السيسى استغل حادثة رفح لنشر قواته فى المنطقة «ج» واستغل حادثة خطف الجنود لنشر طائرات الآباتشى استعدادا للإرهابيين
أسرار وشائعات.. عواصف ترابية وضباب ثلجى.. أشباح بدو وملثمون وإرهابيون وأراض مستباحة لأكبر عمليات تهريب للمخدرات والدعارة والسلاح وأنفاق أرضية مظلمة يتسلل منها مقاتلون وتجار وجواسيس وفئران. سيناء على الخريطة فى موضع القلب من جسد مصر، وأمنيا هى أخطر حدودها وأول ما يتعرض لخطر الاحتلال أو الانفصال، وسياسيا تمثل الفخر والكرامة التى استعادتها مصر بعد معاركها الكبيرة ضد إسرائيل، وجغرافيا تمثل سيناء مساحة كبيرة من مصر تزيد على 6% كما تتمتع بثراء وتنوع طبيعى نادر يمكن، لو شئنا، أن نحولها إلى بقعة من أبهى وأغنى وأجمل ما فى مصر بإذن الله.
من يريد أن يؤذى مصر لن يجد هدفا أفضل أو أسهل من سيناء ليوجه ضربته إليها، ولذلك ليس من المدهش، إذن، أن نعرف أن الإخوان استغلوا سيناء منذ اليوم الأول للثورة، من أول تسلل أعضاء حماس عبر أراضيها إلى سجون مصر وميادينها للإفراج عن مرسى وجماعته وحتى محاولات إعلان «الإمارة الإسلامية» عقب عزل جاسوسهم والاطاحة بعصابتهم.. مرورا بمسلسل «الملثم وحرق أنابيب الغاز»، وقتل العديد من جنود وضباط الشرطة والجيش والهجوم على كمائن الأمن، وارتكاب مذبحة رفح التى راح ضحيتها عدد كبير من الجنود وخطف سبعة آخرين من الجنود، تهريب كميات هائلة من الأسلحة بأنواعها، وفوق ذلك كله تحويل سيناء إلى قاعدة وجسر لكل أنواع الإرهابيين القادمين من الشرق والغرب والشمال والجنوب، بما يتجاوز الآن أكثر من عشرة آلاف جهادى إرهابى يقيمون فى أرضها الطاهرة ارتكبوا ويرتكبون عشرات الجرائم والضربات المتتالية التى لا هدف لها سوى انهاك وارباك الجيش المصرى حتى لا يقوم بواجبه فى حماية الشعب من بطشهم.
عندما اتخذ الجيش المصرى قراره بالوقوف بجانب الشعب المصرى فى مواجهة العصابة الخائنة التى سرقت الحكم كان يعلم بالطبع حجم المخاطر والمؤامرات التى تواجهه، وكان بالتأكيد مستعدا لمواجهتها بالخطط والأفراد والمعدات.
خلال الأيام الماضية فقط سمعنا «طراطيش» أخبار عما يدور فى سيناء من مواجهات دامية: جماعة إرهابية تعلن عن إقامة «الامارة الإسلامية» تضامنا مع المعزول مرسى وترتكب مذابح ضد الأقباط وقوات الجيش والشرطة هناك. الهجوم على أقسام الشرطة ومقر جهاز الاطفاء واستهداف عدد كبير من كمائن الأمن ونقاط التفتيش. ترويع المدنيين ومنع العاملين بمعسكر قوات حفظ السلام الدولية من الذهاب إلى عملهم. قتل عدة ضباط وجنود فى هجمات مسلحة بالرصاص مرة وبالأسلحة البيضاء مرة، من بينها قتل ضابط فى شرفة بيته ومجندين أثناء قيامهما بشراء بعض الاحتياجات من السوق. شائعات وادعاءات باتت مبتذلة من أن الجيش يهاجم المعتصمين السلميين أمام محافظة شمال سيناء أثناء قيامهم بالصلاة. عودة الملثم وتفجير خط أنابيب الغاز بعد إجازة طويلة دامت لشهور منذ مجىء مرسى للحكم. تسلل العشرات من عصابة حماس فى غزة للانضمام إلى الإرهابيين المقيمين فى سيناء وأملا – ربما- فى التسلل إلى مدن مصر الأخرى للانضمام إلى أنصار المعزول!
على أرض سيناء خاضت الدولة المصرية ممثلة فى جيشها وشرطتها معارك طاحنة خلال العامين الأخيرين، وخلال العام الأخير تحديدا، ذلك أن اليدين اللتين تضربان كانت إحداهما تمتد من الأمام بينما تمتد الثانية من الخلف، من العاصمة، من قصر الحكم.. وعندما تفتح الملفات التفصيلية للأحداث التى جرت طوال هذه الشهور فسوف تلمع عيون وترتفع حواجب الكثيرين عجبا من قدر الخيانات والتحديات التى واجهتها الدولة المصرية هناك.
لعلك تعلم أن مرسى سمح بدخول الآلاف من الجهاديين المقاتلين القادمين من أفغانستان وباكستان وسوريا وفلسطين وليبيا والمغرب العربى والسودان ليستقروا فى سيناء، ولكن ربما لا تعلم أن ذلك كان جزءا من اتفاق إخوانى أمريكى باستقطاب 85 ألف جهادى فى العالم وإرسال معظمهم إلى سوريا لتحقيق عدة أهداف مزدوجة: تخفيف الضغط على أمريكا فى آسيا حتى يمكنها ترتيب أوراقها ورعاية مصالحها هناك. احتلال سوريا عن طريق هؤلاء الجهاديين برعاية أمريكا مما يحقق نوعا من التصالح وعودة المياه لمجاريها بين الإرهاب «الإسلامي» والإرهاب «الأمريكي». استغلال جزء من هؤلاء الإرهابيين لدعم جماعة الإخوان فى مصر من خلال ميليشيات جهادية تعتقل الشعب والدولة المصرية لعقود طويلة قادمة. هذه هى الصفقة الحقيقية بين إدارة أوباما والإخوان التى يقال إنها تضمنت دفع عدة مليارات من الدولارات لخيرت الشاطر، والتى تفجرت رائحتها العفنة فى الصحافة الأمريكية الأسبوع الماضى.
