بعد عزل محمد مرسى والقبض على حازم أبوإسماعيل.. لم يبق ما يثير الضحك فى مصرسوى توفيق عكاشة الذى عاد ليتحفنا بروائع جديدة من نوعية الفيلم الوثائقى «الرجلان» وحلقات من نوعية أمير قطر خنزير والشيخة موزة جميزة، قبل أن يصدر هواة النكد أمرهم بإغلاق القناة والقبض على عكاشة لتنفيذ عدد من الأحكام القضائية الصادرة ضده. مشكلة مصر الكبرى كانت ولا تزال هى تشغيل الرجال غير المناسبين فى الأماكن غير المناسبة لهم كما يبين إعلان البنك الأهلى الشهير، ولو كان الثلاثة المذكورون أعلاه استمعوا لنصيحة البنك وطلبوا منه إعادة تشغيلهم فى المهن التى تناسبهم لأصبح الثلاثة أظرف فريق تمثيلى كوميدى ولتفوقوا على ثلاثى أضواء المسرح سمير والضيف وجورج وثلاثى «الرجل العناب» فهمى وماجد وشيكو، ولكن ماذا نفعل وقد قرر الأول أن يصبح سياسيا والثانى أن يصبح بلطجيا والثالث أن يصبح إعلاميا؟!
توفيق عكاشة ربما يكون فعلا «مفجر ثورة 30 يونيو» وربما يكون فعلا أخطر رجل فى العالم، ولكن قيمته الأكبر هى أن اختراعه لفن جديد هو «الإعلام الكوميدى»، وهو وسيط جديد يقع بين الصحافة والمسخرة وبين شاشة التليفزيون ومنصة الأراجوز، وأهم صفات الكوميديان فى هذا الوسيط هى أنه يعتقد أنه إعلامى حقا وأنه شخص جاد جدا.
المشكلة الوحيدة التى تواجه انتشار هذا الفن الجديد هى الجمهور غير الواعى الذى يصدق هؤلاء الكوميديانات.. فيتصور فعلا أن شخصا مثل مرسى يصلح رئيسا وأن شخصا مثل عكاشة يصلح إعلاميا.
المشكلة الأكبر تأتى عندما يصر العقلاء فى بلد ما على التعامل مع هؤلاء على أنهم كوميديانات فعلا.. ذلك أن التاريخ يثبت لنا المرة بعد الأخرى أن هذه النماذج خطيرة ومميتة بقدر ما هى كوميدية، ولو كنت ناسى أفكرك بأن العقلاء فى ألمانيا وإيطاليا ومصر ظلوا يتعاملون مع هتلر وموسولينى والحاكم بأمره باعتبارهم مهرجين مثيرين للسخرية حتى وقعت الفاس فى الراس ومات الآلاف والملايين بسبب هؤلاء المجانين.
صحيح أننا فقدنا بعض ظرفاء العصر بالتخلص من مرسى وسمعة وعكاشة ولكننا حمينا البلد من كوارثهم.
1
ذكر العكش وأنثاه
من الصعب أن نحصر الفقرات الكوميدية التى قدمها عكاشة على مدار تاريخه «الفنى»، والتى ظلت حديث فيسبوك وضحكاته على مدار شهور طويلة، كما ظلت محورا للعديد من برامج الساخر باسم يوسف لحلقات عديدة.. من اتهام ثوار يناير بالماسونية وحتى اتهام درية شرف الدين بالانتماء إلى الجمعية الوطنية للتغيير، مرورا بالتشكيك فى صلاحية البرادعى للحكم لأنه لا يعرف كيف يزغط بطة ولا يعرف الجاموسة الحامل من العجل الذكر.
ومثل أى كوميديان فاهم أدرك العكش أن الكوميديا تحتاج إلى نجم و«سنيدة» و«حبيبة»، لذلك أتى بأشبال من نوعية عبدالناصر وأحمد «سبايدر» وبالمذيعة حياة الدرديرى الملقبة بأنثى العكش، التى شكل معها ثنائيا يتفوق على ثنائى شويكار وفؤاد المهندس، وقدما فقرات نادرة مثل الفقرة الرائعة المروعة عندما كان يملى عليها من غرفة الكونترول ما تقوله كلمة بكلمة وحرفا بحرف.
الذى لم يفهمه العكش وأنثاه هو أنهما مجرد عرائس ماريونيت فى يد عابثة شريرة لا يهمها سوى مصالحها الضيقة على حساب الوطن كله. صحيح أن مصالح هذه اليد توافقت فى وقت ما مع مصالح الوطن، ولكن هذا لا يعنى على الإطلاق أنها يد وطنية، حتى لو كانت تابعة لجهاز «وطني»!
بعد نجاح الموجة الثانية من ثورة يناير فى 30 يونيو عادت هذه اليد المجرمة للعب بالعكش وأنثاه، وأمثالهما من الخدام، لتشويه كل ما فى الوطن باستثناء فضلات نظام مبارك التى تتصور أنها يمكن أن تعود للسلطة لمجرد أنها شاركت فى موجة 30 يونيو بإنفاق بضعة آلاف أو ملايين من الجنيهات على العكش وأنثاه وغيرهما من الأبواق الإعلامية.
