وكالات لاقى عطا أوجرتاس وهو طبيب من اسطنبول ذو شارب كبير استقبالا طيبا عندما وصل إلى المانيا هذا العام في دليل على تحول في المسلك في المانيا مع تقلص عدد السكان وندرة القوى العاملة.
ونظرا لنقص الأطباء في المانيا صدرت لأوجرتاس البالغ من العمر 25 عاما تأشيرة لتعلم الألمانية خلال شهرين من الطلب الذي قدمه. وقال "مسؤولو الهجرة كانوا يعاملوني بلطف حقيقي."
على مدى عشرات السنين جرت العادة على تصوير ملايين السكان من ذوي الأصول التركية على أنهم عالة على المجتمع الا ان صناع السياسات باتوا يحاولون الآن استرضاء الأجانب ويتعلمون أن يكونوا أكثر قبولا للآخر.
ونحو خمس السكان وثلث التلاميذ لديهم أصول غير ألمانية مما يعني تزايد نسبة هؤلاء من الناخبين.
ومع اقتراب الانتخابات في سبتمبر أيلول تتضح جيدا المواقف التي تبدلت في خطاب حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي له المستشارة انجيلا ميركل.
وقبل عشر سنوات عندما ارتفع معدل البطالة وكانت قوانين الهجرة صارمة كانت حملة حزب ميركل تركز على شعارات مثل (أبناؤنا أولى من الهنود) لكنه الآن اصبح يدعو إلى "ثقافة الترحيب" بالمهاجرين.
وقال توماس ليبيج خبير الهجرة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "تبذل المانيا جهدا كبيرا لتشجيع الهجرة بسبب الوضع الديموجرافي الصعب الذي سيؤثر عليها أكثر من أي بلد آخر تقريبا في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية."
وأضاف "هذا الكلام عن ثقافة الترحيب جزء من العملية الكاملة كي تكون دولة تصبح فيها الهجرة مسألة عادية."
ومع اقتراب البطالة من أدنى مستوى منذ إعادة توحيد شطري المانيا عام 1990 تواجه المانيا نقصا يبلغ 5.4 مليون من العمال المهرة بحلول 2025 رغم محاولات للاستعانة بالمرأة وكبار السن.
أظهرت بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن نحو 300 ألف شخص خاصة من الاتحاد الأوروبي هاجروا إلى المانيا عام 2011 بزيادة نحو الثلث عن عام 2010. وأغلبهم من دول شرق اوروبا التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في 2004 مثل بولندا. تشتهر المانيا بالعراقيل البيروقراطية التي تضعها أمام المهاجرين الذين يرغبون في تحسين مستواهم المادي. ولم يتم تشجيع مئات الآلاف من "العمال الوافدين" الذين جاءوا من إيطاليا واليونان وتركيا ودول اخرى في الجنوب في الستينات للمساعدة على إعادة بناء البلاد بعد الحرب العالمية الثانية على الاندماج في المجتمع وتعلم اللغة الألمانية لكن كثيرين فعلوا ذلك. وخشية من البطالة خلال أزمة النفط في السبعينات أوصدت ألمانيا أبوابها وحاولت إعادة الضيوف الذين لم يعودوا موضع ترحيب. بل ان تدفق طالبي اللجوء وذوي الأصول الألمانية من الاتحاد السوفيتي السابق في التسعينات وتحديات إعادة التوحيد جعلت المانيا أكثر عزوفا عن فتح الباب للهجرة. واستمرت القيود المفروضة على الهجرة من الاعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي منذ مطلع القرن الحادي والعشرين لفترة أطول من أي بلد آخر في الاتحاد. قال بيتر كليفر وهو زعيم في اتحاد بي.دي.إيه للعمل "حولنا سلطاتنا إلى حائط للنيران لعشرات السنين.. كنا نقول لها الا تجعل هؤلاء الناس يقتربون.. يريدون فقط الدخول في انظمتنا الاجتماعية... طلب منها ألا تكون ودودة." لكن مع تحسن سوق العمل في المانيا منذ مطلع القرن الحادي والعشرين كان هناك نقص كما أن إجراءات لسد الفجوة مثل صفقات للاستعانة بعاملين في مجال القطاع الصحي من الصين والفلبين لم تكن كافية لسد النقص. بدأت المانيا في التخفيف من حظر السفر وبدأت بالعاملين ذوي الكفاءات وألغت الحد الأدنى للأجور الذي يحصل عليه العامل او حجم الاستثمارات بالنسبة للمستثمرين للسماح لهم بالهجرة. ألغت المانيا هذا الشهر 40 في المئة من لوائح الهجرة وقللت من القيود بالنسبة للعمال من ذوي المهارات المتوسطة في قطاعات تعاني من نقص حاد مثل سائقي القطارات والكهربائيين.
قال ليبيج من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "هذه الثورة الصغيرة مرت مرور الكرام دون ان تلفت الأنظار." وبالنسبة للعمال المهرة أصبح لدى المانيا الآن واحدة من اكثر القوانين ليبرالية بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ عددها 34 دولة.
وهي تعمل على التعامل مع عائق اللغة من خلال تنظيم دورات تدريبية جديدة في الخارج ومساعدة الناس على الاعتراف بمؤهلاتهم حتى لا يضطر الاطباء للعمل في وظيفة سائقي سيارات الأجرة.
وهي تستقبل الاجانب للدراسة في جامعاتها والانضمام للبرامج التدريبية التي تلقى احتراما كبيرا مع التركيز على مناطق في جنوب اوروبا ترتفع بها بشدة نسبة البطالة.
استعانت بلدة ميندلهايم التي يبلغ معدل البطالة فيها 2.2 في المئة أي منعدمة تقريبا بالاسباني جان ساباتر فيالس البالغ من العمر 20 عاما للتدرب في مجال الفندقة.
وقال "من الواضح أن لدي فرص في المانيا اكثر من اسبانيا... أريد البقاء ثلاث سنوات أو اكثر."
ترتفع وتيرة الهجرة جدا لدرجة أن عدد سكان المانيا زاد في 2011 للمرة الأولى منذ نحو عشر سنوات. لكن مقارنة بعدد السكان فما زالت تجتذب عشر أعداد المهاجرين فقط الذين يهاجرون لبلد مثل كندا التي تتبع سياسة ترحب بالمهاجرين.
وما زال الكثير من جيل العمال الوافدين وأسرهم يشعرون بأنهم لا يلقوا ترحيبا خاصة غير الأوروبيين.
يبيع باريس يسيلداج (26 عاما) البقلاوة في السوق التركية ببرلين ويقول إنه ولد في المانيا لأبوين تركيين لكنه لم يتم قبوله قط كألماني. مضيفا "امضيت الخدمة العسكرية التطوعية هنا.. لكن ضابطا قال لي إني أفعل ذلك من أجل المال وليس من أجل المانيا."
وفي حين أن اليمين المتطرف ضعيف سياسيا الا ان كراهية الأجانب ما زالت تتسرب إلى المناقشات اليومية في المانيا.