الأجهزة الأمنية كانت ترصد تحركاته والأمن الوطنى قام بضبطه
لم يكن صيد مرشد جماعة «الأفاعي» الشهيرة بالإخوان المسلمين صعبا على الأجهزة الأمنية، ولكنه كان ورقة مهمة تلعب بها وتساوم وتقايض منذ عزل «محمد مرسي» الرئيس الإخوانى وحتى الآن.
كانت ليلة القبض على «بديع» ليلة حالكة السواد.. فقد ودعت مصر فى جنازة جماعية «25» شهيدا قتلهم الإرهاب فى رفح، قتلهم كما قتل الإسرائيليون الأسرى المصريين بعد نكسة «1967».. وكما كانت الجنازة الجماعية كان أيضا البكاء جماعياً فى هذه الليلة.
إلى أن جاء خبر القبض على «محمد بديع» المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، فكان فرجا منتظرا للقلوب المكروبة، وفى الحقيقة كما علمت من مصادر أمنية، فقد تم القبض على «بديع» فى تمام الساعة العاشرة مساء، وأن جهاز الأمن الوطنى هو من قام بمهمة القبض عليه فى العمارة رقم 84 بشارع الطيران بمدينة نصر، وكان معهم 12 وحدة قتالية من القوات الخاصة تحسبا لأى مقاومة، وهو ما لم يحدث، فقد استسلم بديع بسهولة كبيرة، وبدا كأنه كان ينتظر من يقبضون عليه.
كان بديع يقيم فى شقة «حازم فاروق» المتحدث باسم حملة «دعم الشرعية» والذى كان قد سبق «بديع» إلى السجن قبل يومين بعد القبض عليه أيضا، و«حازم فاروق» له واقعة شهيرة مسجلة بالفيديو وهو يشرف على تعذيب المصريين عند سور قصر «الاتحادية» فى ديسمبر الماضى.
القبض على حازم هو ما جعل بديع ينتقل إلى شقته باعتبار أنها المكان الوحيد الآمن الذى لن تتجه أنظار الشرطة إليه بعد القبض على صاحب الشقة، وهى شقة مساحتها كبيرة عبارة عن دور كامل فى العقار، وكان يوجد بها عائلة شخص فلسطينى ينتمى إلى «حماس»، وأسرة «حازم فاروق».
ويقول بعض الضباط الذين قبضوا على بديع إنه لم يبد أى مقاومة ولم يكن مصدوما وكأنه كان ينتظرهم، وبعد القبض عليه، اصطحبته القوة الأمنية إلى جهاز الأمن الوطنى بمدينة نصر، وظل هناك لمدة ساعة تم فيها تصويره، وبعد ذلك نقل إلى سجن مزرعة طرة وعلمنا أنه ستجرى النيابة العامة التحقيقات معه داخل السجن.
وقد أعلنت الداخلية عن الخبر بعد 4 ساعات تقريبا من القبض على «بديع»، ولكنه كان مقررا أن يتم الإعلان عن ذلك فى الصباح وأن يقول الخبر أنه قبض عليه فى الفجر، ولكن الداخلية تراجعت عن ذلك وأعلنت القبض عليه فى تمام الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، وكانت هناك معلومات تقول إن عناصر من تنظيم الإخوان يتجمعون لمحاصرة مبنى الأمن الوطنى، وهو ما جعل الوزارة تعلن أنه يتم ترحيله لأحد السجون، ولكن بالفعل وقت إعلان الخبر وعرض صوره وفيديو له بعد القبض عليه، كان «بديع» بالسجن، وعليه فإن النيابة توجه له تهم التحريض على القتل والتخابر وتكوين تنظيم إرهابى.
ويقول مصدر أمنى كنا على علم مسبق بكل مكان يذهب إليه «محمد بديع» منذ عزل مرسى وكان الأمن الوطنى هو المكلف برصده ولكن فى كل مرة يتخذ القرار كان يترك المكان ليذهب لآخر، ولكن قبض عليه فى الوقت المناسب.. وهو مايشعرنا أن الداخلية تعرف أماكن قيادات الجماعة والأمن الوطنى يرصد تحركاتهم، ولكن لاتتم عملية القبض على أحد منهم إلا بمناسبة ووقت محدد ترى قوات الأمن أنه الوقت المناسب، ولكن ذلك أيضا هو الذى يعطى الفرصة لهذه الجماعة لتقتل وتسفك الدماء أكثر وأكثر، فليس من المروءة أن يترك الإرهابيون يسفكون دماء الأبرياء، كما حدث فى مذبحة رفح من أجل «الوقت المناسب»؟
صحيح أنه يتم القبض على عدد كبير من عناصر تنظيم الإخوان المسلمين، بالمئات بعد كل غارة للجماعة أو فى كمائن الطرق.
هؤلاء منفذون سواء لاقتناعهم بالفكرة أو للمقابل المادى السخى الذى يحصلون عليه، هؤلاء مجرد «صبيان» لايشفون غليل المواطن الغاضب ولاينقذ الوطن المشتعل بنار الإرهاب، أما «المعلمين» وهم القيادات الهاربة رغم الأخبار التى يتم تداولها عبر مواقع الأخبار والقنوات الفضائية والوكالات أنه تم القبض عليهم مثل «محمد البلتاجى، وصفوت حجازى، وسعد عمارة، وعصام العريان، وعاصم عبد الماجد» وغيرهم من المخططين والمحرضين، ولكن بعد ذلك تكون المفاجأة أن من تم القبض عليه حر طليق، يخطط ويقرر ويحرك صبيانه هنا وهناك، وعندما نتحدث مع الداخلية يقولون نحن راصدين كل القيادات ونعلم بكل تحركاتهم، غريب هو أمر ما يحدث فى هذا الشأن تحديدا.