انتهزت هذه اليد الخفية، وهى لا خفية ولا نيلة، فرصة انشغال قادة البلد فى حربهم على إرهاب الإخوان وراحت تملى على العكش، كما كان يملى على أنثاه، الدعاية المسمومة ضد كل ما يمت لثورة يناير بصلة، وضد الفريق السيسى نفسه.. لأنه يرفض أن تتحول موجة 30 يونيو إلى بساط سحرى يعود به فضلات نظام مبارك إلى الحياة. محتميا فى اليد التى صنعته وأنقذته من الأحكام بالسجن الصادرة ضده، بسبب جريمة قذف وسب ضد أيقونة الثورة الشهيد خالد سعيد، وقضايا مالية وأخلاقية كسبتها ضده طليقته المذيعة رضا الكردى، واصل توفيق عكاشة إلقاء القمامة على المارة بلا تمييز، متفوها بأقبح الألفاظ تارة وبأشنع الاتهامات تارة أخرى، من وصفه لأحد العاملين بالوسط الفنى بأنه «معرض» وحتى اتهامه للفريق السيسى بأنه رفض تعيين العكش فى لجنة الدستور تنفيذا لأوامر أمريكا!
الأغرب من كل هذا هو الفيلم شبه الوثائقى الذى بثته قناة «الفراعين» بعنوان «الرجلان» الذى ينسب لنفسه فيه صنع ثورة يناير بمساعدة السيسى!
هل تعتقد أنه مجنون؟ ربما يكون كذلك، ولكن أخطر شىء هو أن تتعامل مع هؤلاء الخطرين على أنهم مجانين، لأن المشكلة أن هناك الكثير من المجانين الذين يصدقون.
2
من رفع الغطاء؟
قبل 25 يناير 2011 لم يكن توفيق عكاشة سوى «نسيا منسيا» فى قناة «الفراعين» التى تحمل شعار «للعرب أجمعين»، والتى ظلت هى الأخرى نسيا منسيا فى الفضاء منذ إنشائها عام 2008.
مثل كثيرين غيره قب توفيق عكاشة على وش الدنيا مع ثورة يناير التى رفعت الستار عن نجوم كثيرين فى السياسة والإعلام والفن مثلما رفعت غطاء البالوعات عن مصائب وبلايا كثيرة كنا نسير فوقها يوميا دون أن ندرى.
قبل ذلك لم يكن توفيق عكاشة سوى الرجل الذى يقبل يد صفوت الشريف كلما التقاه فى إحدى المناسبات.
عكاشة، الريفى القادم من إحدى القرى المغمورة بمحافظة الدقهلية، خريج معهد الخدمة الاجتماعية الذى تحول إلى إعلامى، ثم دكتور فى الإعلام، بقدرة قادر فى الحزب الوطنى والأمن الوطنى – أمن الدولة سابقا- كان قد فاز بمقعد فى آخر برلمانات مبارك بالتزكية، بعد أن انسحب المرشح أمامه فى دائرة «نبروه»، ولكنه لم يهنأ بالمقعد سوى لجلسة واحدة هى الجلسة الافتتاحية التى سخر فيها مبارك سخريته الشهيرة من المعارضة «خليهم يتسلوا»، قبل أن يصدر حكم بحل البرلمان المزور وتقوم الثورة لتطيح بالبرلمان وصاحبه ونظامه من فوق الخارطة.
ولد توفيق يحيى إبراهيم عكاشة فى 24 يناير 1967..من مواليد برج الدلو وعام النكسة، عين نفسه صحفيا ورئيسا لمجلس إدارة ومذيعا بقناة «الفراعين» التى يملكها، وتفرغ فيها للإشادة بمحاسن مبارك ومحاسن جمال مبارك ومحاسن صفوت الشريف ومحاسن الحلو.
ومنذ البداية أظهر عكاشة نوعا من الطموح القاتل لا يتناسب مع إمكانياته وشخصيته «الخفيفة» من خلال هجومه المتكرر على أنس الفقى وزير إعلام سوزان مبارك، مقدما نفسه كبديل، وغالبا كان يفعل ذلك بتحريض من بعض رجال الحرس القديم بالحزب الوطنى، أو بالتحديد صفوت الشريف، البارع فى تقديم الوعود للإعلاميين!
بعد الهجوم على الثورة فى محاولة أخيرة لإنقاذ النظام الذى يخدمه، من خلال مشاركته فى حملة الأكاذيب التى شنتها الأجهزة على المتظاهرين والمعتصمين فى ميدان «التحرير»، تحول عكاشة إلى بوق فى خدمة المجلس العسكرى القديم وفلول النظام الذين واصلوا تشويه ثورة يناير لصالح الإخوان، ثم لبوق لصالح مرشح الرئاسة أحمد شفيق وخصم شرس للإخوان عقب إعلان فوز محمد مرسى بالمنصب، متكلما هذه المرة باسم الثورة التى سرقت، ليعود بعد 30 يونيو إلى سيرته غير العطرة بالهجوم على كل من وما يمثل ثورة يناير بالحق والباطل والبطال. مع الوقت زاد طموح عكاشة أيضا الذى دفعه لتكوين حزب والإعلان عن ترشحه للرئاسة، ولكن المفاجأة كانت سقوطه فى انتخابات البرلمان فى الدائرة التى ولد وعاش فيها، ومع ذلك زادت الحالة، فأعلن مؤخرا أن الشعب يطالب بتعيين السيسى رئيسا وتعيينه هو نائبا، ثم أعلن أنه اعتزل الإعلام وينوى الترشح للرئاسة، ثم طالب على الهواء بتعيينه فى لجنة الدستور وقال إنه لا يطلب ولكن يأمر.