قنا تعلن عن قبول دفعة جديدة بمدارس التمريض للعام الدراسي الجديد    وزير التعليم العالي يطلق 3 برامج جديدة لتمكين الشركات الناشئة وحماية الملكية الفكرية    عبد الوهاب غنيم: الاقتصاد والتحول الرقمي يقودان العالم حاليًا| فيديو    وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يبحثون فرض عقوبات على إسرائيل    وزارة الدفاع السورية: الجيش يبدأ دخول مدينة السويداء عقب اشتباكات دامية في محيطها    الأمم المتحدة: 865 قتيلًا قرب مراكز المساعدات في غزة خلال ستة أسابيع    عاجل.. الاهلي يستعد لتعديل عقد نجم الأحمر    ميركاتو الصيف الساخن في القلعة الحمراء.. الأهلي يتعاقد مع 9 صفقات    تعليم جنوب سيناء تعلن نسبة النجاح بشهادة الدبلومات الفنية    الأرصاد ترد على شائعات البحر المتوسط: لا ظواهر جوية غير طبيعية وارتفاع الأمواج طبيعي    اليوم.. المؤتمر الصحفي للدورة 18 من المهرجان القومي للمسرح    عروض الماريونت والتنورة والأراجوز تبهر الأطفال في الملتقى الأول للعرائس التقليدية بالقليوبية    في أول ظهور له بعد 20 عام.. رحلة مع الكاتب الكبير يوسف معاطي على مدار 4 حلقات في "واحد من الناس"    انطلاق فعاليات مبادرة 100 يوم صحة بالفيوم    محافظ بني سويف يشهد انطلاق فعاليات حملة "100 يوم صحة"    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    «مصيرك في إيد الأهلي».. شوبير يوجه رسالة إلى أحمد عبدالقادر    محمد شكري: المقارنة مع معلول متشغلنيش..رفضت العودة للأهلي الموسم الماضي    سر في دعوة رونالدو.. خيسوس يكشف سبب الموافقة على تدريب النصر    وزير البترول: إنتاج الخامات التعدينية ارتفع 39% إلى 26 مليون طن خلال 2024    "الصحة" و"الزراعة" تعقدان ورشة عمل مبادرة «التقارب» لتعزيز تكامل السياسات الصحية والغذائية والمناخية    وكيل قطاع المعاهد الأزهرية ل«الشروق»: الدقة في تصحيح الثانوية الأزهرية أولويتنا    وزارة العمل: 3 فرص عمل في لبنان بمجالات الزراعة    القومي لحقوق الإنسان يعقد ورشة عمل حول العمال وبيئة العمل الآمنة    الثلاثاء 15 يوليو 2025.. تفاوت في أسعار اللحوم بمطروح    «مش كل الناس بتحب البحر».. أبراج تعاني من الضغط النفسي في المصيف    تحولات النص المسرحي المعاصر وتجارب الكتاب الجدد على مائدة المهرجان القومي للمسرح    قوات الاحتلال تعتقل أكثر من 32 فلسطينيا من الضفة الغربية    طائرات مسيرة تهاجم حقل خورمالا النفطي في منطقة كردستان العراق    الصحة: بدء تدريب العاملين المدنيين بوزارة الداخلية على استخدام أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    أمين الفتوى: المصريون توارثوا حكمة "اطلع شيء لله وقت الشدة".. والصدقة قد تكون بالمشاعر لا المال    تسجيل 17 مليون عبوة منتهية الصلاحية ضمن مبادرة «سحب الأدوية» (تفاصيل)    وزارة العمل: فرص عمل فى لبنان بمجالات الزراعة براتب 5000 دولار شهريا    «التعليم» و«التنظيم والإدارة» يتفقان على الاستعانة ب«المعلمين الناجحين» غير المعينين بالمسابقات (تفاصيل)    أمير كرارة وأبطال فيلم الشاطر يحتفلون بالعرض الخاص فى 6 أكتوبر.. اليوم    الاتحاد الأوروبي: اتفقنا مع إسرائيل على تحسين الوضع في غزة    مصرع وإصابة 5 أفراد من أسرة واحدة في حادث مروع    تفاصيل نمو مبيعات الأدوية بسبب ارتفاع الأسعار| فيديو    وزير الدفاع الألماني: يُجرَى الإعداد لتسليم نظامي باتريوت لأوكرانيا    الإصابات بالسعال الديكي في اليابان تتجاوز 43 ألف حالة خلال 2025    رئيس «قناة السويس» يبحث مع السفير الإيفواري التعاون في تطوير الموانئ والتدريب    بمشاركة شركات.. تفاصيل ملتقى توظيفي بفنون تطبيقية حلوان    أكلت بغيظ وبكيت.. خالد سليم: تعرضت للتنمر من أصدقائي بعد زيادة وزني    أحمد وفيق: عملت في الإضاءة والديكور وتمصير النصوص المسرحية قبل احترافي الإخراج    خبير يحذر من مغامرة إثيوبية تشكل خطورة على سد النهضة (التفاصيل)    أستاذ فقه بالأزهر: أعظم صدقة عند الله هو ما تنفقه على أهلك    الحكم محمد الحنفي يعلن اعتزاله    صفقة جديدة لزعيم الفلاحين.. المحلة يتعاقد مع لاعب كاميروني    بيراميدز يستفسر عن ثنائي الزمالك.. ويرفض التفريط في نجمه للأبيض (تفاصيل)    محامي المُعتدى عليه بواقعة شهاب سائق التوك توك: الطفل اعترف بالواقعة وهدفنا الردع وتقويم سلوكه    بدء إصلاح سنترال رمسيس جزئيًا.. وشكاوى من استمرار انقطاع الخدمة    السيطرة على حريق في مخلفات غزل ونسيج بالغربية    قريبًا.. البنتاجون يبدأ استخدام نموذج «جروك» للذكاء الاصطناعي المملوك لإيلون ماسك    «واشنطن» تُصعّد لهجة الانتقادات ضد «موسكو».. وتستعد لتزويد «كييف» بأسلحة هجومية    أمين الفتوى: صلاة المرأة في الأماكن العامة ليست باطلة (فيديو)    المنقلبون على أعقابهم!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 15-7-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة ذات الصواري
نشر في الفجر يوم 22 - 06 - 2013

