وزير المالية الإخوانى دفع ثمن مساندته لخصم عبدالله شحاتة دراج رفضه الناس فى انتخابات مجلس الشعب فحصد وزارتين لا علاقة له بأى منهما
منذ بدء الإعلان عن التعديل الوزارى، وثمة مراكز ومقرات محلية والأهم أجنبية تنتظر ما يسفر عنه هذا التعديل، فالقضية هذه المرة ليست مجرد تعديل وزارى أو حتى تغيير وزارى يعصف برئيس حكومة، ويأتى بآخر، وفى الغالب فإن التعديلات الوزارية فى أى حكومة لا تحصد اهتمام الوكالات والصحف الأجنبية، ولكن هذا التعديل احتل الأخبار الأولى فى هذه الوكالات. ربما لأن الأمر لا يتعلق بمصير هذه الحكومة أو مصير هشام قنديل، ولكن الأمر يتعلق بمصير مصر أو بالأحرى مستقبل الصراع السياسى فى البلد، قبل نحو شهرين زار مساعد وزير الخارجية الأمريكى مصر، وجلس مع قيادات مكتب الإرشاد، وكانت النصيحة الأمريكية تغيير الحكومة، واختيار رئيس حكومة من وزن الدكتور البرادعى أو عمرو موسى.. على بلاطة وباختصار كانت النصيحة استيعاب جبهة الإنقاذ وتقليص مساحة الاستقطاب السياسى الحاد فى مصر، هذه النصيحة سمعها الإخوان من مدير صندوق النقد الدولى كريستن لاجارد ومجموعة القرض، النصيحة هذه المرة اقتصادية، فبدون التوافق السياسى يصعب وربما يستحيل تمرير الإجراءات الصعبة للحصول على قرض صندوق النقد، واستمرار الفوضى السياسية يجعل الحديث عن عودة السياحة أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة صعب ما لم يكن مستحيلاً، بحسب المعلومات فإن رجل الإخوان القوى الشاطر كان يبدى موافقة على هذا الحل المتعارض مع خطته للتمكين، ولكن هذه المرونة تلاشت بعد وعد قطر بمنح مصر ثلاثة مليارات دولار فى شكل سندات، فالإخوان بقلة خبراتهم الاقتصادية تصوروا أن حاجتهم للصندوق قد أصبحت أقل وطأة بعد قرض قطر، أسوأ من قلة الخبرة هو الطمع واحتكار السلطة، فصقور الإخوان انتصروا فى النهاية على بعض العقلاء منهم، هذا التعديل الوزارى هو رسالة مباشرة وصريحة بأن الإخوان غير قادرين على العيش مع الآخر أى آخر، حتى لو كان هذا الآخر من حلفائهم من الإسلاميين، فالإخوان احتكروا الوزارات الخدمية والسيادية والاقتصادية على حد سواء، لقد حرق الإخوان آخر مراكبهم مع الإسلاميين حلفاء الأمس أو بالأحرى حلفاء الانتخابات، ولكن الحقيقة أن الإخوان حرقوا أيضا رجلهم فى الرئاسة مرسى، لأنهم مرة أخرى مرسى ثانية وعاشرة حرقوا مراكبه فى الداخل والخارج معا.
محلل وسنيد وبينهما إخوانى
كان حكماء الإخوان ومن بينهم الدكتور سعد الكتاتنى يفضلون عددًا أكبر من الوزراء التكنوقراط أو الخبراء، وعلى الرغم من أن هذا الفريق لا يزال الأضعف فى مواجهة فريق الصقور، إلا أن كثرة الاعتذارات من جانب الخبراء قد زادت من صعوبة الموقف. فكثير ممن عرضوا عليهم الوزارات كانوا مؤمنين بأنهم مجرد محلل لعدة شهور حتى يحجز الوزارة لإخوانى آخر أو سنيد لصالح إخوانى آخر، وتكثف قصة وزارة المالية هذا الشعور بوضوح وقح، فقد عبر مصرفى يعمل بالخارج عن هذه الفكرة بوضوح وصراحة، وكان هذا المصرفى القدير قد عرض عليه وزارة المالية، وأبدى الرجل اعتذارًا لطيفًا وتعلل بمهام الوزارة وأعبائها، ففؤجى بمن يخبره بأن الوزارة محجوزة لرئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة الدكتور عبد الله شحاتة، وأنهم يريدون وزيرًا لكام شهر حتى الانتخابات، وقد خشى معظم من عرض عليهم هذه الوزارة من القبول لوجود شحاتة الذى يمارس مهام الوزير من الباطن، ولذلك لم يستطع حتى الوزير الإخوانى المرسى حجازى أن يستمر معه، فقد كان الأولى أن يستمر وزير المالية الحالى حتى الانتخابات، ولكن شحاتة فوجئ بأن المرسى يريد مصالحة كبير مفاوضى مصر مع صندوق النقد الدكتور هانى قدرى الذى قدم استقالته من وزارة المالية.. وذلك بسبب تدخلات شحاتة فى عمله، فقدم له وفريقه استقالة فى عز الاتفاق مع الصندوق، بداية المشاكل بين شحاتة ووزير المالية المرسى ترجع إلى المباحثات الأخيرة مع صندوق النقد التى جرت فى واشنطن، فقد احتفظ شحاتة لنفسه بتعليمات الجماعة حول البرنامج الاقتصادى للحكومة. وفاجأ الوزير بها أمام بعثة الصندوق.
