بدأت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية العراقية، التي اجريت في 30 أبريل الماضى وبمشاركة نحو 60 % من العراقيين المسجلين في جداول الانتخابات، وأشارت إلى عدم قدرة أي كتلة سياسية على حصد الأغلبية من الأصوات، مما يعني إن خيار حكومة الغالبية الذي دعا إليه المالكي قبل الانتخابات أصبح اليوم مستحيلا. ومن المفارقات السياسية اللافتة في العراق إن بقاء رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي في الحكم لولاية حكومية ثالثة سيصبح ممكنا من خلال السياسيين السنة، وليس من خلال حلفائه الشيعة السابقين، الطامحين حاليا إلى إقصاء المالكي من الحكم. ولكن الهدف الأكبر لائتلاف دولة القانون هو بقاء المالكي لولاية ثالثة، وهذا الأمر مازال ممكنا وفقا لتلك النتائج، التي تشير إلى إن المالكي سيفوز في المركز الأول من أصوات الناخبين، التي لا تكفي لتشكيل الحكومة الجديدة دون حلفاء. ويقول قيادي رفيع المستوى في ائتلاف دولة القانون ، طلب فضل عدم ذكر اسمه، "إنه ربما لم نحصل على غالبية أصوات الناخبين، لكننا سنكون كتلة كبيرة في البرلمان لا يمكن إن يتجاهلها الجميع". وأضاف "لدينا تحالفات ليست مع الأحزاب الشيعية وإنما مع أحزاب صغيرة سنية وكردية ومستقلة، وسنفاجئ الجميع بتحالفاتنا بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات بشكل رسمي".
وبعد فشل المالكي في الحصول على الغالبية في البرلمان المقبل (164 من أصل 328 العدد الكلي لنواب البرلمان)، فإن خطته البديلة هي الحصول على ثلث مقاعد البرلمان (110) لتمنحه قوة لمواجهة خصومه من الأحزاب الكبيرة من الشيعة والسنة والأكراد. وخصوم المالكي الحاليين هم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وائتلاف المواطن بزعامة عمار الحكيم والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، والسنة من خلال ائتلاف متحدون بزعامة أسامة النجيفي، وهو رئيس البرلمان الحالي، وهؤلاء يسعون جميعا لمنع الولاية الثالثة للمالكي. وقال محللون إن 110 نائبا مجتمعين يستطيعون تعطيل العملية السياسية وفق الدستور، فيما لو قرر باقي النواب (218 نائبا) تجاهل النواب الباقين، ولكن كيف؟. وينص الدستور العراقي على إن اختيار رئيس الجمهورية يجب أن يسبق اختيار رئيس الوزراء، وتتضمن الفقرة الأولى من المادة 70 "إن انتخاب رئيس الجمهورية يجب أن يكون بغالبية الثلثين من مقاعد البرلمان"، وهنا سيقوم المالكي وحلفائه بتعطيل اختيار رئيس الجمهورية مما سيجبر خصومه على التفاوض معه. ولكن كيف سيتمكن المالكي من الحصول على ثلث مقاعد البرلمان بينما النتائج الأولية للانتخابات تشير الى انه سيحصل ما يقارب من 75 مقعدا ربما أكثر بقليل أو اقل بقليل يضاف إليها نحو 15 مقعدا من أحزاب شيعية صغيرة مؤيدة له. وأولى مفاجئات الانتخابات التشريعية الثالثة في البلاد هي إن المالكي، وهو شيعي ينتمي إلى حزب "الدعوة" العريق في الأوساط الشيعية، سيستطيع البقاء لولاية ثالثة من خلال أحزاب سنية لا من خلال حلفائه الشيعة السابقين. وأيقن المالكي منذ تظاهرات الشباب في 25 فبراير عام 2011 التي