■ قادة أركان الجيش الأمريكى طلبوا من أوباما التخلى عن الإخوان بعدما ساعدهم على استلام الحكم وفشلوا.. وأكدوا فى تقرير أنه على واشنطن الاعتراف بالظاهرة المصرية غير الطبيعية ■ موسكو باعت لمصر سلاحاً متطوراً ب3 مليارات دولار والتمويل خليجى ووافقت على إقامة منطقة تجارة حرة بين القاهرةوروسيا وبيلاروسيا وكازاخستان
■ البنتاجون يؤكد سطوته بإعلان تسليم مصر طائرات الأباتشى فى وجود مدير المخابرات المصرية وقبل وصول نبيل فهمى بساعات!
■ أوباما فشل فى إقناع السعوديين بتفليس روسيا عن طريق تخفيض سعر البترول وزيادة الكميات المنتجة ■ وزير الخارجية يقبل التحدى ويواجه المرأة المؤمنة بثقافة الكاوبوى سوان رايس!
الدبلوماسية شجرة عريقة.. لكنها.. قد تكون عظيمة أو عقيمة.. مثمرة أو مقفرة.. وارفة أو عارية.
ولو كانت الشجرة قابلة للتلقيح.. وتغيير شكل أوراقها.. وطول أغصانها.. وطعم ثمارها.. فإن الدبلوماسية قابلة للتشذيب والتقليم والتطعيم لتكتسب أشكالا جديدة.. وإيقاعات سريعة.. وعادات مختلفة.
والحقيقة أن نبيل فهمى نفخ فى الدبلوماسية المصرية من روحه فأيقظها من سبات عميق فرض عليها.. ونقلها بإصرار وعناد من مؤسسة بيروقراطية إلى مؤسسة سياسية.. إلا قليلا.
لقد نافس وزير الخارجية الطيارين المحترفين فى تسجيل أرقام قياسية فى ساعات السفر.. وجلس على متن الطائرات أكثر مما جلس وراء مكتبه.. وساهم فى تصحيح رؤية دول كثيرة مؤثرة فى العالم أصيبت بحول سياسى فرأت نظام ما بعد «30 يونيو» فى مصر انقلابا عسكريا.
وتأتى رحلته الأولى إلى الإدارة الأمريكية بعد إسقاط حكم «الإخوان» لتثبت أن مصر نفضت عن نفسها غبار التبعية الذى غطى كيانها.. وأخفى سماتها.. وسحق قرارها.. عقودا طويلة.
ودعوة نبيل فهمى من نظيره جون كيرى هى فى حد ذاتها اعتراف من الحكومة الأمريكية بنظام ما بعد محمد مرسى.. فالوزير المصرى لم يأت للشوبنج أو للتحدث أمام العدسات أو مراكز الدراسات وإنما جاء ليتحدث إلى صناع القرار شارحا ومناقشا وضاغطا ومفاوضا وربما رافضا حسب الحالة.
لكن.. هناك عدة حقائق يصعب تجاهلها سبقت زيارة نبيل فهمى إلى سان فرانسيسكو وواشنطن ونيويورك فرضت نفسها على خريطة القوى الأمريكية المتصارعة.. وفرضت بعض الدفء على علاقاتها الباردة مع مصر.
لقد ركب البيت الابيض رأسه بتأثير من سوزان رايس (مستشارة الأمن القومى) وأصر على مساندة الإخوان ولو كان الثمن خسارة مصر بينما سعى تشاك هيجل (وزير الدفاع وجنرالات البنتاجون) إلى الحفاظ على مصر.. ووقف جون كيرى (وزير الخارجية) حائرا بينهما.. يرقص تويست.. خطوة هنا وخطوة هناك.. عين فى الجنة.. وعين فى النار.
فى نهاية يناير الماضى رفع قادة أركان الجيش الأمريكى تقريرا إلى قائدهم الأعلى باراك أوباما يطالبونه فيه بالتخلى عن الإخوان «بعد أن ساعدناهم على استلام الحكم وفشلوا».. والاعتراف بالظاهرة المصرية غير الطبيعية.. «حيث خرج الشعب المعروف بقدرته على تحمل المصاعب عن صبره الشهير وطرد الإخوان بنفسه دون توجيه من حزب أو أمر من تنظيم».
وطالبت رموز القوة فى المؤسسة العسكرية الأمريكية رئيسهم بدعم مصر لتعود إلى دورها الإقليمى الذى تراجع منذ أن وقعت قبل نحو 35 سنة معاهدة الصلح مع إسرائيل تاركة الدولة العبرية وحدها فى المنطقة تفعل بها ما تشاء.