هذه الأجواء تمثل حاجزًا حقيقيًا لدى أى خبير أو تكنوقراط من التعامل مع الإخوان.
وماحدث مع المرسى حجازى فى المالية تكرر مع أشرف العربى فى وزارتى التخطيط والتعاون الدولى، فقد فوجئ الرجل وهو وسط مباحثات الحكومة مع الصندوق بالأخبار تتوارد من القاهرة. عرف العربى أن الإخوان ستقسم الوزارة إلى تخطيط، وتعاون دولى، وسرعان ما ظهرت فى واشنطن نكتة أن العربى سافر بوزارة، وسيرجع بنص وزارة.
فى القاهرة عرض الإخوان على أشرف العربى أن يترك التخطيط، ويحتفظ بوزارة التعاون الدولى منفصلا. ورفض العربى لأن مجال تخصصه الأساسى هو التخطيط، فتعامل الإخوان مع العربى بمنطق «أحسن جاءت منه» وخرج العربى لأنه رفض أن يصبح مجرد سنيد لقيادة إخوانية.
التمكين الاقتصادى
هذة القيادة الإخوانية هو الدكتور عمرو دراج. دراج أستاذ جامعى بهندسة القاهرة، وتخصص تربة. وقد أصبح بقدرة قادر وزيرًا للتخطيط والتعاون الدولى معا، ووزارة التخطيط تحديدا لا تعانى من أزمة فى اختيار وزيرها، فلدينا المعهد القومى للتخطيط، أو مدرسة التخطيط فى الوطن العربى. وفى الغالب كان وزير التعاون الدولى يأتى أيضا من وزارة مدرسة التخطيط وأحيان أخرى من الخارجية. ولكن اختيار دراج يأتى فى إطار مرحلة التمكين الإخوانى على المجموعة الاقتصادية فى الحكومة، بخبرتهم التنظيمية استحوذ الإخوان فى الحكومة الأولى لقنديل على المجموعة الوزارية الخدمية تعليم، تموين، شباب، إدارة محلية. ولكن سرعان ما اكتشف الإخوان أن التمكين الفعلى يبدأ من المجموعة الاقتصادية، المالية تتولى توزيع الاعتمادات المالية على بقية الوزارات، والتخطيط يتولى وضع خطة الدولة وتخصيص الاعتمادات للمشروعات والمحافظات حتى أصغر قرية. والاستثمار يعيد رسم خريطة رجال الأعمال والمستثمرين عربًا أو أجانب أو مصريين. ولذلك لم يجد الإخوان غضاضة فى تولى حامد محيى وزارة الاستثمار. حامد مجرد خبير تسويق وكان أحد أهم رجال الجماعة فى حملة مرسى الانتخابية. ويعرف الإخوان رغم جهلهم الفارق بين الاستثمار والتسويق. ولكنهم يريدون رجلاً منهم لتعديل الخريطة الاستثمارية فى مصر، واسبتعاد فئة مستثمرين محليين وعربًا لصالح أهل البزنيس الإخوانى والقطرى والتركى، فقد كان من ضمن أخطاء وزير الاستثمار السابق أسامة صالح إطلاقه لجنة لحل مشاكل المستثمرين السعوديين. وبنفس المنطق، منطق الاستحواذ من المنبع. جاء اختيار وزير البترول الجديد، فإذا أردت أن تسيطر على خريطة الاكتشافات واستيراد الغاز وتوزيع البوتاجاز والسولار، فليس أمامك إلا اختيار وزير بترول إخوانى محض، الآن أكمل الإخوان سيطرتهم على المجموعة الاقتصادية، وذلك باستثناء محافظ البنك المركزى، فقد تم تغيير وزير الزراعة بالمرة وذلك للسيطرة على كل ما يتعلق بالفلاحين والقمح والحاصلات الزراعية. وكل هذه الملفات تسهم أو بالأحرى تكمل إحكام السيطرة الإخوانية على منابع الاقتصاد المصرى من ناحية، وإظهار أن التعديل الوزارى ضخم ومؤثر من ناحية أخرى.
