كل الرؤساء حاولوا التقرب مني السادات عرض عليا الوزارة ومبارك كان يريد مقابلتي باستمرار وعبد الناصر قال أني الصوت الأقرب له السيسي الأجدر بالمرحلة الراهنة وعلى حمدين الانتظار دورتين دعوة حسن نافعة للمصالحة مع الإخوان باطلة
"أنا أحب حياتي بكل مشتملاتها، في الضنك، والسعادة، الحزن، والفرح، لم أخن نفسي، لم أترك المساحة لأحد أن يجبرني على فعل شيء أنا ضده، لذلك منحني الله حياة هادئة، وأسرة جميلة من زوجة مخلصة وبنتين هن ورثي في الحياة"، بهذه الكلمات يصف الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي نفسه، فهناك في الإسماعيلية حيث مكان النقاهة الذي يمكث فيه منذ نحو 5 سنوات بعد وعكته الصحية، يقف الأبنودي يراقب عن بعد الأحداث، لم يصمت على أو يمسك العصا من المنتصف تجاه القضايا التي لا تحتمل القسمة على الأثنين، عكس رأيه في أشعاره ومقلاته وأحدايثة، وكانت الموجهة ثورة يناير بموجتيها، وما تبعها من الاستفتاء على الدستور، أبرز دليل على مواقفه التي لم تتبدل. لم تمنعه حالته الصحية من إعلان سخطه على نظام الإخوان، لم يخشى بطشهم، فالرجل الذي سجن في عهد عبد الناصر الذي أحبه ولا يزال يحبه، لم يخشى أن يلقى في غيابهم سجون الإخوان. على مدى أكثر من ساعتين في بيته بالإسماعيلية، تحدثنا معه في العديد من القضايا، إلا أن شخصية المشير عبد الفتاح السيسي، كانت مسيطرة على حديثة معنا، فالأبنودي يرى الرجل أنه امتدادا لعبد الناصر الذي عشقه، ورأى فيه أنه الرئيس الوحيد الذي وضع الفقراء في حساباته.
المشهد السياسي المرتبك تسبب في حالة من اليأس لدى الشباب..كيف ترى ذلك؟ حالة اليأس التي يشعر بها الشباب ناتجة عن قلة الخبرة بالعمل السياسي والقراءة العملية للواقع المصري، نحن لسنا في مرحلة تدعو لليأس، ولكن إذا جلس الإنسان ينتظر أن يأتيه اليأس، فهو يستحق أن يكون في هذه الحالة التي عليها بعض الشباب الآن، لأن مصر ليست موضوع إنشاء أو أغنية أو قصيدة تتعاطى معاها، مصر تاريخ مركب وشعب خاض أحوالا وجودية قدرية، لو كان ثمة شعب أخر غير الشعب المصري لكان أبيد إبادة كاملة، ولولا قدرة المصريين على الصبر وإدراكهم للأمور أن ثمة أشياء في الحياة زائلة وأخرى جوهرية باقية، ما كانوا صبروا حتى اللحظة الراهنة، نحن في وضع أفضل مما كنا عليه إبان عصر مبارك، وأفضل كثيرا مما كنا عليه فترة حكم محمد مرسي، فهذا الشعب رهيب القدرات، فعندما شعر أن ثورته تسرق منه انتفض لاستردادها، وقيد الله له رجلا مثل عبد الفتاح السيسي لديه صلاحيات وقدرات تجعله يلعب دورا تاريخيا إذا كان هو لديه في داخله هذه الوطنية، فوقف هذه الوقفة العظيمة التي شهدها العالم بأثره، والذي على إثرها انقلب العالم إلى أعداء وأصدقاء. نعم البلد جائع وفقير ونحن مدمرون اقتصاديا، لكننا نحن الذين خرجنا من نكسة 1967، وهي نكسة كان يعتقد الجميع انه لا خروج منها على الإطلاق، ولكننا خرجنا منها، وبالتالي سنخرج من كبوتنا الحالية سالمين.
