تخصصت فى الشريعة وتركت الهندسة.. ونقل لها الشاطر بعض ثروة الجماعة فى لحظة «الحياة أوالموت» لزوجها.. وللجماعة.. وللصرح التنظيمى، الذى عاش يخطط ويبنى له، ويبسط نفوذ السيطرة فى أوصاله أفرادا وقيادات إخوانية عبر عقود وسنوات قررت عزة توفيق، «الحاجة» - بكل ما للقب من هالة وهيبة ووقار وأهمية فى أوساط الإخوان، ولصاحبته من غموض ونفوذ وتأثير يليق بزوجة الحاكم المطلق للتنظيم، ثم للدولة الإخوانية من وراء ستار فى عهد محمد مرسى - حفر اسمها بوضوح فى آخر معارك الجماعة، والتقدم للصفوف الأولى هذه المرة، وطرح اسمها رقما مهما فى معادلة الصراع بين الجماعة والدولة، فى محاولة مستميتة للمساهمة فى انقاذ حلم المشروع الإسلامى الذى كان، واستعادة «عرش» التنظيم والدولة، بكل الطرق والوسائل الممكنة، وبجميع الأسلحة التى تجيدها.. ما جربته من قبل وماهو جديد عليها.
ليس فقط بالتعبئة والحشد، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعى والمشاركة فى المسيرات وصولا إلى الظهورالجماهيرى والإعلامى والتهديد باللجوء للمنظمات الحقوقية الدولية من على منصة رابعة، ولكن الأهم بالتنظير الفقهى والتأصيل الشرعى أيضا لمواقف الجماعة الآن، وحشد الأعضاء وتثبيتهم، بإسقاطات واضحة من آيات من القرآن والأحاديث النبوية، تفاجئ زوجة خيرت الشاطر، وسائل الإعلام والأوساط التنظيمية للإخوان على حد سواء، وتمارس دورا شديد الأهمية تخرج به عن المألوف للزوجة الإخوانية، وتضع نفسها فى منطقة تتفرد فيها تماما، وتختلف بها عن الصورة المعتادة لدور الأخوات، أو زوجات القيادات، وتنافس بها شريحة «قيادات الفتاوى» فى الجماعة، فى توقيت تتعرض فيه الجماعة لأكبر ضربة فى تاريخها، ويغيب قياداتها التنظيمية والشرعية عن الظهور.
«الحاجة» كما يطلق عليها فى الأوساط الإخوانية، تدرك مدى تأثيرها جيدا ليس فقط فى الأخوات اللاتى ينظرن إليها بانبهار كنموذج للصمود، ولكن أيضا فى قطاعات لا يستهان بها من شباب الجماعة يحلفون بحياتها على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى خاصة بعد إلقاء القبض ليس فقط على زوجها ولكن أيضا على ابنها «سعد» وانتشار صورتها على الفيس وهى تجلس على الرصيف أمام بوابة السجن طلبا لمقابلة نجلها، وعلى ذلك فقد حولت زوجة الشاطر صفحتها على الفيس بوك إلى بؤرة للحشد وتقوية الصف الإخوانى وشحذ الهمم إلى الدرجات القصوى، انطلاقا من تأصيل شرعى تغذيه ثقافة دينية واضحة لديها فى استخدام آيات القرآن، واختيار إسقاط ملائم لها مع الحدث، على شكل جرعات – على سبيل المثال - جرعة ثقة: «ولا تهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين»، جرعة ثبات: «إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله»، جرعة صبر «وتلك الأيام نداولها بين الناس»، جرعة بشرى: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبرٍ إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل»، جرعة سعادة: «الله مولانا ولا مولى لهم»، جرعة فهم: «فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض»، جرعة شجاعة «وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف»، جرعة خلاصة: «كتب الله لأغلبن أنا ورسلى»، جرعة يقين: «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين»، جرعة مواساة: والعاقبة للمتقين، جرعة نصح: «اتقوا الله وكونوا مع الصادقين»، جرعة مبادئ «ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى»، جرعة أخوة وسل سخائم الصدور: «ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم»، وفى الأخير : «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون»، هذا بخلاف تدويناتها المستمرة فى دعم مواقف الجماعة والتعليق على الأحداث المتعاقبة بلا هوادة أو تقصير.