وفى سبيل هدف السيطرة ضحى الإخوان بعدة مبادئ سياسية، ولكن الإخوان بشكل عام وتاريخى لا يثبتون على مبدأ، ويغيرون خططهم طبقا للميزة التى سيحصلون عليها، ولذلك قد يبدو من باب الترف أن نتحدث عن المواءمة السياسية الغائبة فى التعديل الوزارى.
عار التعديلات
يمثل تعيين عمرو دراج لوزارة التخطيط والتعاون الدولى خطيئة من أكثر من جانب، فالرجل لا يملك خبرة ولادراية لا بعلم التخطيط ولا فى ملف التعاون الدولى. وحتى عندما منحه الإخوان لجنة فى مجلس الشورى فقد اختاروا له لجنة الشئون الخارجية، ولا يمكن أن يكون الرجل سوبر فى الهندسة والشئون الخارجية والتخطيط، ولكن الإخوان أرادوا برئاسة اللجنة البرلمانية أن يصنعوا له تاريخًا ولو قصيرًا فى الملف الخارجى. وذلك تمهيدا لمنحه التعاون الدولى وهو ملف المنح والمعونات، والإخوان يريدون السيطرة على الاثنين معا. وبشكل خاص منع المنح والمعونات عن المنظمات الحقوقية التى يكرهها الإخوان كراهية العمى. وبتعيين دراج يمكن السيطرة على هذه المنح من المنبع. واختيار الموضوعات التى تذهب إليها المنح الأجنبية، وذلك بدلا من الاكتفاء بدور وزارة الشئون الاجتماعية فى العكننة على المنظمات الحقوقية، ولكن كل ذلك لا يبرر الخطيئة السياسية التى وقع فيها الإخوان باختيار دراج للوزارة بشكل عام، فقد خاض الدكتور دراج انتخابات مجلس الشعب المنحل، وذلك فى دائرة الدقى وسقط فى الانتخابات أمام الدكتور عمرو الشوبكى، وقد كانت هذه المعركة أو بالأحرى فشل دراج من ضمن مآسى الإخوان الشهيرة فى هذه المعركة. ومن عالم السياسة بمصر وخارجها لا يجوز اختيار وزير فشل فى الانتخابات، فمن رفضته الجماهير فى الانتخابات لا يجب فرضه عليها بالتعيين فى الحكومة.
لم تكن سقطة عمرو دراج هى الوحيدة فى التعديل الوزارى، فالإخوان يهاجمون القضاة ليل نهار ويزعمون أنهم يريدون تطهير القضاء ممن عينهم مبارك، وذلك للتغطية على مذبحة القضاة وخفض السن لإبعاد 3500 قاض من شيوخ القضاء، وعلى الرغم من رفضى لهذه الفكرة فإن الإخوان سقطوا مرة اخرى بتعيين المستشار حاتم بجاتو وزيرا فى الحكومة. لأن بجاتو صدر له قرار تعيين من مبارك وينطبق عليه نفس قاعدة ال3500 قاض.
ولكن الأكثر إثارة فى تعيين بجاتو أن الإخوان فى المجلس المنحل وضعوا نصا فى قانون الانتخابات الرئاسية، هذا النص كان يحظر على كل أعضاء لجنة الانتخابات الرئاسية تولى مناصب تنفيذية خلال مدة الرئيس المنتخب. ورأت المحكمة الدستورية أن هذا النص غير دستورى وتم حذفه. ولكن حذف المادة أو رأى الدستورية لا يؤثر فى المواءمة السياسية التى كانت وراء هذا النص، فمن غير المقبول أن يعين رئيس الجمهورية أعضاء من اللجنة التى أشرفت على عملية انتخابه فى مناصب تنفيذية. «بالبلدى» شكلها «وحش» جدا، وتثير الشائعات وتفتح باب الأقاويل، وإذا كانت المحكمة الدستورية قد رأت فى الحظر عقوبة تتعارض مع الدستور، فإن الرئيس كان يجب أن ينأى بنفسه عن اختيار أمين عام، وليس عضوًا عاديًا فى لجنة الانتخابات فى منصب وزارى. وذلك قبل مرور عام على انتخابه. ولذلك لا يجب أن يتوقع مرسى وإخوانه أن يمر تعيين المستشار حاتم بجاتو فى الحكومة مرور الكرام، فهذه السقطة تفتح الباب أمام كل الاحتمالات والشائعات، وتجعل الربط بين الانتخابات الرئاسية أو بالأحرى نتائجها وتعيين بجاتو وارداً، وساعتها أرجو ألا تعزف الإخوان الألحان الجنائزية، مرة لحن المؤامرة، ومرة أخرى لحن إهانة الرئيس فالمؤامرة والإهانة تأتى بالجهود الذاتية المخلصة جدا من الإخوان.