عندما قررت أن أحكى لبناتى قصة «على بابا والأربعين حرامى» توقفت قليلا.. وتلعثمت كثيرا.. وتساءلت مرارا: تُرى هل كان على بابا حقا رجُلاً طيباً شريفاً غلباناً؟ أم كان لصاً شريراً نهازاً للفرص، ساكتاً عن الحق؟ تُرى هل أنصفت صفحات كتاب ألف ليلة وليلة «على بابا»؟ وهل كان فى قصته عظة أم كان فى قصته إسقاط لم نره وقت قرأناها، لأننا كنا صغارا بقلوب لا تعى سوى الصدق وعقول لا تستوعب سوى الصواب؟
لماذا تحكى الأمهات لصغارها قبل النوم قصة «على بابا» فى المرحلة التى يكون فيها اعتناق القيم والتحلى بالأخلاق مثل زهرة تتفتح من بين مسامهم؟ ولماذا لا نحكيها للكبار فى المرحلة التى تتلون فيها أخلاقهم وتتبدل عقائدهم وتتآلف توجهاتهم مع مصالحهم الشخصية؟
الإجابة ببساطة هى لأن على بابا راجل مش طيب.. على بابا راجل حرامى!
باختصار شديد.. على بابا رجل كان يعيش فى سلام، فى غابة كبيرة بها الحق والباطل مجتمعان.. لكن حين رأى على بابا اللصوص وهم يدخلون إلى المغارة ليخبئوا حصيلة ما سرقوا من ذهب ومرجان وياقوت.. لم يذهله حجم السرقات، ولم يفكر فى الناس الذين تمت سرقة أشيائهم، بل لم يفكر حتى فى إبلاغ العسكر.. ولكن كل ما ترامى إلى ذهنه فى هذه اللحظة هو كيف يسرق منهم جزءاً مما سرقوا دون تفكير فى أن هذا الفعل سيجعل منه اللص الواحد والأربعين!
لا أدرى كيف تحول الكثيرون إلى «على بابا».. وكيف تحولت مصر إلى هذه المغارة الموحشة؟!
لقد ذكرنى موقف الجماعة السلفية من الإخوان المسلمين بعد إقالة مستشار الرئيس السلفى بموقف على بابا من العصابة! فالسلفيون والإخوان مختلفون بشكل أكيد (يعنى زى الgas وال they dont mix ..alchol.. )!.. فالإخوان منذ اليوم الأول جماعة تبحث عن السلطة وتعتنق اللعبة السياسية حتى آخر قطرة، حتى لو كانت السياسة لعبة قذرة بلا مبادئ، والدين قد يكون مُسمى يتشدقون به لكنه ليس همهم الوحيد..
أما السلفيون فهم قوم لا يرتدون حُلل المراوغة ولا يتشدقون بالدين بل هم يعتنقونه بشىء من التطرف، يقهرون المرأة ويدعون تكريمها، يكرهون الفنون ويدعون التحضر، يغتالون الأقلام ويدعون حرية العقيدة.. ومنذ البداية كان تحالف السلفيين مع الإخوان صفقة اضطر إليها السلفيون كوسيلة تصل بهم إلى تطبيق الشريعة كما يرونها.. وحين وصل الرئيس مُرسى إلى الحكم أصبح بين شقى الرُحى.. هل يخلف وعده للسلفيين ويصبح رئيسا لكل المصريين؟ أم يخلف وعوده التى قطعها على نفسه أمام العالم المتحضر والقوى الليبرالية والمدنيين باحترام الحريات؟
وحين جاءت لحظة الحساب أصبح الوضع الحرج هو (ماشافوهمش وهمه بيسرقوا شافوهم وهمه بيقسموا)!.. ومن ثم تمت الإطاحة بالجميع سلفيين وليبراليين، من أجل إقامة دولة الإخوان.. دولة التمكين المطلق لأحفاد البنا..
انزوى الليبراليون، وغضب السلفيون فأخرجوا ما فى جعبتهم من حقائق وقصص وتجاوزات، فلم نكن نتخيل أن الجماعة التى تعتنق الشريعة وتسعى لتطبيقها على كفار مصر، هى نفس الجماعة التى ارتضت بالكذب والرشاوى من أجل وعود زائفة.
إذن على بابا سكت عن ممارسات العصابة على أمل أن ينوبه من الحُب جانب!.. هكذا تحول البعض إلى على بابا.. وتحول الآخرون إلى باقى العصابة..
تُرى كيف كانت ستكون النهاية لو اتفقت العصابة مع على بابا بأن يسكن هو المغارة ويصبح الذهب والمرجان والياقوت ملك يديه، فى مقابل أن يغض بصره عن ممارساتهم الخاطئة؟..
فى أغلب الظن أن على بابا كان سيغض البصر ويلتزم الصمت مُعتنقا فكرة أن العصابة أقدر على رؤية الوضع والتعامل مع الرعية منه.. فحين قرر مثلا أخوه قاسم أن يشاركه الغنيمة، لم يرفض، وحتى بعد أن عرف أن المجوهرات التى سرقتها العصابة راح ضحيتها قتلى وأريقت من أجلها دماء.. لم يتحرك ولم يتدخل، بل وقف يراقب من داخل المغارة.
وأخيرا بعد أن استولت العصابة على كل شىء، قررت أن تسرق التاريخ.. فأمروا الحكائين بأن يكفوا عن سرد كل الحكايا لتبقى قصتهم هى القصة الوحيدة التى تُحكى على المقاهى وفى المدارس وداخل الدواوين.
وقرروا أن يسرقوا الحضارة.. فهجموا بمعاول الجهل على الآثار والكتاتيب والسُبل والكنائس والمعابد.. ليُصبح وجودهم هو الواقع الوحيد، وبقاء الآخرين مجرد عدم يتحسسونه فى خيوط السراب..
إن عصابة على بابا تسرق الكُحل والحُلم من العيون.. إنهم يسرقون أعمار الشباب وأعراض البنات وذكريات العجائز.. إنهم يقطفون الألحان والأقمار والأزهار.. إنهم يقتلعون الأشجار من الأرض، ويمحون الأفكار من العقول، وينزعون الأمل من القلوب..
طب وعلى بابا؟!..
على بابا جوه المغارة.. قفلوا عليه البيبان.. بيدور على كلمة السر علشان يهرب من السجان.. وقف ينده بعلو صوته: يا مُرجان.. يا حبهان..
لأ يا على بابا أنت أكيد غلطان.. لأن كلمة السر الحقيقية هى.. الإنسان.