كيف ترى الدعوات التي يطرحها بعض الساسة للمصالحة مع جماعة الإخوان؟ أنا قرأت ما طرحة الدكتور حسن نافعة فيما يخص التصالح مع جماعة الإخوان، وهذا الرجل كان دائما صائب النظرة وسديد الرأي، ونعتبره من القوى الوطنية المتقدمة، وأعتقد أن في دعوته هذه كسل فكري جديد عليه، لأن القضية ليست أن من صبغ يده بالدماء نحن ضده، لأن الجميع مذهبم الأساسي هو صبغ اليد بالدم، وأعتقد أن هذه الجماعات التي تربت على فكر واحد لن تستطيع أن تخرج منه، وأعتقد أن هذه الدعوة باطلة، وأن رفعها الأن ليس له محل من الإعراب.
وكيف ترى مستقبل الجماعة في حالة عدم التصالح؟ هذه معركة بيننا وبين الإرهاب، مثل التي خاضتها الدولة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وانتصرت فيها الدولة، وسوف تنتصر في معركتها الحالية، على كل المؤامرات الداخلية والخارجية، لأن الخارج هو الذي يمول إرهاب الداخل، فالقضية ليست مجرد التصالح مع قيادات الإخوان، فالقضية كبيرة وعالمية، بداية من سد النهضة وحتى زعقات رجب طيب أردوغان، وأموال قطر والمكينة الأمريكية الأوروبية التي تعمل ضد مصر ليل نهار.
شهدت الفترة التي لحقت تحني مبارك حالة من الانقسام داخل القوى السياسية..والآن يتكرر نفس المشهد داخل الأحزاب وعلى رأسهم جبهة الإنقاذ وحركة التمرد..كيف ترى هذه الظاهرة؟ هذه الظاهرة قديمة قدم اليسار المصري، وهي ظاهرة يسارية بالأساس، تصنع أحزابا صغيرة، ثم تتفكك إلى شظايا، ومنذ أن بدأت الحركة اليسارية في مصر، أصبح كل مواطن زعيم، نجيد الألعاب الفردية فقط ونفشل في الجماعية، لا نعلم كيف نتحد داخل جبهة موحدة، وهذا يمثل الخطر الأكبر الذي يواجهنا. فهذه التنظيمات التي ظهرت عقب ثورة 25 يناير بتسرع وتعجل وخدمتها ظروف الثورة، قامت على أشخاص لديهم خبرة سياسية ضئيلة، ودشنت على المقاهي وفي الغرف المغلقة بعيدا عن الجماهير التي نعرفها، وهذه الظاهرة تنبأت بها في قصيدة كتبتها منذ نحو 40 عاما بعنوان "الدايرة المقطوعة" والتي قلت فيها " إذا مش نازلين للناس.. ف بلاش ..والزم بيتك.. بيتك بيتك ..وابلع صوتك.. وافتكر اليوم ده.. لإنه تاريخ موتى وموتك". هذه النخبة في عالمها والشعب المصري في حركته ونموه وضعفه في جهة أخرى، لأنه لا تواجد جماهير في هذه الأحزاب، فقط توجد معارف وأصدقاء، تتصيد من يأتون من الريف يبحثون عن دور حقيقي، وهمنهم من يعتقد أن الوطنية فقط في الكلام والتشاجر، الأمر الذي أصاب العديد منهم بالتضخم الذاتي، وبعض الشباب قالوا عني تارة شاعر الثورة وتارة أخرى أتهموني بأني تابع للسلطة، وفي كل الأحوال فأنا أرى أن السياسة أعمق من ذلك، فالسجن علمني اللا أنظر كثيرا إلى هؤلاء، لكن الأزمة أنني أحبهم وأعتبرهم أبنائي، وأكره أن أراهم في هذه الصورة التي تعكس تشرذمهم.
وكيف ترى المشهد الآن؟ الآن نحن في مأزق، الأعداء معروفين ومحددين، والقوى القديمة تحاول التسلل والعودة من جديد، والاتجاهات الدينية كشفت عن وجهها وبدأت تمارس علنا معركتها مع الدولة والشعب، وإخوانك متفرقين ويتنازعون ملكا وهميا ليس موجودا، إذن الدولة في حاجة إلى شخص قادر على لم شمل هذا البلد وتحويله إلى قوى عظيمة مرة أخرى، ونحن نرى في السيسى بوقفته التاريخية، التي كان من الممكن أن يفقد فيها كل شيء وليس حياته فقط، ولولاها كان ممكن أن تنتكس مصر، لكن شجاعته حالت دون ذلك، نحن نحتاج إلى هذا النوع من القوى الآن لجمع شتات مصر المتفرقة بين العواجيز الذين هاجمناهم في بداية الثورة، وبين المراهقين الذين أكتشفنا أنهم خطيرين أيضا.
