كما توقع الكثيرون قبل انتخابات الرئاسة الفرنسية التي جرت الشهر الماضي أذعن الرئيس الفرنسي المنتخب نيكولا ساركوزي للاتجاهات اليمينية التي تطالب بتضييق الخناق علي الهجرة وكبح جماحها في خطوة قد تثير الكثير من الاضطرابات وربما تؤدي إلي صدام شبه حتمي بين قوي اليسار وقوي اليمين. فقد أعلن ساركوزي عن رغبته في تصعيب جلب الأجانب المقيمين لأسرهم إلي فرنسا وأبدي رغبته في أن يتم ذلك في أسرع وقت ممكن. وخلال هذا الأسبوع يشرع وزير الهجرة الفرنسي بريس هورتيفوكس في وضع اللمسات الأخيرة علي مشروع قانون يطالب أعضاء عائلات المهاجرين ممن أتوا من خارج الاتحاد الأوروبي إلي ضرورة تعلم أساسيات اللغة الفرنسية قبل المجيء إلي البلاد والإلمام بالتاريخ والعادات الفرنسية. ووفقا لمسودة القانون الذي نشرته جريدة "لوفيجارو" الفرنسية يتطلب القانون أيضا أن يوقع المهاجرون علي عقد يوافقون بمقتضاه علي العمل في دمج أسرهم في المجتمع الفرنسي والإذعان إلي عاداته ولايزال مشروع القانون في إطار الدراسة ومن المحتمل أن يتعرض إلي التعديلات قبل عرضه علي مجلس الدولة أعلي جهة إدارية قضائية في فرنسا الذي يتعين أن يوافق علي المشروع قبل عرضه علي البرلمان. وقال المتحدث باسم وزير الهجرة إن روح النص لن تتعرض للتعديل إلا أنه من الممكن إجراء بعض التعديلات الفنية. ومن المنتظر أن يؤدي القانون في حالة إقراره إلي إشعال الجدل بين مؤيديه ومعارضيه. وأضاف مسئول الهجرة أن الهدف من القانون هو تحسين مشروع الاندماج في المجتمع الفرنسي وتقليص أعداد المهاجرين غير المهرة أو بمعني اَخر استعمال أسلوب الهجرة الانتقائية التي أثارت جدلا حادا من قبل، ومنذ أن تولي ساركوزي منصبه الشهر الماضي اتجهت الأنظار وبتركيز كبير علي خططه لإنعاش الاقتصاد وإصلاح سوق العمل إلا أن الإسراع في التعجيل بدفع مشروع القانون المذكور يرجح أن الهجرة ستظل هي من أهم أولويات أجندته السياسية وفقا لرأي محللين. والمعروف أن ساركوزي الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية أثناء أعمال الشغب التي صدمت فرنسا عام 2005 يحظي بسمعة كبيرة في كونه يتعامل بتشدد إزاء مشكلة المهاجرين كما قام بوضع خطة طموح لترحيل المهاجرين غير الشرعيين علي مراحل كما عمل علي تمرير قانونين لتشديد إجراءات الهجرة، والأدهي أنه ذهب أبعد من ذلك ورفع شعارات زعيم الجبهة الوطنية التي تنتمي إلي اليمين المتشدد جان ماري لوبان والمعروف بعدائه الشديد للهجرة التي تنادي ب "فرنسا.. أحبها أو اتركها". "هورتيفيكس" الذي أعلن للعام الثاني علي التوالي أن هدف الحكومة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين سيكون 25 ألف شخص، ويعد الوزير هو الحليف الأكبر لساركوزي، وقد أثارت سياسته التي تركز علي الهجرة والهوية الوطنية وهو ما أثار حالة من التناقض أثناء الحملة الرئاسية عندما اقترحه ساركوزي أثناء الحملة الانتخابية. وتعتبر العائلات التي تنتمي لمهاجرين هي أكبر مصدر للهجرة في فرنسا وقد جذبت إليها الأنظار بسرعة من جانب صانعي السياسات الذين يصارعون لتحقيق الاندماج للأقليات.. وفي عام 2005 أظهرت الاحصائيات الحكومية حصول 94 ألفا و500 من المقيمين في فرنسا علي تصاريح لذويهم للمجيء إلي فرنسا والهجرة مقابل 14 ألف تأشيرة عمل منحت لأجانب. وفي يولية الماضي مررت الحكومة قانونا يلزم المهاجرين بإثبات قدرتهم علي الإنفاق علي عائلاتهم دون الحصول علي مساعدات حكومية.. ويحذو التشريع الفرنسي السابق حذو دول أوروبية أخري رغم أن الإجراءات تختلف بدرجة كبيرة. ففي النمسا مررت الحكومة قانونا يحدد عدد أفراد الأسرة التي تنتمي للمهاجر التي يحق لها الهجرة إليها. وفي هولندا يتطلب القانون من أسر المهاجرين تعلم اللغة الهولندية قبل المجيء إلي هولندا وفي بريطانيا وإيطاليا وألمانيا يلزم القانون المهاجرين بتوفير دخل مالي مناسب ومكان للسكن قبل جلب أسرهم. وحتي في الدانمارك شددت الحكومة إجراءات دخول أسر المهاجرين وتشترط ألا يقل عمر العائل عن 24 عاما للحد علي حسب زعم الحكومة من إجبار الفتيات القاصرات خصوصا من المسلمات علي الزواج. إلا أن متخصصين في مجال الهجرة يحذرون من أن تشديد قواعد هجرة العائلات ربما يكون غير فعال في الحد من الهجرة، كما أنه من الممكن أن يتعارض مع أهداف موضوعية أخري للحكومة فالمعاهدات الدولية التي وقعت عليها دول الاتحاد الأوروبي تمنح المهاجرين الحق في استقدام عائلاتهم إلي بلدهم المضيف رغم إمكانية إرجاء ذلك، ولكن لا يمكن منعه بصورة مطلقة. ويقول خبير في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن إرجاء لم شمل الأسرة يحرم الأطفال من ذويهم ومن الاندماج في سن مبكرة في المجتمعات الأوروبية، كما يزيد من فرص الهجرة غير الشرعية كما أن مسألة الهجرة الانتقائية التي تعتمد علي فتح أبواب الهجرة للعمالة الماهرة لا يضر فقط بالمهاجرين بل يضر أيضا بالمواطنين أنفسهم كما يفرغ الدول الأخري من الكفاءات، وبالتالي يؤثر علي أداء الاقتصاد العالمي والأخطر أن التمادي في هذه الخطط سيزيد من سخط شعوب العالم الثالث التي يمثل مهاجروها نسبة كبيرة من إجمالي المهاجرين فضلا عن كونه يتعارض مع حقوق الإنسان وينطوي علي تمييز وعنصرية واضحة تعيد بعقارب الساعة إلي الوراء وتمس مرتكزات المجتمعات المتمدينة التي أرست قواعد الحرية.