■ أرقى تكريم له منصب رئيس الدولة وليس رئيس الجمهورية وأفضل مكان لاستمرار خدمة مصر هو رئاسة الجيش
■ فى ظل دستور شبه رئاسى فإن صلاحيات الرئيس أقل من سلطات وزير الدفاع
فى نفس الأسبوع الذى «غار» فيه مرسى انقطع التيار الكهربائى فى إحدى المناطق، وتأخرت عودته حوالى ساعة فصاح رب الأسرة «ربنا يخليك ياسيسى» ريحت الثلاجة شوية، سمعت هذه النكتة كثيرا، ولكننى اكتشفت فيما بعد أنها ليست نكتة، وأنها قصة واقعية، تضاف إلى عشرات أو ربما مئات الشواهد والأدلة على حب المصريين للفريق السيسى.تحولت أغنية «تسلم الايادى» إلى أغنية الأفراح الآن، ورنات موبيلات المصريين، وصورة أعادت منذ سنوات بعيدة عادة انقرضت، عندما كان المصريون يزينون صالون البيت بصورة الزعيم جمال عبدالناصر الآن بدلة الضابط هى المطلب المحلى لآلاف الأطفال «بنات وصبيان». وحلم الالتحاق بالكليات العسكرية تصدر اختيارات وأحلام الشباب، لا لسبب بعض المزايا التى يحصل عليها الضباط، ولكن لشرف الالتحاق بالجيش المصرى الوطنى.
أدرك أن سنوات التعطش لزعيم وطنى قد طالت، زعيم يقف أمام الفرعون الأمريكى، ولا يستأذن أحدا فى قرار يخص مصر، «إحنا ناس شرفاء وأنا لم أستأذن أحدا» زعيم يشعر المصريين بكرامتهم، ويعرف قدر مصر «مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا»، زعيم لم يصبه الشيب، ولا تهزمه الشيخوخة ولا انكسارات الزمن، وأدرك أيضا أن الملايين من المصريين ترغب وتتمنى وتحلم بأن يسير معها السيسى بقية الطريق رئيسا تفخر به، وتطمئن على مصر وعلى نفسها معه، أدرك أن الكثير من مشاعر الحب والرغبة فى تولى السيسى الرئاسة حقيقية وعميقة، وخالية من النفاق.وأن السيسى سيهزم أى منافس رئاسى آخر بالضربة القاضية.فمنافسة الرجل صعبة، بل وقد تبدو للبعض مستحيلة، ولكننا كالمعتاد ندفع بالرجل لإشباع رغبة قوية فى رئيس زعيم مهيمن، دون أن نربط ذلك بما ثرنا فى أجله المرة تلو الأخرى.وما طلبناه من دستور بعد كل من ثورتى 25 يناير و30 يونيو.فى المرتين رفضنا الرئيس الفرعون، وبالطبع ندفع السيسى ونطالبه بالترشح للرئاسة دون أن نتوقف كثيرا عند رغبته أو إرادته الشخصية.وقد وصل الأمر إلى حد «بالذوق أو العافية» هيترشح السيسى، فيما انطلقت حملة «كمل جميلك» لجمع توقيعات مليونية، تصل ل30 مليون توقيع ليكمل الرجل جميله فى الشعب المصرى، وذلك باعتبار أن أول جميل مساندة السيسى للشعب المصرى فى ثورته الثانية.
رد الجميل
بافتراض حسن النوايا، فإن أصحاب حملة «كمل جميلك» لم يخطر فى بالهم أن منصب الرئيس لا يجب أن يكون من باب التفضل، أو الجميل للشعب، فالرئيس منصب له صلاحيات وتبعات، والعلاقة بيننا وبين الرئيس، أى رئيس، ليست علاقة عشم ولا جمايل.ونحن لم نخض ثورتين شعبيتين خلال ثلاث سنوات لنعود للوراء، نحن نريد رئيسا بصلاحيات محددة ومحدودة فى آن واحد، رئيس مقيد بسلطات دستورية، وبرلمانية وشعبية.
ولذلك فإن لجنة الخمسين تتجه الآن إلى وضع المزيد من القيود على الرئيس، فمن حق مجلس الشعب أن يرفض رئيس وزرائه، ولم يعد من حق الرئيس العفو منفردا عن المسجونين ، ولا فرض الطوارئ منفردا، وحتى قرار الرئيس بحل مجلس الشعب بات مشكوكًا فيه، والأخطر والأهم أن رئيس الجمهورية أصبح للمرة الأولى على فوهة بركان.فمن حق مجلس الشعب سحب الثقة منه بموافقة ثلثى النواب، وبمجرد أن يرى ثلث المجلس أن الرئيس قد تجاوز صلاحياته.باختصار الرئيس القادم لمصر شبه منزوع الصلاحيات.فهل نرغب للسيسى أن يصبح هذا الرئيس «الديجتال» بالإضافة إلى خصم صلاحيات الرئيس.فإن هيبة المنصب قد أضاعها إلى حد كبير خلال ثورتين خلع رئيسين فى أقل من ثلاث سنوات. إلى حد كبير فإن الشعب لم يعد يحترم الرئيس ولا حتى يثق فيه، وبعد ثورتين لم يعد الشعب مستعدا للتسامح مع أخطاء الرؤساء، وبالمثل لم يعد الشعب يملك صبرا للانتظار على الرئيس لتحسين أحوال المصريين.
