قد تختلف مع عادل إمام، وقد تنتقده أحياناً كثيرة، ولكنك لا تستطيع أن تنكر أنك أمام حالة فنية نادرة الحدوث، الزعيم الذى يرفض الاستسلام للزمن، وما يعرف بالشيخوخة والكبر والوقت المناسب للانسحاب، يواصل تألقه هذا العام بمسلسل «العراف» المسلسل الذى كتبه يوسف معاطى بحالة استسهال شديدة، جعلت المشاهدين يتوقعون قبل كل مشهد حكايته، ويصدق توقعهم بسبب الحبكة الدرامية الضعيفة التى بنى عليها يوسف معاطى سيناريو وشخصيات العمل، ولكن كل هذا لم يشكل عائقاً أمام رجل يحمل تاريخ وحضور عادل إمام، الذى طبق بالحرف المثل القائل «كيف تصنع من الفسيخ شربات » هو ومخرج العمل رامى إمام، عادل إمام أخفى عيوب النص وضعفه بخبرة السنين الذى يحملها، ومنح العمل توهجاً خاصا بحضوره فى كل مشهد يظهر به، وهو ما جعل المشاهد الأخرى التى لا يظهر بها الزعيم، فقيرة، تكشف حالة الضعف الذى يعانى منها سيناريو العمل، الزعيم فى العراف قدم شخصية النصاب ببعد إنسانى شديد، جعل المشاهدين يتعاطفون معه ويحبونه رغم كونه فى النهاية يحترف النصب، وهنا تأتى عبقرية الزعيم وخبرته فى التعامل مع الشخصيات التى يقدمها، فالسنوات الكثيرة التى مرت عليه بما فيها عمله كممثل صغير مع فؤاد المهندس، وبعدها انطلاقه فى أدواره الثانوية الكوميدية بالأفلام، وصولاً لتربعه على عرش الكوميديا بدون منافس لأكثر من ثلاثين عاماً، خلقت منه ممثلاً غير قابل للهزيمة، فكثيرون توقعوا زوال زعامته، وانتهاء عصره بصعود نجوم كوميديا جدد، لكن ذكاءه وغباء النجوم الجدد، منحه الاستمرارية والنجاح أمامهم، فأى ممثل آخر غيره كان معرضاً للاستسلام والانسحاب تحت ادعاء أنه قدم الكثير وحان وقت الانسحاب، ولكنه قبل التحدى، وصمد أمام جيل يصغره بعشرات الأعوام، ليخفق فى أعمال، وينجح فى أخرى، دون أن تهتز نجوميته أو مكانته، وهو ما يصعب تكراره خلال تاريخ السينما المصرية، التى عرفت نجوماً عظاماً، وصلوا لمرحلة النجومية، وانتهت حياتهم نهاية مأساوية بعد أن فرطت النجومية فيهم، ولكن يبقى الزعيم بينهم النجم الوحيد العابر للأجيال، لأنه ظل نجماً منذ منتصف السبعينيات وحتى الآن، دون أن تتراجع نجوميته سنتيمتراً واحداً، ودون أن يقنع نفسه بفكرة الانسحاب فى الوقت المناسب، لأنه لا يعترف سوى بفكرة الخلود الفنى، الذى حققه الزعيم، والذي يصعب أن يكرره أي فنان من الجيل الحالى، الذين يفضلون أن يبيعوا أنفسهم كسلعة فى سوق الإعلانات، الزعيم منحنا بأدائه متعة وحضوراً وبهجة، افتقدنها فى أعمال تحمل أسماء نجوم كبار من عينة نور الشريف ومحمود حميدة وليلى علوى، رغم أنهم مصنفون على أنهم من نجوم الدراما، ولكنهم فشلوا فى تحقيق المعادلة التى يحتفظ بعناصرها الزعيم، وهو ما جعل من رشا مهدى تظهر وكأنها تمثل للمرة الأولى، ومن محمد عبدالحافظ ممثل حقيقى لأول مرة فى مشواره الفنى ومن محمد الشقنقيرى صاحب أداء راق، وقدم شريف رمزى كممثل كوميدى راق، باستثناء أحمد فلوكس الذى يحرص على إهدار الفرص الجيدة التى تأتيه بأدائه المبتذل لشخصية البورسعيدى، رغم أن مؤلف العمل بورسعيدى ولم ير فى الشخصية البورسعيدية سوى هذا النموذج الفقير الذى قدمه فلوكس، ولكننا فى النهاية كسبنا عودة الزعيم وظهوره المبهج لنا خلال ثلاثين يوماً وهذا هو أهم شىء قدمه المسلسل لنا!