لقد فرضت إسرائيل على الشرق الأوسط ما عرف ب «حروب المجتمعات».. فراحت تثير الفتن الداخلية (الطائفية والعرقية والثقافية والجغرافية) مستلهمة سياسة «فرق تسد» التى ابتكرتها الإمبراطورية البريطانية فى سنوات توسعها الاستعمارى.. ونجحت حروب المجتمعات فى تقسيم العراق إلى أربع دويلات.. وتقسيم ليبيا إلى ثلاث مناطق.. وفصل جنوب السودان عن شماله.. تمهيدا لاستقلال أقاليم أخرى.. وتكرر السيناريو فى اليمن.. لكنه.. فشل حتى الآن فى مصر.
ورغم أهمية إسرائيل فى الولاياتالمتحدة إلا أنها بما فعلت فى المنطقة هددت المصالح الأمريكية فيها.. «نحن ندرب جنودا فى الأردن ثم نكتشف فيما بعد أنهم إرهابيون يقتلون جنودنا فى جنوب ليبيا».. «ونحن موجودون فى جنوب ليبيا لطرد إرهابيين يحاربوننا بسلاح أمريكى».. وقام من دربناهم فى لبنان بقطع رؤوس الأطفال فى سوريا».
يضاف إلى ذلك ما توفره مصر بطبيعة موقعها من مساندة لوجستية للقيادة العسكرية المركزية الأمريكية الممتد نشاطها من طنجة إلى بكين.. أولوية المرور فى قناة السويس.. واستعمال المجال الجوى دون استئذان.
ويستطرد جنرالات البنتاجون فى تقريرهم المرفوع إلى أوباما: «إن العمل فى المنطقة غير ممكن إذا لم يعتمد على دولة عربية رئيسية.. إن سياسة العصا الغليظة لم تعد مجدية.. فالشعوب استيقظت.. وتطالبنا باحترام إرادتها.. ومعاداتها تجعلنا جزءا من سياستها الداخلية.. وتهددنا بخسارة كل شىء فيها».
«ورغم أن مصر تعيش فترة تحولات سياسية صعبة فإنها تمتلك الخبرات التى تؤهلها لإحداث التوازن المطلوب فى المنطقة.. ومن ثم يجب تجديد الرهان عليها».
«والمؤكد أن الإخوان قبلوا بأدوار دموية عميلة، مما سد باب المصداقية فى وجوههم وأصبحت فرصة بقائهم على الخريطة السياسية المصرية مستحيلة».. فقد جمعوا خلال الثلاث سنوات الماضية نحو 23 مليار دولار.. أنفقوا منها تسعة مليارات على تمويل الإرهاب.. واحتفظوا لأنفسهم بالباقى.. سمسرة.. فى حالة غير مسبوقة من الفساد المالى والسياسى.
وترتب على الموقف الأمريكى المتردد والمتعسف أن وجدت روسيا لها منفذا دافئا إلى المنطقة.. مدت قدميها فى سوريا.. ومنعت غزوها.. ومالت بجذعها فى مصر.. وقبلت ببيع السلاح المتطور إليها فى صفقة مولتها دول خليجية بنحو ثلاثة مليارات دولار.. بجانب موافقتها على إنشاء منطقة تجارة حرة بين القاهرة ودول الاتحاد الجمركى التى تشمل روسيا وبيلا روسيا وكازاخستان.. وقد حدث ذلك كله وسط ترحيب غير مسبوق من الدول العربية المحافظة التى كانت خصما للاتحاد السوفيتى فى سنوات الحرب الباردة.
إن السعودية على سبيل المثال ساهمت فى إسقاط الاتحاد السوفيتى بعد غزوه أفغانستان ليس فقط فى دعم المجاهدين بالمال والسلاح، وإنما بالهبوط بأسعار النفط إلى مستوى متدن تسبب فى خسائر مالية للسوفييت.. ومع وجود حاكم مثل جورباتشوف تفككت الإمبراطورية الشيوعية الحمراء.. وحاول أوباما خلال زيارته الأخيرة للرياض إقناع الملك عبد الله بتكرار سيناريو النفط لضرب الخزانة الروسية فى مقتل لكن العاهل السعودى رفض.. بل أكثر من ذلك تخلص من أقرب مساعديه إلى واشنطن.. بندر بن سلطان.. عشية زيارة الرئيس الأمريكى.
وأمام سلسلة الفشل الأمريكى المتلاحق فى إيرانوسوريا والقرم وأوكرانيا وكوريا الشمالية بدا أوباما نمرا من ورق.. يزئر ولا يفترس.. أو بدا واعظا لا يقدر على إقناع أحد بدعوته.. ومع بدء العد التنازلى لخروجه من البيت الأبيض مسجلا لقب الأسوأ بين من سكنوه وحكموه تضاعف نفوذ البنتاجون وأثمرت ضغوط جنرالاته تغييرا واضحا تجاه مصر.
