بادئ ذى بدء أود أن أقرر بأن اعتراضى على المادة 204من مشروع الدستور لن يحول بينى وبين أن أشارك فى الاستفتاء عليه، ولن يحول بينى وبين أن أقول له وأنا مستريح الضمير: «نعم».. غير أن قولى»نعم»لمشروع الدستور فى مجمله لن يحول بينى وبين أن أسعى مستقبلا إلى تعديل المادة 204، وأن أسعى كذلك إلى تعديل أخواتها من المواد التى أتحفظ عليها فى المرحلة الراهنة، وأن أشترط على من سأعطيه صوتى لكى يمثلنى فى مجلس النواب القادم، . . أشترط عليه أن يكون السعى إلى تعديل هذه المادة وأخواتها فى أقرب فرصة ممكنة جزءا أساسا من برنامجه الانتخابى، والواقع أن هذه المادة التى تجيز تقديم المدنيين فى حالات معينة للمحاكمة العسكرية قد أثارت ومازالت تثير إلى الآن قدرا كبيرا من الجدل، حيث انقسمت الآراء بشأنها إلى مؤيدين لها بصيغتها الحالية (ومن بينهم للأسف الأغلبية الغالبة فى لجنة الخمسين)، وإلى معارضين لهذه الصيغة التى تنص من بين ما تنص عليه على أن: «القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن فى حكمهم، ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى، إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشراً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أوأموالها العامة أوالمصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم، ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكرى الأخرى. والواقع أننا إذا نظرنا إلى الحجة التى يبنى عليها المؤيدون تأييدهم للمادة 204 لوجدنا أنها لا تخرج عن قولهم بأن هذه المادة تمثل نقلة إلى الأمام إذا ما قورنت بنص المادة 198فى دستور 2012 والتى كانت تنص على أن: « القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها. ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة؛ ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكرى الأخرى». وطبقا لهذا النص فإن المادة 198 كانت تطلق يد المشرع العادى فى أن يجيز محاكمة المواطن العادى عسكريا إذا ما ارتكب أى فعل يضر بالقوات المسلحة وهو ما يعنى فى رأى الدكتور جابر نصار أحد أبرز المدافعين عن المادة 204فى صيغتها الحالية (طبقا لما نشرته صحيفة المصرى اليوم بتاريخ 10/12/2013)، ما يعنى فى رأى سيادته أنه بمقتضى المادة 198 فإنه «إذا كسر مواطن كوبا فى نادى للقوات المسلحة يمكن محاكمته عسكرياً»، أما النص الحالى للمادة 204، فقد ضيق فى رأى سيادته هذه الإمكانية، وحصرها فى الجرائم التى تمثل اعتداء مباشرا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها، ومن ثم يخطىء فى رأيه من يقول بإمكان تقديم مواطن مدنى إلى المحاكمة العسكرية طبقا للمادة المذكورة إذا ما تشاجر مع عامل محطة بنزين: «وطنية» لأن سائر المنشآت الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة مملوكة لها ملكية خاصة، ولا تعتبر أموالا عامة ولا ينطبق عليها من ثم نص المادة 204 فيما يرى سيادته !!، والواقع أن ما يقوله الدكتور جابر نصار بهذا الخصوص وما يقوله سائر المؤيدين للمادة 204 هو قول غير سديد لأن المواطن الذى قد يتشاجر مع عامل محطة بنزين «وطنية» إذا ما قدر له أن يحال إلى المحاكمة العسكرية فإنه لن يحال إليها متهما بأنه قد اعتدى على منشأة عسكرية أو على أموال عامة تابعة لها، لكنه سوف يحال بتهمة اعتدائه على أحد العاملين بها بسبب خدمته، خاصة أن المادة 204قد تكلمت عن الجرائم التى تقع عليهم بسبب تأديتهم لأعمال وظيفتهم على إطلاقها أيا ما كانت طبيعتها ولم تتكلم عن أعمال وظائفهم العسكرية بالذات، ومن ثم تعد الأعمال الخدمية والتجارية التى يؤديها العاملون فى المنشآت الاقتصادية المملوكة للقوات المسلحة جزءا من أعمال وظيفتهم وبالتالى فإن ما يقع عليهم من أفعال هو بسبب أدائهم لوظيفتهم طبقا لنص المادة المذكورة فى صيغتها الحالية!، وهو ما يجعلنا نطالب ونلح فى المطالبة بضرورة تعديل المادة سالفة الذكر فى أول فرصة ممكنة. علما بأن الحد الأدنى للتعديل المطلوب يتمثل فى إضافة كلمة واحدة هى كلمة «العسكرية» التى ينبغى أن تضاف إلى «أعمال وظائفهم» أما الحد الأقصى للتعديل فيتمثل فى عبارة «ولا يجوز بحال من الأحوال محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى» دون أية إضافات. وهو ما نتمنى أن نصل إليه يوما ما.