عقيدة المؤمن أن يعرف حقيقة الحياة الدنيا، وأنَّها دار عمل وليسَت دار أمَل، ودار تكليف وليْسَت دار تشريف، فالذي يفْهم أن الحياة الدُّنيا دار اسْتِمتاع وتقلّب في النّعيم، وطعام وشراب، وسهرات، ومُتَاع فحاله يكون كما وصف الله في هذه الآية .
ورَدَ في بعض الأحاديث: إيَّاك عبد الله والتَّنَعُّم فإنَّ عباد الله ليْسُوا بالمتنعِّمين! الإنسان قد يتنعَّم، أما أن يجْعل التَّنَعُّم هدفه، يعمل من أجله؛ طعام وشراب واستمتاع، فالأُناس الطَّيِبُّون غارقون في المباحات والمباحات شَغَلتهم عن الطاعات، فالعُصاة موضوعهم آخر، وهم خارج الحِساب، فهذا الذي جَعَل همُّه مُتَعَ الحياة الدُّنيا والانْغِماس فيها؛ موقفُهُ يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
طبعًا كلمة الكُفْر واسِعَة جدًّا، تضيق لِتَعني الخروج مِن مِلَّة الإسلام، وتتَّسِع كما قال الله عز وجل: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ}... [التوبة: 54].
فهؤلاء يُصَلُّون ويُنْفِقون، وقد وُصِفُوا عند الله تعالى بالكُفْر .
هناك كفء يُخْرج مِن مِلَّة؛ كأن تُكَذِّب بالوحي، وبالقرآن، وتُنْكِر فرْضِيَّة الصلاة والصِّيام والحج، وذلك هو الكُفر الأكبر، أما حينما لا تعبأ بِقَوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}... [البقرة: 221].
تُزوِّج ابنتَك لإنسانٍ غَنِيٍّ دون أن تعبأ بِدِينِهِ، فأنت بِهذا كأنَّك كذَّبْت هذه الآية، وهذا نوعٌ مِن الكُفْر، وحينما يقول الله عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}... [البقرة : 276].
فليمْتَنِعُ عن التَّصَدُّق ويُنَمِّي مالهُ بِطَريقٍ ربَوِي هو كافِرٌ بِهذه الآية بالذَّات فهناك كُفْر يشْمَل الدِّين كلَّه، ويشْمَل الوَحي كلَّه والكتب السماوِيَّة، والأنبياء وهناك كُفر جُزئي، فحينما يقول الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}... [النور: 30].
فإذا قال الواحِد أين أضَعُ عَيناي‍؟‍!! فهل الآية غلَط؟ ألم يقل الله عز وجل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}... [البقرة : 286].
فالكُفْر يضيق لِيشْمل تَكذيب الدِّين والوحي، والقرآن، وإنكار الفروض، ويتَّسِعُ الكُفْر لِيَشْمَل كُلّ مَن يتحرَّك حركةً خِلاف منهج الله؛ لأنَّه ليس قانِعًا بها، أما إن كان مُقصِّرًا فهذا اسمُهُ فُسْق، فالإنسان حينما يُغلبُ أمرُهُ يُسَمَّى فاسِقًا، أما حينما يُنكِر يُسمَّى كافر، رجلان لا يُصَلِّيان، فالذي يقول: والله أنا مُقصِّر؛ هذا فاسق أما الذي يقول: ما فائدة الصلاة؟! فهذا كافر، فالذي يُنْكِرُ فرْضِيَتها كافر أما الذي يدَّعي أنَّهُ مُقصِّر فهذا فاسِق، قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
يُرْوَى أنَّ سيِّدنا عمر أمْسَكَ تُفاحةً شَهِيَّة فقال: أكلتها ذَهَبت، أطْعَمْتُها بَقِيَتْ!
سيِّدُنا النبي عليه الصلاة والسلام حينما كان يُوزِّعُ شاةً، قالت له عائشة رضي الله عنها: لم يبْقَ إلى كَتِفُها! فقال عليه الصلاة والسلام: بل بقِيَتْ كلُّها إلا كتفها!!.
ليس لكَ مِن مالِكَ إلا ما أكَلتَ فأفْنَيْتَ، أو لبِسْتَ فأبْليْت، أو تصدَّقْتَ فأبْقَيت، فالمال جزءان؛ قسم لك، وقِسم ليس لك، فالذي لك يُسَمَّى رِزْق والذي ليس لك يُسمَّى كَسْب، فالرِّزْق ما انْتَفعْتَ به، والكسب ما لم تنتفع به، فالرِّزق ما انْتفعْتَ به وسَتُحاسَبُ عليه، والكَسْب ما لم تنتفِع به وسَتُحاسَبُ عليه! تصوَّر إنسانًا اقْتَرض مليون ليرة، سُرِقتْ منه في الطريق، فهذا الشَّخص سيُؤدِّي هذا المَبلَغ مع أنَّه لم ينْتفِع به، فالرِّزْق ما انْتَفَعتَ به، والكَسْب ما لم تنتفِع به .
