أنت تقرأ هذه الكلمة ثالث أيام رمضان، وأنا أكتبها بعد حصيلة مشاهدة يومين، لأن رمضان يبدأ إرساله تليفزيونيًّا ليلة السحور. يومان لا يكفيان بالطبع للحكم، ولا حتى لتقديم انطباع مبدئى، ولكن من حقى أن أقدم إلى القارئ ما أشعر به، ومن حق القارئ أن أقول له إن هذا الرأى يحمل بداخله خط رجعة.. بداية نور الشريف «عرفة البحر» ويحيى الفخرانى «الخواجة عبد القادر» لا يزالان قادرين على تحقيق الجاذبية.. مسلسل الفخرانى حضوره هو الأقوى رغم أن بدايات السيناريو لم تقنعنى، لأنها تقدم على طريقة «يُحكى أن».. نور الشريف لديه سيناريو ومخرج وأجواء سيطر عليها أحمد مدحت، وهى أولى تجاربه الإخراجية فى الفيديو.. مسلسل «ناجى عطالله»، المؤكد أنه يحظى حتى الآن بكثافة جماهيرية لجاذبية اسم عادل إمام، لكن ما تابعته يشى بأن هناك حالة من الحشو الدرامى من أجل إطالة زمن الحدث، وكأن هناك مساحة فارغة، على الجميع أن يملأها، ومن الممكن أن تتسامح فى الحلقات الأولى مع هذا النوع من الاستطراد، لكن مع استمرار تلك الحالة أشك كثيرًا.. لم يستطع المخرج رامى إمام أن يحل مشكلة استخدام اللغة، تجد إسرائيليًّا يتكلم مع إسرائيلى بالعربية كثيرًا والعبرية قليلاً دون منطق، كان من الممكن مثلاً أن يتم الاتفاق الضمنى مع المشاهدين على استخدام العربية.. وتلمح أغانى مصرية بكثافة فى أماكن بطبعها إسرائيلية.. هناك بالتأكيد عوامل خارج النص تؤثر على تفاصيل المسلسل، وهو أن الناس تخلط لا شعوريًّا بين موقف البطل الدرامى فى علاقته مع إسرائيل، وهو غير مسؤول عنه بالطبع وموقفه الواقعى، وهكذا نرى عادل إمام وهو يحاول التبرير للمشاهد لماذا يقيم علاقات مع إسرائيليين، كما أن المسلسل يخشى أن يصدم جمهوره الرافض للتطبيع مع إسرائيل، فيقدم لإبراء ساحته شخصية مستشار إعلامى لا يصافح إسرائيليين، وهو بالطبع لا يستقيم مع طبيعة العمل فى السلك الدبلوماسى، وعلينا أن ننتظر.. محمود عبد العزيز فى «باب الخلق» يشع على الشاشة حضورًا، لكن لم أجد فى خطوط الدراما حتى الآن محمود يقود قاطرة الدراما.. بدايات مسلسل «الهروب» و«خطوط حمرا» و«فيرتيجو» و«حكايات البنات» و«طرف ثالث» و«الرقم المجهول» و«مع سبق الإصرار» مشجعة وتدعونى إلى الترقب والمتابعة بينما «الزوجة الرابعة» فإن مصطفى شعبان يستنسخ برداءة «الحاج متولى».. «نابليون والمحروسة» و«الفاروق» مسلسلان فى مكانة إبداعية خاصة. أغلب الظن أنك تلهث مثلى من قناة إلى أخرى ومن مسلسل إلى آخر أقول لك، تمهل والتقط أنفاسك. إننا مع الأسف نسير على نهج الطماع «قاسم»، وننسى الحكمة التى أسداها إلينا «على بابا» فى تلك الحكاية الشهيرة التى كنا نحفظها ونردد أغانيها فى طفولتنا من خلال الأسطورة الشهيرة «على بابا والأربعين حرامى»، وكيف أن على بابا عرف كلمة السر وفتح باب المغارة، قائلاً «افتح يا سمسم»، ودخل إليها، ووجد الياقوت والمرجان والذهب والزمرد، اكتفى بالقليل من كل هذا وخرج فائزًا واستمتع بالحياة مع جاريته المخلصة «مرجانة»، بينما شقيقه الجشع «قاسم» كان يريد أن يحصل على كل الذهب والمرجان والياقوت المتراكم بالمغارة، فنسى كلمة السر وعطس وألقت العصابة القبض عليه!! قدرة الإنسان على الاستيعاب الفكرى لها حدود.. صارت الفضائيات أشبه بالبوفيه المفتوح، عليك أن تحصل على الضرورى، بل والقليل، حتى لا تصاب بتلبك فكرى وتشويش عقلى.. أغلبنا وأنا بحكم المهنة أضطر إلى مشاهدة الكثير من الأعمال الدرامية والبرامجية، وتلك هى مخاطر المهنة، إلا أنك عزيزى القارئ يجب أن تضع أمامك هدفًا وترسم خطة إذا كانت شركات الإعلان تحرص على أن تضع على الخريطة هذا الكم الضخم من المسلسلات والبرامج لأسباب تجارية، فأنت على المقابل لست مضطرا إلى أن تستجيب لها، لأنك فى النهاية ستجد نفسك فاقدًا قدرتك على الاستمتاع.. العمل الفنى المتقن ليس هو فقط الذى ينتهى عرضه مع كلمة النهاية، لكن الذى يبدأ عرضه داخلك وأنت تقرأ كلمة النهاية!! حاول الآن أن تستعيد شيئًا مما شاهدته، ستكتشف أن هناك تداخلاً.. لن أنصحك بالتقليل، لأننى شخصيًّا ومع الأسف كل عام أنصح نفسى ولا آخذ بالنصيحة.. فاصل ونواصل!!