كيف ترى إعلان حمدين صباحي ترشحه للرئاسة في ظل توافق القوى السياسية على ترشيح المشير عبد الفتاح السيسي؟ أولا نحن نشكر حمدين ونمتن له، لأنه سوف يجعل معركة الانتخابات الرئاسة، معركة حقيقة تستحق الحوار والعمل، وتستحق أن نتعامل معها بجدية، وحمدين صديق قريب جدا لي، وصديق لكل الشرفاء، ولكن هناك أناس في مجاهل مصر خاصة الصعيد لا يعرف حمدين الطريق اليهم ولا يعرفون إلا السيسي، تماما مثل ما حدث في أيام جمال عبد الناصر، لم يكن أحدا يعرفهم من مجلس قيادة الثورة سوى جمال عبد الناصر، الذي كان يمثل لهم الحلم، لأنه بمجرد استلامه السلطة صنع المعروف بتوزيعه الأراضي على الفقراء الفلاحين، فآمن به الشعب المصري، وهو كان متجوزا لكل أعضاء مجلس قيادة الثورة تقريبا، نفس الأمر يتكرر الآن، السيسى وقف مع الشعب وأنقذه من الإخوان، وجذب مصر من أنياب الذئب الكبير وأعادها للحياة مرة أخرى، ولن تنسى الجماهير أن تكافيء السيسى وسوف تعطيه الفرصة للخروج بمصر من مأزقها، الذي لا نستطيع بتربيتنا السياسية النظرية وعدم عملنا في صلب إدارة الدولة أن نخرج بها من محنتها، لأن كل علاقاتنا بالسياسية كلام، ولم نرى أحدا بما فيهم حمدين خبيرا بإدارة دولة. سوف يقولون هل كان عبد الناصر يدير دولة، أقول لهم أنه كان يدير تنظيم وكان عسكريا في الجيش وحارب الإسرائليين ولديه مواقف وخبرة، أما السيسي، فبمجموعة جيدة من المحبين لمصر والعلماء يستطيع أن يعبر بشجاعته التي رأينها عليه، وحمدين شجاع جدا أيضا منذ ان كان طالب وله مواقف وطنية جيدا، لكن أرى أنه من الممكن أن ينتظر بعد فترة السيسى الأولى أو الثانية.
تدافع عن جمال عبد الناصر رغم أنك سجنت في عهده؟ القضية ليس ذاتية، أنا سجنت في عهد عبد الناصر، ولكن مصر أسمى مني، الآن بعد أن مررنا بحاكم جاءوا بعده، أدركنا أننا بالفعل كان لدينا زعيما رجلا شريفا مات ولم يسرق قرشا ولم يعبث بمصر وقوتها، ولم يهن لحظة فى ان يجعل من مصر كيانا شامخا محترما في العالم كله، ذلك الكيان الذي أسقط شيء فشيء حتى وصلنا إلى هذه الحالة المزرية، أن أثيوبيا الآن الان نقع تحت رحمتها، خشية أن تجفف نهر النيل ونحن غير قادرين حتى على مواجهتها بأي شكل، أنا لم أرى مصر بذلك الضعف منذ ايام الملك وعبد الناصر والسادات، لكن فيما بعد منذ الانفتاح الاقتصادي وبدأ التدهور إلى ما وصلنا اليه الآن، نحن في حاجة لمن يوقظه هذه الأمة العظيمة.
لكن الظروف الآن تغيرت عن ما كان عليه عهد عبد الناصر؟ السيسى أبن المؤسسة الوحيدة القائمة على قدمها في مصر،مؤسسة الجيش التى تخرج منها عبد الناصر والسادات، كان لدينا دائما قوتان منظمتان قويتان هما الجيش والإخوان المسلمين، نحن الآن لولا الجيش لكان قد اكلنا الارهاب الذي رأيناها فى سيناء الذي يقتلنا ليلا نهار، وتمتد أيديهم احيانا إلى قلب العاصمة والمدن المصرية باغتيالات وقتل ونسف، ونحن مدينون بذلك إلى الجيش المصري، إلى جانب أن الفترة المقبلة لن يكفى الارهاب عن العمل ولا استطيع انا او حمدين ان نقلتاهم.
