أعرب محللون وخبراء صينيون عن تفائلهم بشأن مستقبل العلاقات التجارية الصينية مع الدول العربية خلال المرحلة المقبلة، خاصة بعدما استيقظ العالم على إعلان هيئة الجمارك العامة الصينية أن حجم التبادلات التجارية الخارجية للصين في عام 2013 حلق عاليا وبلغ للمرة الأولى أربعة آلاف مليار دولار أمريكي، لتنال الدولة الأكثر تعدادا للسكان على وجه الأرض لقب أكبر قوة تجارية في العالم. ووسط اهتمام دولي كبير ممتزج بالإعجاب والغبطة بعدما أزاحت الصين، ولأول مرة، الولاياتالمتحدة عن المرتبة الأولي في مجال المبادلات التجارية للسلع، اجمع خبراء اقتصاديون صينيون على أن الصين الأولى تجاريا في العالم ستقدم المزيد من الإسهامات للتعاون الاقتصادي الشامل والتبادلات التجارية المتزايدة والمكثفة بينها وبين الدول العربية.
وإضافوا أنه لا شك أنه بفضل جهود الطرفين، آتى التعاون التجاري بين الصين والبلدان العربية ثماره في السنوات الأخيرة وحققت العلاقات التجارية الثنائية نقلة نوعية مع وجود العديد من الفرص الواعدة لمواصلة تعزيز التعاون الاستثماري والاقتصادي المشترك، حيث أظهرت البيانات الرسمية أن حجم التبادلات التجارية بين الجانبين قفز من 145.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 222.4 مليار دولار في عام 2012، وتجاوز متوسط معدل نموه 20 في المائة سنويا خلال الفترة ما بين 2010 و2012، لتغدو الصين بذلك ثاني شريك تجاري للدول العربية.
وأشار الخبراء إلى أن ذلك يتزامن مع تزايد وتيرة التجارة الخارجية للصين، حيث تجاوزت الصين جارتها الغنية اليابان من حيث حجم الواردات والصادرات عام 2004 لتحتل المرتبة الثالثة بين أكبر الدول التجارية في العالم، ثم تجاوزت ألمانيا عام 2009 لتصبح أكبر الدول من حيث حجم الصادرات.
وفي هذا السياق أشار يانغ قوانغ، مدير معهد دراسات غرب آسيا وشمال أفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إلى أن نمو التبادلات التجارية بين الصين والعالم العربي يسهم بنصيب كبير في نمو التجارة الخارجية الصينية ويعكس محطات رئيسية في مسيرة نمو التجارة الخارجية الصينية.
وأوضح يانغ أنه عندما نتحدث عن التجارة الصينية، يمكن القول أن الصين تعتمد من ناحية على استيراد مواد خام مثل النفط وغيرها من مصادر الطاقة، ومن ناحية أخرى على صادرات المنتجات الصناعية .. مضيفا أن ذلك يعكس الوضع الحقيقي للتجارة الصينية مع العالم العربي، حيث يحتاج العالم العربي للمنتجات الصناعية الصينية فيما تحتاج الصين لمصادر الطاقة العربية. وبعبارة آخرى، تتزامن وتيرة نمو التجارة الصينية العربية مع نمو التجارة الخارجية الصينية.
وأضاف أنه بالرغم من أن الولاياتالمتحدة لم تصدر إحصاءاتها النهائية حتى الآن، إلا أنها أعلنت في وقت سابق أن حجم الواردات والصادرات في الصين خلا ل ال10 أشهر الأولى من العام المنصرم زاد عن حجمهما في الولاياتالمتحدة بواقع 192 مليار دولار وأن نسبة زيادتهما في الصين كانت أكبر أيضا من نظيرتها في الولاياتالمتحدة.
وتشير التقديرات الصينية إلى أنه "استنتاجا من الأرقام الصادرة عن الولاياتالمتحدة، فمن شبه المؤكد أن الصين ستتجاوز الأخيرة لتصبح أكبر دول العالم في مجال التبادلات التجارية للسلع (باستثناء الخدمات)"، فيما أعرب يانغ يو، المحلل الاقتصادي الشهير في اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح بالصين، عن اعتقاده بأنه في مجال التجارة العالمية، تود الدول دائما التعامل مع الدول التجارية الكبرى حيث تحدوها ثقة كبيرة في ائتمان هذه الدول وقدراتها.
وبعد أن أصبحت الصين أكبر دولة تجارية في العالم، وجد الخبراء الصينيون أنه من الطبيعي أن يفضل العالم العربي التعاون مع الصين، إذ ترى الدول العربية أنه في ظل الأزمة المالية العالمية، باتت الصين أكثر أمانا في قطاع التبادلات التجارية، ولهذا السبب أكد الخبير الاقتصادي الصيني أن ارتفاع مكانة الصين التجارية بشكل عام من شأنه أن يدفع عجلة تنمية التجارة بين الصين والدول العربية للأمام .