تجسد هذا التغيير فى الموافقة على تسليم عشر طائرات هليكوبتر (أباتشى) لمصر قبل أن تطأ قدما نبيل فهمى مطار سان فرانسيسكو بادئا رحلته الأمريكية.. واستطيع أن أقول وأنا مطمئن إن القاهرة كانت تعرف بالخبر قبل إن تدعو واشنطن وزير الخارجية لزيارتها.. وربما كان أهم أسباب الزيارة إعلان الخبر.. وإطلاق الألعاب النارية والزغاريد الإعلامية.
ولابد هنا ألا نعتبر قرار «الأباتشى» نهاية المتاعب بين البلدين.. فالقرار له وجه داخلى أهم.. أن الحكومة هناك متعاقدة مع شركات إنتاج السلاح على ما تحتاجه مصر خلال السنوات الثلاث القادمة.. ولو تأخرت الحكومة عن تنفيذ تعاقداتها، فإنها ستعاقب بغرامات مالية تزيد من خسارتها.. ومن ثم قدمت فيما يشبه المفاجأة غير المتوقعة طائرات الأباتشى الجديدة.. وبدت كأنها تقدمها عن طيب خاطر.. واستفادت منها سياسيا فى التقارب بينها وبين مصر.
ولكن.. يبدو أن جنرالات البنتاجون تعمدوا منح جائزة إعلان «النبأ السعيد» على غير العادة لمدير المخابرات اللواء محمد فريد التهامى بعد لقائه بوزير الخارجية جون كيرى.. ليؤكدوا بصورة لا تخطئها العيون أنهم الأشد نفوذا والأكثر تأثيرا فى بلادهم.. على الأقل فى هذه المرحلة المفصلية الحرجة.
إن مديرى المخابرات لعبوا خلال العقدين الأخيرين دورا مباشرا فى السياسة الخارجية يتجاوز فى كثير من الأحيان دور وزير الخارجية.. وقد كنا نرى عمر سليمان يدير كثيرا من الملفات بينما كان أحمد أبو الغيط يعلن عما جرى فيها.. ولكن.. بطريقة إعلان «الأباتشى» أضيف إلى مدير المخابرات العمل سرا والتصريح علنا.
كان التهامى قد بدأ رحلته بزيارة مقر وكالة المخابرات المركزية فى ضاحية لانجلى والتقى بنظيره الأمريكى جون برينان ردا على زيارة قام به قبل شهور قليلة إلى القاهرة لم يعلن عنها.
والتهامى رجل تعود العمل فى هدوء بعيدا عن صخب الإعلام.. يجيد الاستفادة من التفاصيل الصغيرة قبل الوقائع الكبيرة.. ويحسن عرض ما يعرف بطريقة تناسب مستمعيه.. ويملك القدرة على توفير الدليل على ما يقول فى الوقت المحدد.
وقد رسمت هذه الصورة بعد لقاء جرى بين الرجل وبين عدد من الإعلاميين ورؤساء التحرير فى الخريف الماضى أعقبه حوار صحفى أجراه معه ديفيد اجناتيوس فى «واشنطن بوست».. وفى اللقاء والحوار كشف لأول مرة بعضا مما تعود التعامل معه بصمت.. وتنبأ بما حدث فيما بعد.
لكنه.. أكد التعاون بين الأجهزة الأمنية فى مصر والولاياتالمتحدة والدول الصديقة استمر بعد ثورة يناير.. مضيفا: «هذه القناة تختلف عن القنوات السياسية».. موضحا أنه «على اتصال دائم مع جون برينان مدير وكالة «سى آى إيه» ومحطتها الموجودة فى القاهرة.. واستطرد: « تبادل المعلومات بين الأجهزة الاستخباراتية لا يتعلق بأشخاص وإنما بعناصر إرهابية».. «ومن مصلحة الأمريكيين وكذلك المصريين التواصل فى مجال مكافحة الإرهاب «، «التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب من أهم أوجه التعاون بين مصر والولاياتالمتحدة بصرف النظر عن عمن هو موجود فى السلطة أو التوجهات السياسية.. إنهما موضوعان منفصلان.. نحن نتعاون فى مجال تأمين المواطنين فى الولاياتالمتحدة ومصر وهذا لا يتعارض مع أى مصلحة لأى طرف».
أما جون برينان الذى ولد فى 22 سبتمبر 1955 فقد حصل على الماجستير فى العلوم السياسية متخصصا فى الشرق الأوسط.. وحصل على دورات تدريبية فى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة.. وأتقن اللغة العربية.