هل تعلم أيضا أن حوادث تفجير أنابيب الغاز التى كنا نسخر منها على صفحات فيسبوك كانت تتم فى أوقات بعينها ولتوجيه رسائل بعينها كانت تكتب أحيانا على الرمال أمام النيران المشتعلة من نوعية «الانتخابات قبل الدستور يا طنطاوي» أو «مرسى هو الرئيس القادم يا طنطاوي»، ولو أعدنا ترتيب حوادث تفجير خطوط الغاز تزامنا مع الأحداث السياسية فى القاهرة وعلاقة المجلس العسكرى السابق بالإخوان فسوف نكتشف مجموعة من التفاصيل المذهلة!!
هل تعلم كذلك أن الأيام السابقة على مذبحة رفح شهدت عددا كبيرا من الاعتداءات والمذابح الصغيرة التى لم نسمع بها لأننا كنا مشغولين بما يدور فى القاهرة من أحداث سياسية، وأن الجناة كانوا معروفين منذ اليوم الأول تقريبا.
لقد بات واضحا الآن أن هذه المذبحة دبرت برعاية الإخوان ومرسى شخصيا من أجل كسر عين الجيش المصرى، واستغلالها للإطاحة بقيادات الجيش القديمة والإتيان بقيادات جديدة يسهل قيادتها.. ولكن ما فات الإخوان، كما فات الإسرائيليين من قبلهم، أن الثأر من الهزيمة هو العقيدة الأسمى والأكثر تأصلا فى الجيش المصرى، وأن صمته وصبره طوال هذه الشهور المظلمة لم يكن إلا من أجل رد الصاع صاعين واستغلال الوقت من أجل إعادة البناء والتدريب والاستعداد للمعركة.
على مدار الشهور العشر الماضية، وعقب تولى الفريق أول عبد الفتاح السيسى لقيادة القوات المسلحة، كان الجيش الذى ترهل وفسد وانخفضت كفاءته بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك يستعيد قوته وكفاءته بسرعة مذهلة، وليس سرا كم المشاريع والتدريبات والتحركات التى قام بها الجيش طوال هذه الشهور.
المدهش حقا أن الجيش لم يحاول الرد السريع على عملية رفح، وحتى الآن لم تفصح قيادته عن أسرار ما حدث وأسماء المتورطين فيه، ولكنه قضى هذه الشهور فى مهام روتينية تمويهية، تشبه ما كان يفعله قبل حرب أكتوبر 73، ولم يتسرع حتى فى معاقبة المسئولين عن الجريمة مبديا لهم نوعا من «التخاذل» و«الضعف» التمويهى، فى الوقت الذى كان يجمع فيه المعلومات ويرصد مواقعهم ووسائل تسليحهم وإمكانياتهم، ويستعد لهم بما يناسبها من الخطط والامكانيات.. وهو ما يدعو إلى الحديث أيضا عن الدور الكبير الذى لعبته – وتلعبه- كل من المخابرات الحربية والعامة، التى قاومت محاولات “الأخونة” بشراسة، وسعت بقدر الإمكان إلى التماسك واستعادة قدرتها وهيبتها المفقودتين. وقد ساهم فى ذلك بالطبع مصادفة أن وزير الدفاع كان هو نفسه مدير المخابرات الحربية، التى استحوذت أيضا على الكثير من ملفات جهاز أمن الدولة السابق عقب ثورة يناير.. وهو ما خلق نوعا من التجانس الذى كان مفقودا بين الأجهزة المخابراتية الثلاثة.
من المعروف أيضا أن العناصر الجهادية الإرهابية استغلت اندلاع ثورة 25 يناير وانشغال المصريين بما يدور فى العاصمة من مظاهرات لإسقاط النظام من أجل ضرب الأمن فى مدن شمال سيناء، حيث قاموا بعشرات العمليات التى أدت إلى استشهاد عدد كبير من رجال الأمن وهروب عدد آخر، مما أخلى مساحة هائلة من التواجد الأمنى.
كنت أقول أن الجيش لم يحاول الرد السريع على عملية رفح، ولكنه استغلها لتمكين وجوده فى سيناء، وذلك عن طريق الاتفاق مع الطرف الإسرائيلى على دخول عدد كبير من القوات إلى المنطقة «ج» الممنوع تواجد قوات الجيش المصرى فيها وفقا لمعاهدة السلام، كما استغل واقعة خطف الجنود السبعة منذ شهرين لمزيد من التمكين التسليحى عن طريق الحصول على موافقة بدخول واستخدام طائرات الأباتشى فى المنطقة «ج»، وبعد انتهاء أزمة الجنود المخطوفين حافظ الجيش على طائراته هناك، بحجة القيام بمزيد من عمليات التفتيش والتأمين. هذه الطائرات هى التى تقوم حاليا بالدور الأكبر فى مواجهة ومطاردة الإرهابيين شمال ووسط سيناء!
ربما يكون من المبكر الآن الحديث عن حرب تحرير سيناء من إرهابيين الإخوان والجهاد، ولكن المؤكد أنها بدأت وأنها ستستغرق أسابيع طويلة قادمة، وأنها لن تنتهى إلا بواحدة من نتيجتين أصبحتا شعار القوات المسلحة مؤخرا: «النصر.. أو النصر مع الشهادة»!.