■ 90٪ من مصانع الأسمنت فى العالم تعمل ب«الفحم».. ووزير: البيئة تحرم مصر من «طاقة بديلة» ■ هل توقف الشركات الأجنبية عن اكتشاف حقول جديدة للغاز والبترول له علاقة بأن معظم قادة هذه الشركات ضباط مخابرات سابقين فى أمريكا وإنجلترا؟
نتعامل مع الطاقة فى مصر معاملة وثنية.. نعبد صنماً واحداً.. لا نرضى بغيره إلهاً.. دون أن نملك شيئا نقدمه إليه قرباناً.
كل سنة يستهلك صنم البترول 200 مليار جنيه دعماً حكومياً.. يستفيد منه القادرون بنسبة ثمانين فى المائة.. ولا يصل إلى مستحقيه.. إلا قليلا.
وربما كانت طوابير السيارات على محطات الوقود بجانب انقطاع الكهرباء سببا مباشرا للتخلص من حكم الإخوان.. فليس فى التاريخ مادة خام أثرت فى السياسة مثل البترول.. تسببت فى حروب.. وصنعت مؤامرات.. وأشعلت ثورات.
ولمساندة استقرار مصر بعد ثورة 30 يونيو قدمت السعودية والإمارات والكويت شحنات متتالية من النفط حتى تسد الجوع إلى الطاقة.. ولكن.. تلك الهبات تسكن الأزمة ولا تحلها.. تخفف منها مؤقتا ولا تلغيها نهائيا.
لقد توقفت الشركات الأجنبية عن اكتشاف حقول جديدة للغاز والبترول بسبب عجز الحكومة عن سداد مستحقاتها التى تزيد على ثمانية مليارات دولار.. استغلت تلك الشركات المديونية الكبيرة لتزيد من الأزمة.. دون أن ننتبه إلى أنها تخضع لسلطات مخابراتية فى بلادها.. تنفذ أوامرها.. وتحقق أهدافها.. ومعظم الشركات أمريكية أو بريطانية الجنسية.. ونحن نعرف موقف الدولتين المؤيد للجماعة.. الراغب فى إعادتها إلى السلطة.
إن الولاياتالمتحدة تعانى من دوار الثورة التى انفجرت فى 30 يونيو.. وتخشى من تورط أجهزتها الخفية فى قضية التخابر المتهم فيها محمد مرسى وبعض أعوانه.. وربما لهذا السبب يمكن أن تتخلص منه اغتيالا قبل أن يفضحها تآمرا.
ويسيطر التنظيم الدولى للجماعة على بريطانيا ويحتضن قيادات هاربة منها تمهيدا لإعادتها إلى السلطة من جديد.. ويبدو أن ذلك الموقف المتعسف لا يرضى فئات متنوعة من الشعب هناك.. فكان أن تشكل حزب جديد.. يسمى «بريتاين فيرست».. «بريطانيا أولا».. انضم إليه فى يوم واحد 158 ألف عضو.. لم تتردد الجماعة فى ضرب موقعه الإلكترونى.
إن شركات البترول الأجنبية لا تعمل بعيدا عن سياسات حكوماتها.. وربما نصدق ذلك لو عرفنا أن عددا مؤثرا من المسئولين فيها ضباط مخابرات سابقون.. خدموا فى المنطقة.. ويعرفونها سياسيا قبل أن يتعاملوا معها بتروليا.
وليست مشكلة الاستثمارات الجديدة المطلوبة لتنشيط الحياة الاقتصادية فى مصر مقصورة على الأمن كما يشاع ويتردد ويتكرر.. هناك سبب أهم.. عجز الطاقة.. إن لدينا أموالاً مصرية مستعدة لفتح مصانع جديدة.. وتشغيل عمالة عاطلة.. ولكن.. نقص الوقود يوقف التنفيذ.. بل أكثر من ذلك.. تتوقف كثير من المصانع القائمة عن الحركة لحرمانها من كل ما تريد من غاز أو سولار.