لم تكن عزة فى يوم من الأيام نموذجا لصورة الزوجة الإخوانية التقليدية التى كانت زوجة مرسى أصدق مثال لها. لم يأت زواجها من الشاطر على نمط باقى زيجات الجماعة من الأوساط الإخوانية، والعلاقات العائلية لأعضاء التنظيم، وإنما كان التعارف عبر زمالة جامعية بينهما فى كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، حيث كانت عزة الطالبة الوافدة من الفيوم، التى تسعى لتحقيق حلمها فى أن تكون مثل والدها المهندس الشهير بالمحافظة، كادرا طلابيا أيضا فى بدايات المد الإسلامى بالجامعات فترة السبعينيات.
منذ اللحظة الأولى خرجت عزة الشاطرعلى التقاليد الإخوانية المعتادة - وهى زوجة قيادى بارز – وبخلاف هذه التقاليد أصرت على ارتداء النقاب ولو كان فى ذلك كسر لقواعد الجماعة فى الزى النسائى للأخوات، ونجحت فى اقناع الشاطر به، بل وامتد تأثيرها أيضا إلى ارتداء عدد من بناتها له، وأيضا إلى ارتداء فاطمة شقيقة الشاطر وزوجة الدكتور محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد له كذلك.
ورغم تخليها طواعية عن حلمها فى الحياة العملية بالعمل كمهندسة لبناء امبراطورية الشاطر العائلية، إلا أنها عوضت ذلك بالاستغراق فى دراسة العلوم الشرعية، من حديث وتفسير وعقيدة وغيرها، واهتمامها بالدعوة، فى معهد الدراسات الإسلامية وغيره من المعاهد، وتدشين نفسها داعية إسلامية، ودفعت أخوات الجماعة لذلك.
فى ظل جماعة تسيطر عليها الطبقات التنظيمية ولا يمكن أن يكون فيها الإخوان سواسية، استمدت عزة الشاطر، مكانتها من النفوذ التنظيمى والمالى لزوجها.
ولذلك ظلت تحيط بها هالة الاستشهاد والصبر والاحترام وقيادة إمبراطورية الشاطر العائلية، والصمود فى فترات سجنه المتوالية، عبر سنوات طويلة، كانت تظهر فيها بين الحين والآخر فى المناسبات بمظهر «القوة» تستقبل الأخوات، وزوجات القيادات وكوادر الجماعة الوافدات إليها من محافظات مصر فى أعراس بناتها، التى كانت تتحول عادة إلى فعالية إخوانية للتنديد باحتجاز خيرت الشاطر على ذمة قضايا عسكرية فى عهد مبارك.
وعلى الرغم من التوافق العائلى على تصدر الزهراء الابنة الكبرى لخيرت الشاطر المشهد الإعلامى والحقوقى فى الدفاع عن والدها والتنديد بوضعه الحقوقى لدى وسائل الإعلام المصرية والدولية فى جميع القضايا والمحاكمات العسكرية التى احتجز على ذمتها طيلة عهد مبارك، إلا أن عزة تصدرت المشهد الآن، وقد لايعرف الكثيرون أنها تدربت على الظهور الاعلامى بالفعل فى جولاتها كبروفة لدور السيدة الأولى التى كانت تستعد له بعد إعلان ترشيح زوجها لانتخابات الرئاسة..
لم تكن عزة الشاطر فى يوم من الأيام هى الزوجة المغلوبة على أمرها، وإنما كانت شريكا فى المسئولية بكل أنواعها فترات سجن الشاطر، تتواصل مع المحامين، وتلم بكل تفاصيل القضايا المتهم فيها زوجها، بل ويتم تسجيل ممتلكات الجماعة باسمها وتدخل شريكاً أساسياً فى أموال الإخوان، فنجدها شريكة منفردة مع حسن مالك فى شركة «سيوة لاستصلاح الأراضى» المملوكة للجماعة.