أصيب الروم بضربة حاسمة في إفريقية، وتعرضت سواحلهم للخطر بعد سيطرة الأسطول الإسلامي على سواحل المتوسط من ردوس حتى برقة، فجمع قسطنطين بن هرقل أسطولا بناه الروم من قبل، فخرج بألف سفينة لضرب المسلمين ضربة يثأر لها لخسارته المتوالية في البر، فأذن عثمان رضي الله عنه لصد العدوان، فأرسل معاوية مراكب الشام بقيادة بسر بن أرطأة، واجتمع مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح في مراكب مصر، وكانت كلها تحت أمرته، ومجموعها مائتا سفينة فقط، وسار هذا الجيش الإسلامي وفيه أشجع المجاهدين المسلمين ممن أبلوا في المعارك السابقة؛ فقد انتصر هؤلاء على الروم من قبل في معارك عديدة، فشوكة عدوهم في أنفسهم محطمة، لا يخشونه ولا يهابونه، على الرغم من قلة عدد سفنهم إذا قيست بعدد سفن عدوهم.

خرج المسلمون إلى البحر وفي أذهانهم وقلوبهم إعزاز دين الله وكسر شوكة الروم.

أسباب معركة ذات الصواري
ولقد كان لهذه المعركة التاريخية أسباب، منها [1]:

1 - الضربات القوية التي وجهها المسلمون إلى الروم في إفريقية.
2 - أصيب الروم في سواحلهم الشرقية والجنوبية بعد أن سيطر المسلمون بأسطولهم عليها.
3 - خشية الروم من أن يقوى أسطول المسلمين فيفكروا في غزو القسطنطينية.
4 - أراد قسطنطين بن هرقل استرداد هيبة ملكه بعد الخسائر المتتالية برًّا، وعلى شواطئه في بلاد الشام ومصر وساحل برقة.
5 - كما أراد الروم خوض معركة ظنوا أنها مضمونة النتائج، كي تبقى لهم السيطرة في المتوسط، فيحافظوا على جزره، فينطلقوا منها للإغارة على شواطئ بلاد العرب.
6 - محاولة استرجاع الإسكندرية بسبب مكانتها عند الروم، وقد ثبت تاريخيا مكاتبة سكانها لقسطنطين بن هرقل ملك الروم.

