اطلق طفلك يلهو ويلعب غير مبالى بأوامرك ونواهيك ، يتعمد الذهاب الى حيث منعته ان يذهب واذا قسوت عليه ومنعته من اصدار الضجيج ، يتراقص فى صمت يتماشى مع طفولته ويرضى غرورك الذى يمنعك من النظر اليه بالرغم ان اهتمامك عكس نظراتك لم ينصرف عنه ،يستمتع بتلك المساحة الضيقة التى تتركها له فيجعل منها عالمه الخاص المليئ بالألوان والذكريات،لا تؤثر فيه تغيرات نفسك ، ولاتوقفه خبراتك السيئة عن اكتشاف الجديد او حتى تكرار الذى سبق ولم يعجبك؛ على الرغم من قسوتك معه وكبحك لزمام جموحه ،بل وقهره احيانا فأنه لايتوانى ان يشاركك تلك المساحة الضيقة الذى سبق وحصرته فيها ، فتعود لحياتك بروح جديدة ونفس نقية ،وبالرغم من استمتاعك واخلاصه فإنك ترفض ان تزيد له مساحته بدعوى الكبرياء ويظل هو ينظر من خلف حواجزك ببريق ملئ عينيه مرتقبا تلك اللحظة التى تشتاق له فيها وتحن للألوان وزكريات مساحته فتطلق سراحه ... انه الطفل الذى بداخلك . تذكر اتذكر كم ان طفولتك كانت رائعة وكم انك كنت بلا مسؤليات ولا مشاكل ،اتذكر وقت كانت اقصى مشكلاتك هى فروضك المدرسية وامتحان الشهر ، وتلك الحلوى التى تشتريها دون معرفة امك ، وذلك الزميل المشاغب الذى يتعمد مضايقتك فى الفصل ،هل تتذكر حصة الالعاب ومدى انتظارك لها وشعورك عندما تأتى امك لاصطحابك منتصف اليوم الدراسى ، هل تتذكر يوم الجمعة صباحا، الرسوم المتحركة ، وعندما بدأ بث "سبيس تون " لمدة ساعة على القناة الثانية ، فرحتك عندما احضر لك اول "اتارى " ذو الشرائط والذراع الواحد ، اللعب مع اصدقائك فى الشارع ، فرحتك بفانوس رمضان واللهو به مع اقاربك واخوتك ، العيد والعيدية والملابس الجديدةالتى تنام محتضنا لها وصلاة العيد بالجلباب الابيض ، مشاهدة الأضاحى فى عيد الاضحى .... اتذكر نظرتك للبالغين من اهلك وأقاربك اتذكر كيف كنت تحسدهم لانهم لاينامون باكرا وانهم ليس لديهم فروض يؤدونها وليس لديهم امتحانات ، واخيرا كم مرة نظرت الى طفل واشتقت الى هذه الايام ؟ بل وحسدته على ماهو فيه من راحة بال ، كم مرة استوقفتك رسوم متحركة اثناء بحثك فى التلفاز وذكرتك بالذى مضى ... كم مرة اشتقت ان تعود طفلا ؟! . روح بلا عمر ان كل شخص منا مكون من روح وجسد و لكل من هما ( الروح والجسد) طبيعة خاصة فالجسد طبيعته الفناءوالتغير والروح طبيعتها البقاء والثبات لأنها نفخة الله وسره ، فالروح منذ تهب الينا ونحن فى بطون امهاتنا تكون بنفس الحالة التى تكون عليه وانت تقرأ المقال الان ، لكنها تأخذ وقتا لتتأقلم مع تلك الحاوية (الجسد) وتتعلم كيف تستخدم امكانياته "المحدودة " ؛ ان مايفرق روح عن روح هو الخبرات التى يمر بها صاحبها ،إذن فالروح لا تكبر ولا تتغير انما تتشكل بالتجارب والخبرات ، اى ان الروح التى لدى الطفل الرضيع هى نفس الروح التى يمتلكها ذلك الرجل الطاعن فى السن لكن بإختلاف الخبرات والتجارب فأنت قد تجد طفل فى حكمة لقمان وشيخ وكأنما استأصل عقله ؛ لما جعل الله أجسادنا تتغير ويبدو عليها علامات الزمن فإنما جعل ذلك ليكون بمثابة منذر لنا بدنو الاجل فنحسن اعمالنا وتأكيد منه على حقيقة الدنيا وكونها فانية ،لذا لاتفكر او حتى تعتقد انك قد كبرت على ان تكون طفلا ، ولا تجعل التغيرات التى تطرأ على جسدك ذو الامكانيات المحدودة تكبت روحك الا محدودة ، ان الله يهب لكل مننا روح نقية كاملة ،تشكلها تربيتنا وخبراتنا فيكون لروح كل منا شكل متماثل مع فكره وخبراته .... ان روحك فى يديك شكلها كما تشاء وتذكر ان اعمارنا تتقدم واجسادنا تبلى ولكن تبقى دائما وابدا ارواحنا بلا عمر ! . اطلق طفلك ان الطفل الذى بداخلك ينتظر ان ينطلق ، وانا اعدك انك اذا اطلقته فإنك ستشعر براحة لم تستشعرها من قبل ... أذهب الى الاماكن التى كنت تحب ان تلعب فيها وانت صغير ، ابحث عن رقم صديق طفولتك واتصل به وقابله وتذكروا سويا ذكريات الطفولة ، مر على صديقك فى منزله وصفر له كسابق عهده بك واراهنك انه سيندفع الى الشرفة و فى وجهه ابتسامة تملأه ولسان حاله يقول : " يااااااه انه فلان لا احد غيره يصفر هكذا " ، اخرج صندوق العابك وتذكر ماذا كنت تسمي كل منهم وكيف كنت تلعب بهم ، شاهد الكارتون الذى كنت تحبه وانت صغير وتذكر احداثه وغنى معه تتر البداية والنهاية ، اغلق عليك غرفتك وشغل اكثر اغنية كنت تحبها واطلق له العنان "طفلك "وحينها قد تكتشف كم انت بارع فى الرقص ، إقضى وقت اكبر مع اخوتك الاصغر منك سنا واندمج معهم ، أذهب الى مكان مفتوح واجرى و حرر قيود ساقيك واتركهما ليتوقفا حين تفرغ طاقتك او يرهقا ... بعد اى من هذه الأعمال ستجد نفسك تقف وتنظر نظرة متأملة فى اللاشئ يصحبها تنهيدة وكلمة "ياااااااااااااااااه" وراحة لا مثيل لها . انا ادعوك لان تطلق كل ما بداخلك وليس طفلك فقط ،لا ادعوك ان تتمنى رجوع شئ فقدته لكنى ادعوك ان تكون قادرا على ان تمد نفسك بما تحتاجه من مشاعر ... ان لكل مرحلة حلوها فلا تضيع ماتعيشه الان بالتفكير فى مافات فتندم غدا ندما مضاعفا ، وأخيرا كلما شعرت بأنه ضاق عليك كبرك وعقلك من الفكر انفلق ... توقف للحظة وقل لطفلك أنطلق .