هل هذا يعني أن مصر تحتاج إلى شخصية عسكرية تديرها في المرحلة الراهنة؟ عسكري كلمة ليست جميلة، إنما الجميل أن الرجل السيسى ابن المؤسسة العسكرية قدم السبت ليجد الأحد أمامه، اخذ الموقف الشجاع كما فعل عبد الناصر فى المنشية حينما وقف اطلق الاخوان عليه الرصاص لم يجرى وقال للناس كلكم عبد الناصر، فعلينا الا نتشدق بالكلمات ولا نجامل بعض على حساب الوطن، وكما قلت حمدين صديقى وآخى وعندما يكون رئيس جمهورية، فأنا صديقي هو من تولى هذا المنصب، والسيسى لا أعرفه، ولكن علمتني الأيام أن المسألة ليست ذاتية، فكما قلت لك عبد الناصر سجنني ولكنه حرر مصر، أنا لا أحب العمى السياسي، وكثيرا مما يحدث في مصر في صفوف الشباب عمى سياسي، كان شعاري منذ 25 يناير، الشباب.
كيف ترى المطاردات الأمنية التي يتعرض لها النشطاء؟ أنا ضد تمام ما حدث لشباب 6 ابريل الشباب الذي سجن بدعوى مخالفة قانون التظاهر، كيف ذلك، ونحن عندما خرجنا في 30 يونيو وما بعدها لم نأخذ أذن، وهم جزء أساسي في التظاهره وإن كانوا برأي أخر، ولابد أن يفرج عنهم حتى ولو كان القضاة اصدور قرار بحقهم، فهم شباب وطنيون حتى يثبت عكس ذلك.
أيهما نحتاجه أكثر الآن الحرية أم الشعور بالآمان؟ نحن في حرية الآن، نقول ما نحب وسلوكيات شرطي أو ضابط تنتهك هذه الحرية فهي مجرد سلوكيات خائبة، ولا تؤثر في أننا بالفعل نعيش في عصر الحرية، أنا استطيع أن أنادي بهدم النظام الآن وأهاجم السيسى في عقره داره ولا يستطيع أحدا أن يمنعني، وهذا لم يكن موجودا في عصر مبارك أو السادات. أما عدم الآمان فسببه هم الجماعات الإرهابية والبلطجية، نحن ينقصنا أولا لقمة الخبز ثم الأمن والثقة، لكي ننتظم جميعا، وتكتمل هذه العناصر، اذن نحن تنقصنا البداية لكي تكتمل هذه المقطوعيات يبنى الوطن.
هل تلوم على الدكتور محمد البرادعي بعد موقفه الأخير بالإبتعاد عن المعركة؟ اللوم للأصدقاء، حتى الحكومة التي جرحها، هي التي وضعت حاجز بييننا وبين الجماعة الإرهابية خلال الفترة الماضية.
علاقاتك مع بعض الرؤساء كانت ملتبسة إلى حد كبير..ما السبب في ذلك؟ كل الرؤساء طلبوا ودي، أنا مناضل لكني محبوب من كل الأطراف، لأن ليس لي يد ثالثة، ولا تستطيع أي مؤسسة أو أي جهاز أن يثبت علاقة مشبوهة لي في أي جهة، وبالتالي يتعاملوا معي باحترام، فمثلا حسني مبارك طلب أن يراني أكثر من مرة، وذهبت له، إضافة إلى أنه كان دائم السؤال علي أثناء مرضي، وهذه العلاقة كانت سبب أن يشيع البعض علي أني مقرب للنظام، كذلك الرئيس السادات كان يريد أن يعيني وزيرا للتثقيف الشعبي، فاضطررت أن أنضم إلى حزب التجمع لأثبت له أني لن أكون معه، وظل السادات ينشر في الجرائد أنه قابلني عدة مرات، رغم أني لم أقابله سوى مرة واحدة، لكنه كان يسعى لتأليب الرأي العام ضدي.
أما جمال عبد الناصر فقال لمعاونيه بعد جنازة الشهيد عبد المنعم رياض وكان على رأسهم شعراوي جمعة، عبد الرحمن الأبنودي الصوت الأقرب لقلبي بعد النكسة أعتنو به، ورفضوا أن يخبروه أني خرجت من المعتقل لتوي منذ شهرين فقط، وكنت وقتها قد القيت قصيدة عن الشهيد، أما مرسي فلم يحاول أن يتواصل معي لأنه كان يعلم موقفي جيدا واذا حاول ذلك لكنت فضحته.