بدأ ذلك بعد عزل «محمد مرسي» الرئيس السابق مباشرة عندما صرحت مصادر أمنية للصحف أنه تم القبض على مرشد عام جماعة الإخوان المسلمين «محمد بديع» فى مدينة «مرسى مطروح» حيث كان يتخذ من قرية أندلسية بها مقرا آمنا له، فرح المصريون بالخبر الذى أذيع كخبر رئيسى فى بعض القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية والصحف، وتداولته شبكات التواصل الاجتماعى وهى تهلل للقبض على «بديع» لتكون مفاجأة ظهوره فى على منصة رابعة بعدها بأيام وهو يهدد ويتوعد ويقوى من عزيمة مناصريه صادمة للمصريين الذين صدقوا خبر القبض عليه، وخاصة بعد أن علموا أنه ارتدى النقاب ليفلت من أجهزة الأمن ودخل اعتصام رابعة العدوية وهو بالنقاب متخفيا فى زى النساء.. وتم نفى الخبر لنعرف أنه فى الوقت الذى توجهت فيه قوة أمنية للقبض عليه فى «مطروح» كان هو قد علم بمجيئهم فهرب من مطروح فى سيارة دبلوماسية تتبع السفارة القطرية، مما يشير إلى وجود معاونين للإخوان فى جهاز الشرطة، ليظهر بعدها فى رابعة ويتنقل بين بيت دبلوماسى فى السفارة التونسية، ثم إلى مكان تم تهيئته ليعيش فيه بديع فى سفارة دولة «قطر».
وكما أعلنت الداخلية أنه تم رصد تحرك بديع فى سيارات دبلوماسية تتبع سفارتى تركيا وقطر، لذلك أقول إن القبض على بديع لم يكن صعبا على أجهزة الأمن.. ولكنه كان مؤجلا لأجل مسمى، وللوقت المناسب.. رغم أن كانه هناك أمر مؤكد أن بديع بالفعل كان فى قبضة الأمن قبل ظهوره فى رابعة العدوية وأن الأمن عقد صفقة معه بأن يصعد للمنصة ويطالب المعتصمين بالرحيل وفوجئوا أنه خدعهم وفعل العكس.
ولكن الأغرب من قصة مناورات «بديع» مع الأمن هى قصة «سعد عمارة» القيادى الإخوانى ووكيل حزب الحرية والعدالة الذى كان موجودا فى جامع الفتح يوم الجمعة الماضى مع باقى عناصر تنظيم الإخوان عندما احتلوا الجامع، وأجرى اتصالا مع قناة الجزيرة شرح فيه الوضع داخل الجامع، كما التقطت له صور وهو يتحدث فى هاتفه المحمول وهو يقف بين الإخوان فى الجامع، وبعد فض اعتصام الإخوان بجامع الفتح فى ظهر اليوم التالى، نقلت عدسات الفضائيات مشاهد «لسعد عمارة» وهو يسير مع قوات الأمن، وتم تناقل خبر القبض عليه فى كل مكان، لينفى الأمن بعد ذلك هذا الخبر، ويقول مصدر أمنى إنه استطاع الهروب وهو فى طريقه لسيارة الترحيلات.
وكان أيضا خبر القبض على «عصام العريان، ومحمد البلتاجى، وأحمد عارف، وصفوت حجازى» خبرا مدويا مثل بقية أخبار القبض على عناصر الجماعة، والغريب أن الأمن هو من يصرح وهو من ينفى، فقد تم نشر الخبر ثم نفيه بعد ذلك وحتى الآن الأمن يؤكد أنه لم يتم القبض عليهم رغم أن المصادر الأمنية تؤكد أنها ترصد كل تحركاتهم وتعلم أماكنهم بدقة وتتابع هواتفهم المحمولة وتسمع مكالماتهم ولكن طبعا تؤجل القبض عليهم «للوقت المناسب» ولكن أيضا تقول مصادر أمنية أنه يوجد فى صفوف الشرطة ضباط وأمناء منتمون إلى جماعة الإخوان بشكل غير رسمى طبعا ومنهم متعاطفون معهم، وهؤلاء هم السبب فى عدم القبض على هذه القيادات رغم أنهم جميعا مقدم ضدهم بلاغات وتطلبهم النيابة وتصدر بحقهم أوامر ضبط وإحضار، ولكن هؤلاء الضباط وهم قلة قليلة كما يؤكد مسئول أمنى يبلغونهم بالمأمورية التى تتحرك تجاههم للقبض عليهم فيهربون، ويؤكد أيضا أن الإخوان يريدون الاعتصام فى منطقة «المعادى» تحديدا لأنها تناسبهم من كل الجهات فهى منغلقة وقريبة من سجن طرة وأيضا من المحكمة الدستورية وطريق صلاح سالم، وهم كانوا يضعونها فى قائمة المناطق التى يريدون الاعتصام بها فى حالة فض اعتصامى «رابعة العدوية والنهضة» وأيضا مناطق «الألف مسكن، ميدان روكسى، ميدان مصطفى محمود» ولكن قوات الشرطة تحبط كل هذه المحاولات حتى الآن.