منذ فترة ليست بعيدة خرج برونو كاريه العضو المنتدب لشركة السويس للأسمنت (أكبر شركة أسمنت مسجلة فى البورصة وتصل طاقتها الإنتاجية إلى 11 مليون طن) ليؤكد أن مصانعه تعانى نقصاً فى الطاقة يصل إلى ثلاثين فى المائة يزيد إلى خمسين فى المائة فى الصيف.. وأعلن الرجل أن شركته سوف تستثمر نحو مليار جنيه (حوالى 145 مليون دولار) فى التحول إلى الفحم.. نصف المبلغ لعملية تحويل الماكينات والآلات.. والنصف الآخر لتحسين الآثار البيئية.
وضع الرجل يده على حل مناسب وضرورى.. ودعمه مدحت اسطفانوس رئيس شعبة الأسمنت فى غرفة مواد البناء قائلا: «إن تسعين فى المائة من مصانع الأسمنت فى العالم تعمل بالفحم».
أكثر من ذلك قبلت المصانع المتحولة للفحم أن تطبق عليها الشروط البيئية التى يفرضها الاتحاد الأوروبى.. ولكن.. وزيرة البيئة الدكتورة ليلى إسكندر وقفت للتحول بالمرصاد.. وعندما عرض الأمر على وزير الصناعة والتجارة منير فخرى عبد النور نقله إلى رئيس الحكومة الدكتور حازم الببلاوى الذى رمى الكرة فى حجر الوزير قائلا: «هاتوا موافقتها».
وما يلفت النظر ويثير الدهشة أن الوزيرة غير مؤهلة لمنصبها.. ولا شأن لها بالبيئة.. لقد تخرجت فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وواصلت دراستها فى تطوير التعليم (خاصة تعليم الكبار) فى جامعتى بيركلى فى كاليفورنيا وكولومبيا فى نيويورك.. وعندما تزوجت من مهاجر مصرى يعيش فى لوس أنجلوس عملت فى إحدى الإدارات التعليمية هناك.. وبعد أن حصلت على شهادة فى التربية وظفت معلمة فى مدرسة ثانوية لتدرس لطلبة الثانوى مواد صناعة الحاسبات وأجهزة الكمبيوتر وتكنولجيا المعلومات فى منطقة وادى السيلكون.
وعندما عادت إلى القاهرة راحت تعلم أبناء «الزبالين» فى منطقة المقطم وساهمت فى محو أمية الفتيات.. مما أهلها للفوز بجائزة «شواب» للعمل الاجتماعى بعد أن رشحها لنيلها منتدى دافوس خلال انعقاده فى شرم الشيخ قبل سنوات.
نحن أمام خبيرة فى مجالات شديدة الأهمية لكن ليس لها علاقة بالبيئة.. ويمكن القول إنها اختيرت وزيرة للبيئة لأسباب أخرى.. منها أنها امرأة.. ويجب أن تكون فى الحكومة امرأة.. ومنها أنها قبطية.. ويجب أن يكون فى الحكومة تمثيل مناسب للأقباط.. ولو كانت قد اختيرت وزيرة للتعليم أو وزيرة للتنمية الاجتماعية لكسبنا نحن ونجحت هى.
لعدم خبرتها يصعب عليها تقبل قرار جرىء مثل التحول إلى الفحم.. بل.. أكثر من ذلك راحت تهاجمه.. وتحرض عليه.. مستغلة مخاوف الناس من التلوث المسبب لأمراض مختلفة.
وأغلب الظن أن الوزيرة لا تعرف أن دولاً مختلفة من العالم بما فيها دول منتجة للبترول والغاز الطبيعى بوفرة لم تهمل الفحم.. وتنفذ سياسة تسمى «سلة الطاقة».. فحم وغاز وبترول ومخلفات.. وتصل نسبة الفحم أحيانا إلى أربعين فى المائة كما فى إسرائيل التى أصبحت من منتجى الغاز.. وتزيد النسبة فى بريطانيا التى تنتج النفط من بحر الشمال.. فليس من العقل إهمال مورد من موارد الطاقة.. ولو كانت له آثار جانبية فلنبحث عن علاجها.. ولنطبق القواعد الصارمة التى يطبقها غيرنا.
ولعلها فرصة لدمج وزارتى البترول والكهرباء فى وزارة واحدة تعرف بوزارة الطاقة حتى نتجنب الصراع المزمن بين الوزارتين.