طالبت بإسقاطه بسبب فشله في الأمن والخدمات، وقيام حلفائه الشيعة من التيار الصدري و"المواطن" بتأييد التظاهرات، بأنه يحتاج إلى حلفاء جدد ليسوا من الشيعة، خصوصا وإن التيار الصدري والمواطن يمثلان المنافس الوحيد للمالكي على منصب رئاسة الوزراء وفق التقسيمات الطائفية للمناصب السياسية التي تجعل المنصب حكرا على الشيعة. وبسبب ذلك بدأ المالكي يبحث عن حلفاء خارج الوسط الشيعي، وقام بكسب ود العديد من السياسيين ونواب سنّة يمتلكون قاعدة جماهيرية في المحافظات السنية الرئيسية في البلاد ونجح في ذلك تماما في هذه الانتخابات. وفي محافظة الأنبار غرب البلاد، التي تدور على أرضها حاليا معارك بين الجيش العراقي والعديد من الفصائل المسلحة السنية بينها تنظيم "داعش"، نجح المالكي في التحالف مع شخصيات سنية بارزة في هذه المدينة، وأبرزهم وزير الدفاع المحبب إلى المالكي، سعدون الدليمي، وهو زعيم ائتلاف "وحدة أبناء العراق. وأيضا هناك ائتلاف /الوفاء للأنبار/ بزعامة قاسم الفهداوي، وهو محافظ سابق للمدينة، و"حركة العمل والوفاء" بزعامة وزير الكهرباء كريم عفتان. وهؤلاء كانوا في الانتخابات السابقة التي أجريت عام 2010 إلى جانب ائتلاف العراقية بزعامة إياد علاوي، أما اليوم فهم إلى صف المالكي. وفي مدينة صلاح الدين، وهي بلدة الرئيس السابق صدام حسين، نجح المالكي أيضا بالتحالف مع شخصيات سياسية سنّية محبوبة من قبل السكان هناك، مثل محافظ صلاح الدين الحالي احمد عبدالله الجبوري الذي ينتمي إلى ائتلاف العربية، هو مقرب من رئيس الحكومة نوري المالكي وتجمعهم علاقة طيبة، والسياسي المثير للجدل مشعان الجبوري وأيضا النائب قتيبة الجبوري ضمن ائتلاف العراق. وذكر موقع /نقاش/ الاخباري العراقي أن المالكي وجد في الموصل شمال بغداد، وجد بعض الأصدقاء أمثال النائب عن الموصل عبد الرحمن اللويزي ضمن ائتلاف العربية وهو من المقربين للمالكي، كما إن هناك النائب زهير الجلبي ضمن ائتلاف الرماح الوطني، وأيضا دلدار الزيباري في تجمع "البناء والعدالة العراقي"، هم أيضا مقربين من المالكي. والمالكي، الذي خسر حلفائه الشيعة الكلاسيكيين بسبب سياساته، هو اليوم بانتظار النتائج النهائية للانتخابات لمعرفة ما يحتاج إليه للحصول على ثلث مقاعد البرلمان وربما النصف، ليبدأ بجولة مفاوضات صعبة وطويلة لإقناع أصدقائه السنة بالوقوف إلى جانبه في البرلمان. أما باقي الأحزاب الكبيرة مثل (المواطن، التيار الصدري، متحدون، الحزب الديمقراطي الكردستاني، والوطنية) فسيقومون أيضا بمفاوضات معقدة لمنع هؤلاء السنة من الوقوف إلى جانب المالكي، كما أنهم سيتحالفون معاً للوقوف بوجه طموحه. وعملية المفاوضات بعد إعلان نتائج الانتخابات النهائية ستدور بين فريقين، الأول يهدف لبقاء المالكي في الحكم والثاني يهدف إلى منع المالكي من الولاية الثالثة، إما قضايا دعم الاقتصاد ووقف إعمال العنف وتقديم الخدمات فهي بعيدة عن اهتمام الطرفين، لكن المفاوضات لن تكون قصيرة وستأخذ شهورا، والمشكلة إن عامل الوقت لا يوثر على المالكي الذي سيبقى يدير الحكومة دون ضوابط تنظم عملها باعتبارها حكومة تصريف أعمال.