أين وقعت هذه معركة ذات الصواري؟
وهذا السؤال لم يجد المؤرخون له جوابا موحدا؛ فالمراجع العربية لم تحدد مكانها، باستثناء مرجع واحد على ما نعلم صرح بالمكان بدقة، وآخر قال اتجه الروم إليه.

المصادر والمراجع الإسلامية
- في "فتح مصر وأخبارها" [2] ذكر الكتاب خطبة عبد الله بن سعد بن أبي السرح وقال: قد بلغني أن هرقل قد أقبل إليكم في ألف مركب. ولم يحدد مكان المعركة.

- "الطبري" [3] في أخبار سنة 31ه، ربط حدوث ذات الصواري بما أصاب المسلمون من الروم في إفريقية، وقال: فخرجوا في جمع لم يجتمع للروم مثله قط.

- ولم يذكر "الكامل في التاريخ" [4] مكان الموقعة أيضا، ولكنه ربط سبب وقوعها بما أحرزه المسلمون من نصر في إفريقية بالذات.

- وفي "البداية والنهاية" [5]: فلما أصاب عبد الله بن سعد بن أبي السرح من أصاب من الفرنج والبربر بلاد إفريقية، حميت الروم واجتمعت على قسطنطين بن هرقل، وساروا إلى المسلمين في جمع لهم لم ير مثله منذ كان الإسلام؛ خرجوا في خمسمائة مركب وقصدوا عبد الله بن سعد بن أبي السرح في أصحابه من المسلمين ببلاد المغرب.

- "تاريخ الأمم الإسلامية": [6] لم يذكر مكان الموقعة أيضا [7].

ورجح الدكتور شوقي أبو خليل أن المعركة كانت على شواطئ الإسكندرية، وذلك للأسباب التالية:
- كتاب "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" يذكر صراحة: غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية الإسكندرية [8].

- تاريخ ابن خلدون يذكر [9]: ثم بعث ابن أبي السرح السرايا ودوخ البلاد فأطاعوا وعاد إلى مصر، ولما أصاب ابن أبي السرح إفريقية ما أصاب، ورجع إلى مصر خرج قسطنطين بن هرقل غازيا إلى الإسكندرية في ستمائة مركب.

- ربطت المراجع العربية التي لم تحدد موقع المعركة بين حدوث المعركة وبين ما خسره الروم في شمال إفريقية بالذات.

- الأسطول الرومي صاحب ماض عريق، فهو سيد المتوسط قبل ذات الصواري، فهو أجرأ على مهاجمة السواحل الإسلامية، ولذلك رجح الدكتور شوقي أبو خليل مجيء الأسطول الرومي إلى شواطئ الإسكندرية لاستعادتها بسبب مكانتها عند الروم، ومكاتبة أهلها لملكهم السابق، وهو بذلك يقضي أيضا على الأسطول الفتي في مهده، الذي شرع العرب في بنائه بمصر، فتبقى للروم السيطرة والسطوة في مياه المتوسط وجزره.

المراجع الأجنبية

- المراجع الأجنبية تعرف ذات الصواري بموقعة فونيكة، وفونيكة هو ثغر يقع غرب مدينة الإسكندرية، بالقرب من مدينة مرسى مطروح، فهي تحدد الموقع تماما [10].

أحداث معركة ذات الصواري
قال مالك بن أوس بن الحدثان: كنت معهم في ذات الصواري، فالتقينا في البحر، فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط، وكانت الريح علينا -أي لصالح مراكب الروم- فأرسينا ساعة، وأرسوا قريبا منا، وسكتت الريح عنا، قلنا للروم: الأمن بيننا وبينكم، قالوا: ذلك لكم، ولنا منكم [11]. كما طلب المسلمون من الروم: إن أحببتم ننزل إلى الساحل فنقتتل حتى يكتب لأحدنا النصر، وإن شئتم فالبحر. قال مالك بن أوس: فنخروا نخرة واحدة، وقالوا: بل الماء الماء، وهذا يظهر لنا ثقة الروم بخبرتهم البحرية، وأملهم في النصر لممارستهم أحواله وفنونه، مرنوا عليه فأحكموا الدراية بثقافته وأنوائه فطمعوا بالنصر فيه، خصوصا أنهم يعلمون حداثة عهد المسلمين به [12].