وتعطى الحكومة أولوية فيما تملك من طاقة لتشغيل محطات الكهرباء.. ولو على حساب تشغيل المصانع.. وهنا نتوقف عند اقتراح بإنشاء محطات كهرباء جديدة تعمل بالفحم.. ويمولها القطاع الخاص الذى يسهل محاسبته لو لم يطبق شروط البيئة.. وحسب ما أعرف هناك مستثمرون مستعدون للتنفيذ.
والأهم من الفحم.. الطاقة الشمسية.. الطاقة المتجددة.. النظيفة.. إن أهم خبير فى مجالها هو الدكتور إبراهيم سمك.. وحسب ما صرح به لمدير تحرير الفجر أحمد فايق فى الأسبوع الماضى، فإن «ثروتنا الشمسية تكفى لإنارة إفريقيا».. وأن حل أزمة الكهرباء «فى 8 كليومترات بالأقصر وأسوان لو توافرت الإرادة السياسية».. وقد بدأ الرجل معجزته فى ألمانيا بتجربة صغيرة.. استخدام الشمس فى إضاءة «لمبة».. وواصل نجاحه حتى أنار 250 بلدية ومبنى الرئاسة والبرلمان.. وسد ما تبقى من الذرائع عندما أضاف: إن هناك مصادر متاحة لتمويل مشروعات الطاقة الشمسية منها البنك الألمانى للتعمير.
إننا نملك مناجم من الشمس.. لكننا.. لا نستغلها.. وينتمى أهم خبرائها إلى بلادنا.. فإبراهيم سمك من مواليد الأقصر.. تخرج فى جامعة أسيوط.. قبل أن يهاجر إلى المانيا عام 1976.
ويمكن أن نبدأ باستخدام الشمس فى الطاقة الحرارية.. قانون عاجل يحرم استخدام سخانات الغاز والبوتاجاز والكهرباء فى البيوت والمنتجعات والمجمعات السكنية والقرى السياحية والمبانى الحكومية وغيرها.. والبديل سخانات شمسية.. سهلة.. رخيصة.. ويسهل صيانتها.. الطريق الطويل يبدأ بخطوة.
لكن.. علينا أن نحرر أنفسنا من حالة الشلل التى أصابتنا سنوات طوال.. وأكثر من ذلك علينا أن نكف عن تسويد الدنيا فى وجوهنا.
لقد خرج علينا من قبل من أصابنا باليأس من عبور القناة.. وراح يعدد المخاطر والأهوال.. مواسير نابلم تحرق.. مجرى مائى يمنع.. حصون مشيدة تقتل.. وفى النهاية وجه «تحية للرجال».. قبل أن يرى أننا فى حاجة لقنبلة نووية نصنعها قبل أن نبدأ الحرب.. دون أن ينتبه إلى حقيقة تصنع المعجزة.. أن الشعب المصرى بمخزونه الحضارى وبفضيلة الصبر التى يتمتع بها قادر على كل شىء فى الوقت الذى يتصور فيه الجميع أنه مات وشبع موتا.
نفس اليأس شعرنا به بعد حكم الإخوان الذى سمعنا أنه سيظل جاثما على صدورنا 300 سنة.. وطالبنا بالتفاهم معهم.. والتعايش تحت جناحهم.. دون أن يضع فى حساباته المادية الباردة قدرة الشعب المصرى على تحقيق المستحيل.. فلم يعش النظام الفاشى سوى سنة واحدة.. بهبة غير متوقعة خرجت فيها ملايين الملايين فى 30 يونيو.
وتتكرر نفس النغمة المؤلمة.. الظالمة.. فى لعنة إضافية للظلام.. دون أن يفكر فى إضاءة شمعة.. وهو أمر طبيعى.. فمن ينتمى للماضى كيف له أن يأخذنا إلى المستقبل؟
نعم مشاكلنا صعبة.. ومتاعبنا بالجملة.. وأحزاننا مضاعفة.. لكن.. نحن قادرون عليها.. تجاربنا السابقة تؤكد ذلك.. ولو كره المتشائمون السوداويون الذين لا يرون الوطن والشعب إلا من عيونهم ومصالحهم وذواتهم وتصوراتهم.