يومياتي كمتظاهر بدأت منذ حوالي ربع قرن ولم تكن تظاهرة بالمعني الصحيح بل كانت ندوة في مقر الحزب الناصري بطلعت حرب تضامنا مع ما فعلته منظمة ثورة مصر بقيادة ضابط المخابرات السابق محمود نور الدين التي كانت قد بدأت عملياتها عام 1984 باغتيال احد أعضاء السفارة الإسرائيلية بالقاهرة ، وقد نظمت هذه الندوة تقريبا في 1987 تأييدا لمحمود نور الدين وأصحابه الذين قبض عليهم في هذا الوقت ، وقد هتفنا في مقر الحزب ضد الوجود الاسرائيلي بالقاهرة وقمنا بإخراج العلم الاسرائيلي من شباك المقر وحرقه وهنا تدخل الأمن المركزي الذي كان يحاصر المقر وقذفنا بالقنابل المسيلة للدموع . ثم بعدها بعامين تقريبا قام الأمن المركزي أيضاً يقذفنا بالقنابل المسيلة للدموع عندما حاولنا الخروج من مقر حزب التجمع بكريم الدولة تأييدا للانتفاضة الفلسطينية . ثم بعدها بأكثر من خمسة عشر عاما عندما شاركت في مظاهرة حركة كفاية بميدان مجمع المحاكم بالمنيا وكنا بضع عشرات في حضور مئات الجنود من قوات الأمن المركزي ولم يتعامل معنا الامن باي خشونة بل نبه علينا بإنهاء التظاهرة بعد وقفتنا الاحتجاجية ضد نظام مبارك . هذا عن مصر حيث لم نكن نعرف ماهية قانون التظاهر ولم نفكر فيه ولكنني بدأت أدرك معني وجود قانون للتظاهر ووجود قوات شرطة تحميني كمتظاهر وتحمي المجتمع ولا تعطل شئون الناس ، أدركت كل هذا عندما قدمت الي فرنسا في تسعينات القرن الماضي وبدأت طريق التظاهرات من أوله كمتظاهر يحمل شمعة بسيطة في ساحة تريكاديرو احتجاجا علي مذبحة الكشح ، ثم انتقلت من مجرد مشارك بسيط الي موزع للمنشورات ثم كاتب لها واخيرا الى المشاركة فى تنظيم هذه المظاهرات ، ومع االوقت تغيرت نظرتنا وخرجنا من الحيز الضيق بدفاعنا فقط عن حقوق الاقباط الي الحيز الأرحب وهو تبني كل القضايا المصرية وتطورت مطالبنا من محاكمة المعتدين علي الاقباط وإقالة حبيب العادلي ومن مطالبة مبارك بالتدخل لأنصاف الاقباط الي المطالبة بإسقاط النظام ككل ، وبعد ان كانت تظاهراتنا يغلب عليها المشاركة القبطية أصبحت تشمل جميع المصريين . نظمنا وشاركنا في عشرات التظاهرات وكانت كل الأمور تسير بيسر وسهولة حتي عندما نظمنا مظاهرة ضخمة ضمت اكثر من خمسة عشر ألفا واخترقت الشوارع الباريسية احتجاجا علي ما حدث لدير ابو فانا ، فقد كانت الشرطة تحمينا وتغلق بعض الشوارع أو أجزاء من الشوارع لتيسير مرورنا بها ولعدم تعطيل حركة السيارات في نفس الوقت . ومن واقع معاش هنا بباريس فان اي تظاهرة كنا تنظمها لابد ان تتوفر لها شروط عدة لنتمكن من الحصول علي التصريح ومن هذه الشروط : اولا ضرورة إبلاغ الشرطة قبلها بأسبوعين علي أقصي تقدير او ثلاثة ايام علي اقل تقدير . ثانيا لابد من تسجيل اسماء المنظمين ومعرفة الهدف من المظاهرة وتوقعاتنا بعدد من سيشارك بها . ثالثا لابد من تحديد مكان التظاهرة مع حقهم في رفض المكان المقترح واقتراحهم لأماكن بديلة حيث ان هناك أماكن كثيرة محظور فيها التظاهرات . رابعا لابد من تحديد ماذا سنحمل بالضبط هل ستكون هناك طبول أو يافطات او ميكروفونات او صافرات ؟. خامسا لابد من تحديد مواعيد بدء التظاهرة ومواعيد انتهاءها وكانت كل وقفاتنا تنتهى تقريبا الساعة السادسة مساء . و طبعا هناك متابعة منهم وهناك قوات تحيط بالتظاهرة ولا يمكننا التعامل مع الشرطة الا بكل احترام فهناك عقوبات صارمة لكل من يتعدى على الشرطة حتى بالقول.كما توجد ايضا غرامات ضخمه فى حالة المخالفات الاخرى وأيضا لهم الحق فى عدم اعطاء اى تصريحات اخرى للمخالفين فيما بعد ، ولو كان هناك استعمال للعنف فانه من حق الشرطة التدخل بكافة الوسائل بما فيها استعمال السلاح . لم نكن عندما تظاهرنا في مصر نهتم بوجود قانون للتظاهر لان قوانين الطوارئ في عهد مبارك كانت تمنع تجمهر اكثر من عشرة أفراد معا ، ولكننا أدركنا عندما قدمنا الي فرنسا أهمية هذا القانون الذي لا يحرمنا من حقنا في التظاهر أبدا ولكنه ينظمه بحيث يحمي المتظاهرين ويحمي المجتمع ومنشآته العامة والخاصة ولا يعطل مصالح الناس . لذا فإنني استغربت أيما استغراب عندما وجدت حجم الاستهجان والرفض لقانون التظاهر الجديد الذي أقرته حكومة الببلاوي ببلدي الحبيب مصر ، وزاد استغرابي عندما لاحظت ان الرفض الأكبر لم يأتي أساسا من جماعة الاخوان ومن ولاها ولكنه للأسف أتي من قوي ثورية ومدنية وجمعيات حقوق إنسان تتشدق طوال الوقت بالدفاع عن حقوق المواطن . فهذه القوي كان يحب عليها مع الاهتمام بحقوق المتظاهرين ان تهتم أيضاً بحق المواطن العادي بحيث يستطيع ان يمارس حياته ويذهب الي عمله بدون ازعاج ولا خوف ولا تعطيل . كما استغربت من موقف أمين عام الاممالمتحدة بان كي مون وموقف بعض الدول الأخري كالولايات المتحدةالامريكية التي يوجد بها قانون للتظاهر بعض بنوده أشد قسوة من القانون المصري . ياسادة رحمه بمصر وبشعبها الذي عاني من كل صور الفوضي علي مدي الثلاث سنوات السابقة وآن له ان تستقر أموره بعض الشئ . ياسادة قد نتفهم انه قد يكون هناك خطا في توقيت إصدار القانون وقد نتفهم أيضاً ان هناك بعض البنود التى تحتاج الي التعديل ولكن ما لا نتفهمه ولا نستوعبه هو مطالبة البعض بإلغاء القانون كليا وان نستمر في هذه الفوضى .