حين ترتفع أصوات المعارضة يجب على النظام أن يُنصت ويهتم.. وحين يختلط الحق بالباطل يجب على الحكماء أن يعوا الفرق.. وحين تصبح الفوضى سمة وطن يجب على القادة أن يعيدوا حساباتهم.. وحين تسقط الرموز المحترمة يجب على الحكومات أن تبحث عن بدائل.. فى جُملة واحدة.. حين تنزلق الأوطان يجب أن تتشابك الأيادى لتتلقفها.. يقول جيفارا «كلّ الناس تعمل وتكدّ وتنشط لتتجاوز نفسها، لكنّ الهدف الوحيد هو الربح.. وأنا ضدّ الربح ومع الإنسان.. ماذا يفيد المجتمع، أى مجتمع، إذا ربح الأموال وخسر الإنسان؟»..
لكن ونحن على أعتاب خسارة الإنسان والأموال معا.. تُرى ماهو الحل؟
تعودنا فى مصر طويلا أن يتولى المناصب القيادية أشخاص بلا مؤهلات ولا رؤى ولا حتى بصيرة.. تعودنا أن يكونوا إما مُتملقين أو كاذبين أو الاثنين معا.. ولكن حين انتفض الشعب وقامت الثورة كان لدينا أمل بأن يتغير مفهوم القيادة ويصبح لدينا حكومة ورئيس وبرلمان قادرين على قيادة مصر للوصول بها إلى غد البناء وحلم النهضة..
أتذكر اليوم كلمات الرئيس مرسى أيام كان يروج لمشروع النهضة فى حملته الانتخابية وتصريحاته من أجل القضاء على الفساد والقصاص للشهداء والازدهار الاقتصادى ومحاكمة رموز الفساد..
أتذكر كلماته وأضرب كفا بكف.. فهل يُغير الكرسى البشر حتى رجال الدين؟..
فالرجل الذى أقسم بالقصاص يديه تلوثت بالدماء اليوم بعد سقوط الشباب والأطفال قتلى تحت عجلات عربات الأمن المركزى وميليشيات الإخوان.. الرجل الذى وعد بمحاكمات عادلة يتفاوض مع رموز النظام السابق فى الخفاء.. الرجل الذى وعد برخاء اقتصادى نزفت بورصته وركدت سياحته واشتعلت الأسعار نارا بسبب إفلاس حكومته، وتأرجح وطن بأكلمه فى يديه بعد توليه المنصب بين الانهيار والفناء..
نحن أمام وضع لا نُحسد عليه، ومصر الحلم أصبحت كابوسا.. ومشروع النهضة طلع فنكوش!.. لكن ونحن أمام نظام فقد السيطرة الكاملة على مقاليد الوطن.. فلم يعد هناك احترام لكبير ولا هيبة لمؤسسات، أصبح السؤال الحائر: أين الكفاءات؟ وأين القيادات؟.. هل فقدت مصر قدرتها على الإنجاب فى الثلاثين عاما الماضية، فأصبحت أرضا بور لا تطرح سوى الأشواك؟
إن بورسعيد تحولت اليوم إلى بركان ثائر والمنصورة تغلى وباقى المحافظات تنتحب..
والنظام يدعو للانتخابات البرلمانية ويؤكد على استكمال المسيرة التى لم يبدأها بعد!.. الإصرار غير المفهوم على عمل انتخابات فى موعدها وسط اضطرابات ووقفات ومسيرات وفوضى عارمة يدل على أن جماعة الإخوان لا تهتم سوى بحلم التمكين الزائف.. والتمكين من وطن يحتضر لا يختلف كثيرا عن اغتصاب جثة فتاة هامدة.. فعل يدل على التجرد من المشاعر ومنتهى اللامبالاة والساديزم..
إذن هو البرلمان ليكتمل السيرك الذى نصبه الإخوان للشعب؟ ولكن كيف سنمضى للأمام بدستور باطل وبرلمان ديكتاتورى وحكومة بائسة ونظام أعمى؟
فحين يطالب عدد هائل من المصريين بإسقاط الرئيس ويسلبونه شرعيته، فى حين لايزال هو يرى أنه الرئيس المنتخب صاحب الحق فى البقاء 4 سنوات حتى وإن لم يقدم شيئا!.. هنا يبدو أن التواصل بين شعب يصرخ ونظام أصم أصبح مستحيلا..
حتى وإن لم أتفق معك سيدى فدعنى أقل لك إن السبيل الوحيد للخروج من النفق هو النهوض وليس النهضة.. والنهوض لن يتحقق سوى بحكومة تكنوقراط.. وتكنوقراط بمعنى أن يتم اختيار مجموعة من الوزراء أصحاب الرؤى لإدارة المرحلة، فهشام قنديل بوزارته بسلطاته ببابا غنوجه يجب أن يرحل!..
سيدى الرئيس فلتنس الانتخابات، ولتنظر قليلا إلى الشارع الذى يحترق نارا وهو على فوهة بركان الغضب!.. الفوضى التى صدقنى قولا، لن تستطيع أنت ولا حزبك حتى بعد التمكن الكامل من مفاصل الدولة السيطرة عليها، فقد أفلت زمام الشارع!..
سيدى الرئيس.. حتى وإن لم تسقط شرعيتك.. فقد سقطت شعبيتك! وهذه هى الخسارة الأكبر..
زيارة جون كيرى أثارت حفيظة الناس، ومحاولاته الفاشلة للزج بجبهة الإنقاذ فى الانتخابات شُبهة تؤكد على نظرية الأصابع الأمريكية.. بل وتؤكد أيضا أن قرار الجبهة لمقاطعة الانتخابات قرار صائب وحكيم، لأنه ببساطة يضع الإخوان وأمريكا معا فى مأزق!.. فاكتساح البرلمان من قبل الإسلاميين واقع سواء تم بإرادة المغيبيين أو بإرادة التزوير!.. وموقف أمريكا الخائب من التهليل للديمقراطية وحريات الشعوب التى تضع أمريكا قبضتها على قصبتهم الهوائية نوع من التزوير السياسى الفج.. فالديمقراطية لفظ تتشدق به الدولة العظمى التى أصبحت من مشجعى الإرهاب فى الفترة الأخيرة لمجرد أنه يحقق مصالحها..
سيدى الرئيس أنت اليوم مُجبر على الانحياز التام للشعب، وعليك أن تضع يديك فى أيدى من يمتلكون حلولا للخروج من الأزمة، فتجاهلك لبورسعيد وشعبها مُصيبة.. وتجاهل حكومتك لإغلاق المعابد فى الأقصر فضيحة.. وصمتك عن سقوط الشهداء جريمة..
فلتنصت سيدى إلى صوت الشعب الغاضب، وليكن مشروع نهضتك القادم هو التخلى عن الإخوان والتحالف مع نبض الشارع ومطالبه.