بات الفريقان تلك الليلة في عرض البحر، وموقف المسلمين حرج، فقال القائد المسلم لصحبه: أشيروا عليَّ؟ فقالوا: انتظر الليلة بنا لنرتب أمرنا ونختبر عدونا، فبات المسلمون يصلون ويدعون الله -عز وجل- ويذكرونه ويتهجدون، فكان لهم دوي كدوي النحل على نغمات تلاطم الأمواج بالمراكب، أما الروم فباتوا يضربون النواقيس في سفنهم، وأصبح القوم، وأراد قسطنطين أن يسرع في القتال، ولكن عبد الله بن سعد بن أبي السرح لما فرغ من صلاته إماما بالمسلمين للصبح، استشار رجال الرأي والمشورة عنده، فاتفق معهم على خطة رائعة: فقد اتفقوا على أن يجعلوا المعركة برية على الرغم من أنهم في عرض البحر، فكيف تم للمسلمين ذلك؟ أمر عبد الله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم فاقتربوا حتى لامست سفنهم سفن العدو، فنزل الفدائيون أو رجال الضفادع البشرية في عرفنا الحالي إلى الماء، وربطوا السفن الإسلامية بسفن الروم، ربطوها بحبال متينة، فصار 1200 سفينة في عرض البحر، كل عشرة أو عشرين منها متصلة مع بعضها، فكأنها قطعة أرض ستجري عليها المعركة، وصفَّ عبد الله بن سعد المسلمين على نواحي السفن يعظهم ويأمرهم بتلاوة القرآن الكريم، خصوصا سورة الأنفال؛ لما فيها من معاني الوحدة والثبات والصبر [13].

وبدأ الروم القتال، فهم في رأيهم قد ضمنوا النصر عندما قالوا: بل الماء الماء، وانقضوا على سفن المسلمين بدافع الأمل بالنصر، مستهدفين توجيه ضربة أولى حاسمة يحطمون بها شوكة الأسطول الإسلامي، فنقض الروم صفوف المسلمين المحاذية لسفنهم، وصار القتال كيفما اتفق, وكان قاسيا على الطرفين، وسالت الدماء غزيرة اصطبغت بها صفحة الماء، فصار أحمر، وترامت الجثث في الماء، وتساقطت فيه, وضربت الأمواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل، وقتل من المسلمين الكثير، وقتل من الروم ما لا يحصى، حتى وصف المؤرخ البيزنطي "ثيوفانس" هذه المعركة بأنها كانت يرموكا ثانيا على الروم [14]. ووصفها الطبري بقوله: إن الدم كان غالبا في الماء في هذه المعركة [15]، حاول الروم أن يغرقوا سفينة القائد المسلم عبد الله بن أبي السرح، كي يبقى جند المسلمين دون قائد، فتقدمت من سفينته سفينة رومية، ألقت إلى عبد الله السلاسل لتسحبها وتنفرد بها، ولكن علقمة بن يزيد الغطيفي أنقذ السفينة والقائد بأن ألقى بنفسه على السلاسل وقطعها بسيفه [16].

وصمد المسلمون رغم كل شيء، وصبروا كعادتهم في معاركهم، فكتب الله -عز وجل- لهم النصر بما صبروا، واندحر ما تبقى من الأسطول الرومي، وكاد الأمير قسطنطين أن يقع أسيرا في أيدي المسلمين -كما ذكر ابن عبد الحكم- لكنه تمكن من الفرار لما رأى قواه تنهار وجثث جنده على سطح الماء تلقى بها الأمواج إلى الساحل. لقد رأى أسطوله الذي تأمل فيه خيرا ونصرا وإعادة كرامة يغرق قطعة بعد قطعة، ففر مدبرا والجراحات في جسمه، والحسرة تأكل فؤاده، يجر خيبة وفشلا، فوصل جزيرة صقلية [17]، وألقت به الريح هناك، فسأله أهله عن أمره فأخبرهم، فقالوا: شمت النصرانية، وأفنيت رجالها، لو دخل المسلمون لم نجد من يردهم [18] فقتلوه، وخلوا من كان معه من المراكب [19].