الآن الذي تنتفِعُ به ثلاثة أقْسام؛ قِسمٌ هلَكَ كالطَّعام والشَّراب، وقِسم بقِيَ وبلِيَ كالثِّياب، فهؤلاء الذين كفروا يُقال لهم القيامة: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
لذلك أيُّها الإخوة، الإنسان الذي بلا رسالة، ولا هَدَف، ولا قيمة يسعى لها، ولا درجة ولا مرْضاة يسْعى لِحُصولها هو إنسان شارِد وتائِه! ما الذي يُعرِّفُكَ بِمَوْقِعِك من الدِّين؟ دُروس العِلم، وكنتُ أقول لكم دائِمًا؛ متى تُعالِجُ نَفْسَكَ مِن الضَّغط المرْتَفِع؟ إذا عرِفْتَ أنَّهُ معَكَ ضَغطٌ مرْتَفِع، فلا بُدَّ مِن أن تقيسَ ضَغْطك مِن حينٍ لآخر عند الطَّبيب، والمؤمن الصادِق لا بُدَّ من أن يحْضُر مَجلسَ العِلْم كي يعْرِف موقِعَهُ من الدِّين؛ هل هو مع المُقْتَصِدين أم السابقين أم المُقصِّرين؟‍ وهل هو واقِعٌ في الشِّرْك الخَفِيّ أو الشِّرْك الجليّ؟ وهل هو واقِع في الكُفْر؟ فلا بدَّ مِن معرفة ذلك، يقول تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
الحقيقة أنَّ الإنسان أحيانًا يسْتكبر بِغَير الحق، قال تعالى: {قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}... [آل عمران : 26].
سَمْعُكَ وبصرك وعَقلَكَ وحركتكَ جميعها تمْلِكُهُا فالذي يسْتكبر بِغَير الحق، ويقول: أنا! فهذا لا شيء، نقطة دم في دِماغِهِ تَجْعلُهُ مَشْلولاً، وأقْربُ الناس إليه يتمنَّى موْتَهُ، فإمَّا أن يُسْمِعَهُ الدُّعاء ويقول له: خفَّف الله عنك! وإمَّا أن يدعوَهُ سِرّا، فأقرب الناس إليك؛ زوْجتُكَ وأهْلُكَ والإنسان وهو في الفراش خِدْمتُهُ صَعْبة جدًّا، لذا أنت لا تمْلك شيئًا، لا حركتك ولا قوَّتَك ولا سمْعَكَ، وهل تمْلِكُ أولادك وأهلَكَ؟ أنت لا تمْلِكُ شيئًا، فالذي يسْتَكبر فهذا اسْتِكبار بِغير الحق، وكلّ إنسان يقول: أنا يدَّعِي ما ليس له، وكلّ ذَنْب له عِقاب يُناسِبُهُ، فالكِبر عذابُهُ الهون ونحن عندنا عذاب أليم، وعذاب عظيم، وعذاب مُهين، فالمستكبر عذابه الهون قال تعالى: {بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
تجد كلمات يقولها الناس هي كبيرة جدًّا، وتقتضي لَيُقصَموا، قال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}... [البروج: 12].
لذا على الإنسان أن يَعُدَّ للمليون قبل أن يقول كلمة أكبر مِن حجْمِهِ، فالله عز وجل يهْدِمُ أشياء كبيرة جدًّا، ولذا قال: عرفْتُ الله مِن نقْض العزائِم .
وهناك اسْتِكبار، وهناك فِسق، إلا أنَّني أُبلِّغُكم أنَّ معْصِيَةً سببُها الغلبَة شيء، ومعْصِيَة سببها العِناد والاسْتِكبار شيء آخر، فإبليس ما هو الذي أسْخَطَ عليه؟ قال: أنا خير منه! ولم أكن لأسْجُدَ لِبشَر خلقتَهُ مِن طين فَمَعْصِيَتُهُ معْصِيَةُ اسْتِكبار، أما سيِّدنا آدم قال تعالى عنه: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}... [طه: 115].
