بعد وفاة الخليفة العباسى المستنصر، تولى المستعصم خلافة المسلمين، فكان رجلا ضعيفا، سهل الانقياد بلا رؤية واضحة.. فكان أول قرار اتخذه هو اختيار مؤيد الدين بن العلقمى للوزارة.. ولم ينتبه وقتها إلى الهاوية التى أودى بنفسه إليها.. كان العلقمى داهية بكل معنى للكلمة، استطاع أن يستغل صفات الضعف فى الخليفة لينفث سمومه وينفذ مخططاته.. فقد كرَّس ابن العلقمى حياته للقضاء على الخلافة العباسية، ومحاربة أهل السُنة أينما حلَّوا أو ارتحلوا، وقامت تلك الخطة على محاور ثلاثة، استطاع ذلك الوزير الخائن من خلالها أن يسقط دعائم الخلافة العباسية، لتعيش الأمة وللمرة الأولى منذ أكثر من خمسة قرون من دون خليفة يسيِّر أمور تلك الحضارة العظيمة.
بدأت خطته الحقيرة بأخطر محاولة لإسقاط أى دولة، وهى خطة القضاء على جيشها.. فالجيش هو حامى حمى أى دولة، وبدونه تسقط ركائز الأوطان وتُصبح الأرض مرتعا للمرتزقة والغاصبين.. اجتهد فى صرف الجيوش وإسقاط اسمهم من الديوان، ففى حين كان العساكر فى آخر أيام المستنصر قريبين من مائة ألف مقاتل، فلم يزل يجتهد فى تقليلهم، إلى أن لم يتبق منهم سوى عشرة آلاف فقط!..
وكانت خطوته الثانية فى رحلة الخيانة العُظمى، هى مرحلة التواصل مع التتار ليعرض عليهم تعاونه فى اقتحام بغداد وإسقاطها، وأمدَّهم بما يحتاجونه من المعلومات، وحكى لهم حقيقة الحال، وكشف لهم ضعف الرجال.
انتقل إلى الخطوة الأخيرة وهى محاولاته المستميتة فى تثبيط همة الخليفة فى جهاد التتار بل ومحاربة كل من كانوا يلتفون حول الخليفة ويشجعونه على قتال التتار.. وبدأ أيضا يستقطب العامة ويحكى لهم عن أهمية دخول التتار إلى بلادهم، وأن التتار لا يريدون سوى مصلحتهم..
ثم أشار للخليفة بالخروج إلى هولاكو.. ومن ثم قُتل الخليفة.. وزحف التتار..
وكانت مكافأته على ما قام به من مجهود ضخم لخيانة وطنه، أن أصدر هولاكو قرارًا بتعيينه حاكمًا من قبل التتار على بغداد، على أن يظل التتاريون أوصياء عليه، وقائمون على توجيهه، فلم يكن العلقمى سوى صورة فقط، على أن تبقى خيوط اللعبة فى يد التتار!..
وبعد أشهر قليلة من تنصيبه حاكما على البلاد.. توفى العلقمى وحيدا حزينا، بعد أن لعنه الشعب واحتقره التتار وقذفه التاريخ من أخس باب يمكن أن يخرج منه الحُكام.. وهو باب خيانة الأوطان!.
وما أشبه الليلة بالبارحة!. فالحاكم الخائن ليس إلا صورة تُستنسخ على مر الزمان..
يبدو أن المقولة التى تداولها الإخوان المسلمون طويلا لم تكن مجرد ثرثرة فوق النيل، بل كانت واقعا آمنوا به وسعوا لتطبيقه.. فمبدأهم يقول: «عندما يتعلق الأمر بالبقاء فى السلطة فإن المبادئ تُعد من قبيل الترف»!..
من هذا المُنطلق أطلق محمد مُرسى العنان لكل الإرهابيين والجواسيس ليطأوا أرض مصر بخيول الخيانة الملوثة.. كما لقب الظواهرى بلقب «أمير المؤمنين» ووقف يطالب هو وعشيرته بالإفراج عن عمر عبد الرحمن الإرهابى الذى اعتقلته أمريكا..
كما منح أراجوز الجماعة الجنسية المصرية لإرهابيى حماس.. وملّك الأراضى المصرية بعقود بيع لأهل غزة من العشيرة الإرهابية، الذين قرر الاعتماد عليهم فى تنفيذ خطته الخسيسة لخيانة مصر والمساومة على أراضيها.. لقد أراد بهم حرسا ثوريا يكسر به شوكة القوات المسلحة، خير أجناد الأرض.. ولكن هيهات..
الفارق الوحيد بين مُرسى والعلقمى.. أن العلقمى سيذكره التاريخ بكونه وزيراً خائناً بُرتبة داهية، أما مُرسى فسيبقى فى ذاكرة التاريخ دوما رئيساً خائناً بُرتبة خيال مآتة!
مجرد رئيس ماريونيت ينام بأمر المرشد على فراش الرئاسة الوثير ويملأ بطنه بما لذ وطاب، فى حين استطاع بديع وغلمانه عن جدارة إرهاب المصريين وتخويفهم والتحريض على البلاد فى الخارج بنشر الأكاذيب أمام العالم كله، للبقاء فى حُضن ماما أمريكا ولاستمرار هطول أموال قطر على أراضيهم الجدباء!..