واتفق يانغ قوانغ مع هذا الرأي قائلا إن "هذا التقدم الكبير الذي أحرزته الصين سيعطى بكل التأكيد زخما قويا لتنمية التبادلات التجارية بين الصين والدول العربية"، إذ أن الترابط التجاري بين الصين والعالم العربي جد وثيق، والتكامل التجاري بين الطرفين بالغ القوة، مضيفا أن الطلب الصيني على مصادر الطاقة في الشرق الأوسط يزداد عاما بعد عام، ومن ثم ترغب الصين في تعزيز تعاونها مع الدول العربية، فيما من المؤكد أن العالم العربي يأمل أيضا في جذب المزيد من الاستثمارات الصينية في قطاعات مثل الصناعة والإنتاج لتنمية اقتصاده.
وحول كيفية تعزيز هذا التعاون بين الجانبين، اقترح يانغ ضرورة أن تركز الصين جاهدة على مجالين، أولهما اكتشاف النفط والغاز الطبيعي والتنقيب عنهما، وثانيهما المقاولات الإنشائية .. موضحا أن الطلب العربي في هذين المجالين يتزايد إلحاحا، حيث أن العالم العربي غني بموارد النفط والغاز وتحتاج العديد من دوله وفي مقدمتها مصر إلى المزيد من المال والتكنولوجيا للاستفادة من هذه الموارد، لافتا إلى أنه مع كون البنية التحتية في الدول العربية في طور التطوير والنمو، فإنها تتطلع بشدة أيضا إلى جذب مقاولين مؤهلين للارتقاء بمستوى هذه البني التحتية.
وعن توقعات الإعلام الغربي أن تحل الصين محل الولاياتالمتحدة في المسرح السياسي الدولي، لأن التجارة هي الكلمة العليا في العالم اليوم. أعرب الخبراء الصينيين عن اعتقادهم أن ذلك غير صحيح وانهم لا يتفقون تماما مع هذه التوقعات، وقال يانغ قوانغ أن صوت الصين في القضايا الدولية لا يمكن أن يكبر تلقائيا مع نمو التجارة، إذ أن تحقيق ذلك يستلزم جهودا مكثفة من الصين لتعزيز دورها على المسرح الدولي، لتعبر بصورة أقوى عن موقفها وفكرها اللذين سيحصدان مزيدا من الدعم مع مرور الزمان.
وأضاف "لا بد للصين، تماشيا مع ارتقاء مكانتها التجارية في العالم، من تعزيز مشاركتها ووجودها في القضايا الدولية، ومنها قضايا الشرق الأوسط، لتعظم صوتها في هذه القضايا .. مضيفا إنه إذا ما شاركت الصين على نحو أكثر إيجابية في القضايا الدولية، ولا سيما قضايا منطقة الشرق الأوسط، التي يعيش فيها عدد كبير من الدول العربية حالة من التوترات لأسباب مختلفة، فمن المرجح أن يصبح التأثير السياسي الصيني أقوى فأقوى، ارتكازا على تنميتها التجارية الصلبة.
ويقول يانغ يو إنه حتى على الصعيد الاقتصادي، فمازالت الولاياتالمتحدة بمقدورها تحديد نظام جديد للعبة التجارة العالمية، معربا عن اعتقاده أن تنمية التجارة الصينية- العربية تكمن في نقطتين: أولهما، أن يسهم تعزيز الطلب الصيني على الطاقة، التي يشكل أكبر أوجه التبادلات التجارية بين الصين والعالم العربي، في دفع التبادلات التجارية بين الطرفين. ثانيهما، أن يعمل عدد كبير من الدول العربية على تحويل نمط التنمية الاقتصادية بغية تقليل الاعتماد على صادرات النفط وإيجاد نقطة جديدة للتنمية الاقتصادية مثل تطوير مجال الخدمات. ومن خلال هذه العملية، يتم خلق فرص جديدة في مجالات أخرى غير الطاقة، ما يجعل هيكل التبادلات بين الصين والدول العربية يشهد وضعا أكثر حيوية وثراء.
ومن جانبه أشار يانغ قوانغ إلى ضرورة أن تركز الشركات الصينية من ناحية على تطوير حجم تجارتها وجودة منتجاتها لكي تحظى بقبول أكبر في الدول العربية التي تستوردها، وتفتح من ناحية أخرى السوق وتوسع نطاق منتجاتها الصناعية.