ففرْقٌ بين معْصِيَة آدَم، ومعْصِيَة إبليس، فإبليس عصى اسْتِكبارًا، وآدَمَ عصى غلبَةً؛ نسِيَ، والذي يقَع في ذَنب بِدافِعِ الغلبة توْبتُهُ سَهلة جدًّا، فالعبد لمَّا يقول: يا رب: أنا أخطأتُ، يقول الله: وأنا يا عبْدي قبِلْتُ، ويا رب قد تُبْتُ إليك، والله يقول، وأنا قد تُبْتُ على عبْدي، أما الذُّنوب التي أساسها الاسْتِكبار فَتَوْبَتُها صَعبة جدًّا، وعليه فَكُلّ إنسان يقْلبُ الموازين، ويَجْعل الحياة الدُّنيا دار اسْتِمتاع، ودار لَهو، ونعيم، ودار سُرور، وحفلات، وأماكن جميلة، هذا الإنسان جَهِلَ حقيقة الحياة الدُّنيا، فالطالب الذي بِقاعة التَّدريس معه راديو يسمع الأخبار، ومجلاَّت، ومكسَّرات يأكلها، فهل يليق هذا بِطالب؟! هذا المكان مكان دِراسة، وليس مكان اسْتِمتاع، أما إذا ذهَب الإنسان إلى نزهة، وأخذ معه ما أخذ، فهذا له ذلك، فالنُّزْهة شيء، والدِّراسة شيءٌ آخر، فلمَّا يجعل الإنسان الدُّنيا دار نعيم، فقد أدْخَل سيّدنا عمر أحد الشّعراء السِّجن؛ لأنَّه قال بيتًا بِحَق أحد رؤساء القبائل اسمه الزَّبرَقان، وعدَّتْهُ العرَب أهْجى بيتٍ قالهُ شاعر، ماذا قال هذا الشاعر؛ حُطَيأة؟ قال : دع المكارم لا ترْحل لِبُغيَتِها واقْعُد فإنَّك أنت الطاعِمُ الكاسي
هذا البيت الذي قاله هذا الشاعر هو شِعار الناس اليوم، فما دام دخْله كبير وبيتُه واسِع، ومُتمتِّع، فهذا تجدهُ لا يعْبأ بِشيءٍ، وهذا هو الذي عكَسَ الحياة الدُّنيا، فهي دار عمل، وجعلها هو دار أمَل، وهي دار تكليف وهو جعلها دار تشريف، فهذا هو الخطأ، قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
آخر مثل لِتَوضيح الحقيقة، أنَّه لو كان معك مليون ليرة، ممكن أن تسْتثمرها بِشَركة تعطي سبعين بالمائة، وثمانين بالمائة، فأنت يمكنك بالمليون أن تقوم بِرِحلة إلى اليابان، وأوربا، وينتهي المليون فإنفاق المليون هذا هو إنفاق اسْتِهلاكي، وفيه حُمْق، أما إنفاق المليون إنفاق اسْتِثماري، فهذا فيه ذكاء، وكلّ شيءٍ تمْلكُه في الدنيا، مِن صِحَّة وفراغ وأمْن، والزَّوجة والأولاد، وطلاقة اللِّسان، والذَّكاء، هذه كُلُّها مواد أوَّلِيَّة، وهي رأسُ مالِكَ؛ فإمَّا أن تسْتَهْلِكَها، وإمَّا أن تسْتَثْمِرها، فإذا الإنسان سرَّ، أدْخل على قلبهِ السُّرور فقد اسْتَهلكها، أما إذا فكَّر بالكون فأنت يمكن أن تقرأ قِصَّة، والقصَّة ممْتِعة، أما لو قرأت الحديث والقرآن والسيرة ارْتقيْتَ عند الله، فالقراءة إمَّا أن تكون اسْتِهلاكِيَّة، أو اسْتِثْمارِيَّة وكذلك الأمر في الأكل؛ إمَّا أن تأكل حُبًّا في الأكل، وإمَّا أن تأكل لِتَتَقوَّى على طاعة الله، وإما أن تتزوَّج مِن اجل المُتْعة فقط، وإما من أجل أن تنْجِبَ أولادًا يدعون إلى الله، فَكُلّ شيءٍ يمكن أن توصِلَهُ بالحق أو بالباطل، وأخْطَر شيء أن تُنْفِقَ ملَكاتِك، وقُدْراتِك إنفاقًا استِهلاكيًّا، فهذا هو الخاسِر، وأعْقل الناس الذي لا يُضَيِّعُ مِن عُمُرِهِ ثانِيَة واحِدَة يُنفِقها في طاعة الله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللّه عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّ الْأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الْأَنْصَارِ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا ظَلَمَ بِأَبِي وَأُمِّي آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى)... رواه البخاري.
فالمؤمن حركاته وسَكَناته كلها أعمال صالحة له .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.