نتائج معركة ذات الصواري
1 - كانت ذات الصواري أول معركة حاسمة في البحر خاضها المسلمون، أظهر فيها الأسطول الفتيُّ الصبر والإيمان، والجَلَد والفكر السليم بما تفتَّق عنه الذهن الإسلامي من خطة جعلت المعركة صعبة على أعدائهم، فاستحال عليهم اختراق صفوف المسلمين بسهولة، كما استخدم المسلمون خطاطيف طويلة يجرون بها صواري وشرع سفن الأعداء، الأمر الذي انتهى بكارثة بالنسبة للروم.

2 - كانت ذات الصواري حدا فاصلا في سياسة الروم إزاء المسلمين، فأدركوا فشل خططهم في استرداد هيبتهم، أو استرجاع مصر أو الشام، وانطلق المسلمون في عرض هذا البحر الذي كان بحيرة رومية، وانتهى اسم بحر الروم إلى الأبد، واستطاع المسلمون فتح قبرص وكريت وكورسيكا وسردينيا وصقلية وجزر البليار، ووصلوا إلى جنوة ومرسيليا.

3 - قتل قسطنطين فتولى ابن قسطنطين الرابع من بعده، وكان حَدَثًا صغير السن، مما جعل الظروف مواتية لقيام حملة بحرية وبرية إسلامية تستهدف عاصمة روما "القسطنطينية" فيما بعد.

4 - الإعداد الروحي قبل المعركة -أو ما يسمى بالتوجيه المعنوي في أيامنا هذه- له قيمته في تحقيق النصر؛ حيث تتجه القلوب إلى الله بصدق، فهذا المؤمن الذي بات ليله في تهجد وذكر، يستمد العون من الله، من عظمته وعزته، بعد أن هيأ الأسباب، يلقى الأعداء بروح عالية لا يهاب الموت، فالله أكبر من كل شيء، وهذه المعارك التي نصف أحداثها التاريخية هي وصفة طبية نعرضها للتطبيق والنهج، لنستفيد منها في حياتنا؛ فحياة الصحابة ما هي إلا للقدوة وسيرة للاتباع [20].

5 - أصبح البحر المتوسط بحيرة إسلامية، وصار الأسطول الإسلامي سيد مياه البحر المتوسط، وهذا الأسطول ليس للتسلط والقرصنة بل للدعوة إلى الله وكسر شوكة المشركين، ونشر الحضارة المنبثقة عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

6 - عكف المسلمون على دراسة علوم البحرية، وصناعة السفن، وكيفية تسليحها، وأسلوب القتال من فوقها، وعلوم الفلك المتصلة بتسييرها في البحار، ومعرفة مواقعهم على المصورات البحرية المختلفة، فيما بعد، فعرفوا الاصطرلاب "البوصلة الفلكية"، وطوروها إلى المدى الذي استفاد منه بعد ذلك البحارة الغربيون أمثال: كرستوف كولومبس، وأمريكوفيسبوشي في اكتشافاتهم [21].

7 - لقد كانت هذه المعركة مظهرا من مظاهر تفوق العقيدة الصحيحة الصلبة على الخبرة العسكرية والتفوق في العدد والعُدَد، فلقد كان الروم هم أهل البحر منذ القدم، وقد مروا بتجارب طويلة في الحروب البحرية، بينما كان المسلمون حديثي عهد بركوب البحر والقتال البحري، ولكن الله تعالى أدلى المسلمين عليهم برغم التفوق المذكور؛ لأنه سبحانه قد سخر أولئك المؤمنين لنشر دينه وإعلاء كلمته في الأرض. وإن مما يشاد به في هذه المعركة قوة قائدها عبد الله بن سعد بن أبي السرح ورباطة جأشه، ومقدرته الجيدة على إدارة الحروب، وهي بعد ذلك لون من ألوان بسالة المسلمين واستقالتهم في الحروب بأنفسهم في سبيل إعزاز دينهم ورفع شأن دولتهم [22].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.