قبل وصوله إلى رئاسة الوكالة خدم فيها 25 سنة وبرع فى التعامل مع الجماعات الإرهابية ودعم ذلك توليه مكتب الوكالة فى السعودية.. وبسبب زيارة غير معروف ملابساتها إلى مكة والمدينة الممنوعتين على غير المسلمين أشيع أنه أشهر إسلامه وأدى فريضة الحج.
وفى المباحثات الأخيرة بين الرجلين تطرقا إلى المعونة العسكرية الأمريكية واتفقا على إعادتها إلى مصر تدريجيا حسب تقدمها فى الاستحقاقات الديمقراطية.. واتفقا على مواجهة مشتركة للإرهاب، فكان قرار طائرات الأباتشى.. وقطعا شوطا لا بأس به فى توصيف الإخوان «جماعة إرهابية».. لكن.. تركا الأمر إلى البيت الأبيض.. وهو لا يزال يأمل فى تسوية سياسية للجماعة بعد الانتخابات الرئاسية فى مصر.. وحسب ما نشرت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» فإن واشنطن تقدمت إلى القاهرة باقتراح يقضى بعمل استفتاء شعبى فى مصر يحدد مصير الجماعة.
ولاشك أن رحلة التهامى الناجحة إلى واشنطن التى انتهت يوم الاثنين الماضى مهدت الأرض الوعرة أمام زيارة نبيل فهمى.. وفتحت أمامها مجالات سياسية وإعلامية واستثمارية مختلفة.
فى زيارته إلى سان فرنسيسكو حض الجالية المصرية على لعب دور اللوبى فى مواجهة ما ينشر ويبث عن مصر.. والحقيقة أنها مهمة صعبة إذا لم تكن مستحيلة.. فقد فشلت محاولات كثيرة سابقة فى توحيد جهود المصريين فى الولاياتالمتحدة.. وبقيت محاولات الضغط والتأثير محاولات فردية متناثرة.
والتقى فهمى بعدد من مراكز الدراسات الاستراتيجية المؤثرة فى صنع القرار الأمريكى.. لكن.. المشكلة أن هذه المراكز تعبر عن وجهات نظر مؤسسات سياسية وأمنية مختلفة.. وتخضع مسبقا لما تريده تلك المؤسسات التى تدفع وتمول وتوجه وتؤثر.
على أن ما يلفت النظر أن قائمة طويلة من ممثلى الصحف والقنوات التليفزيونية طلبت حوارات مع فهمى بما لم يحدث من قبل.. لعل أبرزها تشارلس روز مقدم برنامج «ستين دقيقة».. وهو يعرف مصر جيدا.. وسبق أن التقى مبارك أكثر من مرة.. ومحمد مرسى مرة.
لكن.. لا يزال الإعلام الأمريكى المسيطر عليه من اللوبى اليهودى يلعب ضد الدول العربية.. ويستخدم لتنفيذ ما تريد إسرائيل فى الشرق الأوسط.. ويجعل منها شريكا فى كل الأزمات التى تحدث فى المنطقة.
يمكن لإسرائيل توجيه الإعلام الأمريكى ليرفع الاهتمام بموضوع عادى إلى مستوى الأزمة.. ويمكن أن يتجاهل إلى حد الإهمال موضوعا يمثل أزمة كبرى.. إن خبر سجن أربعة رؤساء تحرير فى مصر أيام مبارك لم يحظ سوى بعدة سطور مهملة فى ذيل صفحة داخلية بينما التحقيق مع مقدم برنامج تليفزيونى ساخر قد يجد طريقه للنشر فى الصفحة الأولى مع الصورة الرئيسية.. إن مقاييس الاهتمام سياسية أكثر منها مهنية.
ولا شك أن أكثر اللقاءات أهمية لقاء فهمى مع رايس مستشار الأمن القومى منذ 13 يونيو 2013.. فهى أكثر المتشددين عنادا تجاه مصر ما بعد الإخوان.. وواضح أنها مؤثرة على أوباما مباشرة.. لدرجة أنه فكر فى تعيينها وزيرة للخارجية.. بل وصلت أهميتها إلى حد أن البعض يرشحها لخلافة أوباما فى البيت الأبيض.
على أن أبرز صفاتها هى العدوانية والتعبيرات الثقيلة غير الدبلوماسية من عينة «هذه حماقة».. أو «دعونا نقتل ذلك».. أو «هذا هراء».. ويرجع ذلك إلى ثقافة رعاة البقر (الكاوبوى) التى تتمتع بها.
ولكن.. مهما كانت فظاظتها فإنها ستجد نفسها مستسلمة لقوة الجنرالات الذين أثبتوا أنهم أكثر تأثيرا على القرار الأمريكى أكثر من غيرهم.. خاصة فى الفترة الأخيرة.. حيث بدأ العد التنازلى لخروج أوباما من السلطة.. فحتى فى الدول المغطاة بالديمقراطية.. يكسب العسكريون.