اكتست الشوارع بلون دماء الشهداء فلم تغسلها حتى اليوم دموع مصر، فلا النحيب ولا الثكالى ولا الآهات كانت قادرة على كبح لجام القتلة من مجزرة رفح الأولى حتى كمين مسطرد.. فالخيانة طريق طويل يبدأ بخطوة..
وتبقى كلمة المُرشد مهدى عاكف خير دليل على خيانة الأرض والعرض، كلمة قالها بالفُم المليان بمنتهى الصفاقة دون حرج ولا خجل: «طُظ فى مصر»!..
وهو هنا لا يبتدع بل يتبع!.. فقد قالها قبله سفاح الجماعة سيد قطب بجملة: «ما الوطن إلا صنم أو حفنة من تراب عفن»!
واكتملت أركان الخيانة بأتباعهم المأجورين عند منصة رابعة فى انتظار عودة المعزول، حين هتف أحدهم مُبشرا: «إن السفن الأمريكية المُحملة بجنود المارينز تقترب من الشواطئ المصرية».. فإذا بالخونة يُهللون ويُكبرون.. فيا لهم من ساقطين!.
وتنتهى رحلة محمد مرسى فى بحور الخيانة بإعطائه تعليمات لسكرتارية القصور الرئاسية بجمع أكثر من 200 تقرير مكتوب ووثائق ومستندات سرية، وسرية للغاية والتقارير الدورية التى يتم رفعها إلى رئاسة الجمهورية والتى تتعلق بتسليح القوات المسلحة وانتشار القوات، وتقارير الأمن الداخلى والوضع الاقتصادى للبلاد، وتقارير خاصة بعدد من قرارات وزارة العدل.. تمهيدًا لإرسالها لأحد أجهزة المخابرات التابعة لإحدى الدول، التى تدعم مخططات التنظيم الدولى للإخوان! وذلك فى إطار استكمال مخططهم لإفشاء أسرار البلاد العسكرية ذات الصلة بالأمن القومى المصرى وزعزعة الأمن والاستقرار، وإسقاط الدولة المصرية!..
كان أمين الصيرفى القيادى الإخوانى قد تلقى تعليمات من قيادات جماعة الإخوان داخل السجن بتهريب تلك الوثائق، التى قام هو بتهريبها من القصور الرئاسية إلى خارج البلاد ومخابرات إحدى الدول العربية الداعمة لجماعة الإخوان الإرهابية (قطر) وفى إطار تنفيذ تلك التعليمات طلب من ابنته «كريمة» وهى طالبة بجامعة الأزهر أثناء زيارتها له فى سجن طرة بنقل وتسليم تلك الوثائق والتقارير إلى محمد الكيلانى «مضيف جوى» بعد تصويرها والاحتفاظ بصورة منها.
نعم.. نسيت دولة قطر حجمها الحقيقى وسط الدول العربية، ونسى حاكمها وزوجته أن انحناءهما لتقبيل يد مصر كان وسيظل فرضا على أمثالهم من أقزام العرب..
نسيت أنها دويلة استضافت كأس العالم بتقديم الرشاوى والتدليس!.. ونسيت أن موزة والدة ولى العهد تميم التى ساهمت إلى حد بعيد فى إقناع زوجها بالاستيلاء على السلطة عام 1995، برز نفوذها فى الحياة العامة فى العام التالى عندما قرر زوجها أمير قطر تعديل تسلسل الخلافة إذ أبعد ابنه البكر من زوجته الأولى وابنة عمه وعين مكانه جاسم، بكر أبنائه من زوجته موزة.. وأقر أن الزوجة الثانية الطموحة (موزة ) روجت لوجود علاقات خطيرة بين ابنها جاسم والإرهابى السعودى أسامة بن لادن، ولأنه فقد حظوته لدى والده، فقد وضعه لفترة قيد الإقامة الجبرية..
وتناسوا أن قطر شهدت انقلابين، أحدهما كان من أحد أفراد عائلة آل ثان الذى قام بالانقلاب على الأمير السابق خليفة بن حمد آل ثان (من نفس عائلته) والذى وصل إلى السلطة هو نفسه من خلال قيامه بانقلاب! وفى عام 1995 استفاد حمد من وجود والده فى أحد قصوره فى سويسرا ليعلن نفسه أميرا للبلاد بهدوء، حيث نفى حمد والده الذى أقام فترة فى سوريا قبل أن يسمح له بالعودة إلى قطر عام 2004.
هذه باختصار قصة رئيس قرر أن يخون وطنه، ويعرض أرضه مثل العاهرات فى أسواق النخاسة لمن يدفع أكثر.. فتسابقت قطروأمريكا لنهش عرض بلاده..
أيها الرئيس المعزول.. عزلك كان واجبا.. ووقوف الجيش المصرى فى وجهك والإطاحة بشرعيتك كان شرفا وكرامة.. وموتك وحيدا منبوذا مرجوما بالحجارة مصير سوف تلاقيه حتما.. فالخيانة كأس من الدماء الفاسدة يشربه الحكام الخونة فى صحة أوطانهم.. والتجارة مع الشيطان هى تجارة خاسرة لا محالة.. فعندما تصبح قدسية الأوطان مثل جهاد النكاح طقساً من طقوس الوثنية والدعارة، فلا يصح لروادها إلا الإعدام!..