وزير وزعيم
فى مقابل وضع الرئيس مقصوص الجناح منزوع الصلاحيات، فإن وضع وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة لم تطله حملة التخفيضات، فلا تزال صلاحياته كما هى منذ دستور 71، بل إن مسودة دستور العشرة قد جعلت اختيار وزير الدفاع مهمة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإن أبقت على منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة لرئيس الجمهورية.ولكن الكلمات لا تصنع النفوذ، فقد كان مرسى رئيسا أعلى للقوات المسلحة، وكان السيسى قائدًا عامًا، ولكن السيسى من موقعه ومنصبه استطاع بانحيازه للشعب أن يطيح بالقائد الأعلى للقوات المسلحة. ولم يستطع مرسى وهو أول رئيس منتخب أن يمثل الوضع الدستورى للقوات المسلحة أو الجيش، ولا أظن أن مرسى كان ممكنا أن يفلت بإزحة المشير طنطاوى وعنان لولا ما أصاب مكانتهما داخل وخارج الجيش.
فقد حامت الشبهات حول تسليم طنطاوى السلطة للإخوان، وصنعت أخطاء المرحلة الانتقالية الأولى حاجزا حول مقولة الجيش والشعب إيد واحدة، وأغضبت الكثيرين لسوء الإدارة فى هذه المرحلة الانتقالية.
ولكن الفريق السيسى أعاد للمقولة مكانتها، بل وزادت شعبية القوات المسلحة كقوة وحيدة لحماية الوطن وهويته.صار السيسى مثالا لصدق الكلمة والالتزام العسكرى.
فى الحقيقة لم يعد الفريق السيسى وزير دفاع فقط، ولكنه تحول إلى زعيم شعبى. ولاشك أن هذه الزعامة تصب فى مصلحة القوات المسلحة ككل، ولا شك أيضا أن هذه المكانة والحب والتقدير العميق للسيسى سينعكس على الدستور القادم، فبينما أدت مرحلة مرسى بخطاياها إلى تقليص صلاحيات الرئيس، فإن زعامة السيسى الشعبية ودوره الوطنى سيصب فى مصلحة وضع القوات المسلحة فى الدستور الجديد.
رئيس دولة
وإذا كان من البديهى أن ينعكس التقدير للقوات المسلحة فى الدستور، فقد يكون من المنطقى أيضا أن يترجم الحب والتقدير للسيسى فى شكل عملى، وخلافا لأصحاب حملة «كمل جميلك» فإننى اعتقد أن المصريين يرغبون بالفعل فى رد الجميل للسيسى، وأن لدى الملايين رغبة حقيقية وصادقة ومشروعة فى ترجمة عملية وواقعية لحبهم له. فقد خاطر الرجل بنفسه وواجه قوى خارجية بكل وطنية.ولدينا فى بعض نماذج الثورات الشعبية دوليا حلول منطقية لرد الجميل للسيسى. ففى أمريكا اللاتينية أو بالأحرى بعض ثوراتها الشعبية ساند الجيش الثورة، ولعبت قيادات الجيش دورا محوريا فى حماية الثورة الشعبية، وترددت رغبات شعبية فى ضرورة رد الجميل للجنرالات الثوريين.ولكن هذه الرغبات لم تصل أو بالأحرى تغامر بأن يكون هذا القائد العسكرى العظيم والوطنى رئيسا للجمهورية، فقد ظل رئيس جمهورية مدنيًا منتخبًا، ولكن فى هذه التجارب الدولية تم الفصل بين رئيس الدولة وهو رأس الدولة، ورئيس الجمهورية.وتولى رئيس الجمهورية المنصب عبر الانتخابات.ويحصد الزعيم الشعبى منصب رئيس الدولة، وذلك كنوع من التكريم والاعتراف بفضله على الثورة، ودوره فى إنجاح الثورة الشعبية، وهناك نماذح متعددة لهذا التكريم فقد ينص الدستور على أن يتولى الزعيم الشعبى رئاسة الدولة فى الفترة الانتقالية أو ينص على أن يتولى رئاسة الدولة مدى الحياة. ولكن فى جميع الأحوال يحتفظ بمنصب رئيس الجمهورية، فلا تورطوا السيسى فى محرقة الرئاسة بدعوى التكريم، أو حتى بزعم أن مصر فى حاجة إلى رئيس قوى، فمصر بحاجة إلى السيسى زعيم شعبى ووزير دفاع بأكثر من حاجتها له رئيس جمهورية.فالجماهير المتقلبة قد تحفظ للفريق السيسى جميله طوال العمر، ولكنها قد تنقلب على الرئيس السيسى فى أول أزمة بنزين أو طوابير العيش. دعوا السيسى رمزا وطنيا لاستقلال الإرادة الوطنية، رمزا لكل القيم الوطنية العظيمة للجيش المصرى، حلما لكل طفل بأن ينتمى لهذه المؤسسة العظيمة وحصنا للمواطنين من بطش الرؤساء المستبدين، واتركوا السيسى بعيدا عن محرقة الرئاسة، اتركوا لنا رجلا وطنيا نادر الوجود ليكون ملاذنا الأخير فى الأيام السوداء، فمن يدرى ماذا تخبئ لنا الأيام والرئاسات والأحداث المقبلة.