مجلس وزراء الداخلية العرب يشارك العالم الاحتفال باليوم العالمي للحد من الكوارث    محافظ أسيوط يستقبل وزير الإسكان لمتابعة المشروعات التنموية والبنية التحتية    8 أسباب جعلت المتحف المصرى الكبير أخضر صديقا للبيئة ومحايد كربونيا    فتح: قمة شرم الشيخ خطوة مهمة لإرساء مسار سياسى لإنهاء الاحتلال وحل الدولتين    «حسام زكي»: الموقف المصري كان له بالغ الأثر في تغيير دفة الحوار السياسي    هل يلحق عمر جابر بلقاء الزمالك أمام ديكيداها الصومالي ..مصدر يوضح    الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة بكل الأنحاء    المرور يضبط أكثر من 105 آلاف مخالفة في يوم واحد ويكشف 105 حالات تعاطي    حملات تموينية تضبط 12 طن دقيق وتواجه التلاعب بأسعار الخبز    محافظ قنا يزور مصابي حادث أتوبيس عمال الألومنيوم    «المالية»: فرص اقتصادية متميزة للاستثمار السياحي بأسيوط    نائب محافظ الأقصر يشهد تدريبًا لتأهيل الشباب للعمل بقطاع السياحة والفندقة    اليوم.. بدء استيفاء نموذج الطلب الإلكتروني للمواطنين المخاطبين بقانون «الإيجار القديم» (تفاصيل)    ارتفاع أسعار النفط مع بوادر تراجع حدة التوتر التجاري بين الصين وأمريكا    مصادر تكشف مصير 4 أعضاء ب«النواب» تم تعيينهم في «الشيوخ»    جامعة بنها: فحص 4705 شكاوى بالمنظومة الموحدة.. تفعيل نقطة اتصال جديدة لخدمة المواطنين    د. أيمن الرقب يكتب : إفريقيا ساحة الصراع الخفية    "هتفضل عايش في قلوبنا".. ريهام حجاج تنعى الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي    البيت الأبيض: ترامب يتابع إطلاق الرهائن من على متن الطائرة الرئاسية    عاجل- فتح: قمة شرم الشيخ خطوة مهمة لإرساء مسار سياسي لإنهاء الاحتلال وحل الدولتين    إعلان أسماء مرشحي القائمة الوطنية بانتخابات مجلس النواب 2025 بمحافظة الفيوم    تشكيل منتخب فرنسا المتوقع أمام آيسلندا في تصفيات كأس العالم 2026    بتواجد أبو جريشة.. الكشف عن الجهاز الفني المساعد ل عماد النحاس في الزوراء العراقي    الدرندلي بعد فوز المنتخب: "أول مرة أشوف جمهور مصر بالكثافة دي"    وزير الرياضة: دعم متكامل للمنتخب الوطني.. وما تحقق في الكرة المصرية إنجاز يستحق الفخر    وزيرا ري مصر والأردن يفتتحان الاجتماع ال38 للشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه    بعد منحها ل«ترامب».. جنازة عسكرية من مزايا الحصول على قلادة النيل    محمد رمضان يوجّه رسالة تهنئة ل«لارا ترامب» في عيد ميلادها    تباين أداء مؤشرات البورصة في بداية تداولات اليوم وسط مشتريات محلية وعربية    مازال البحث جاري.. مصرع تلميذة في حادث مصرف أسيوط و الحماية المدنية تكثف البحث عن المفقودين    حجز محاكمة معتز مطر ومحمد ناصر و8 أخرين ب " الحصار والقصف العشوائي " للنطق بالحكم    إخماد ذاتي لحريق داخل محطة كهرباء ببولاق دون وقوع إصابات    تجارة السلاح كلمة السر.. تفاصيل جريمة غسل أموال ب 130 مليون جنيه    محدش يعرف حاجة عنهم.. 5 أبراج تكتم أسرارها وخطوات حياتها عن الناس    وزير السياحة يترأس اجتماع مجلس إدارة هيئة المتحف القومي للحضارة المصرية    أحمد فهمي الأعلى مشاهدة ب «ابن النادي»    بورسعيد أرض المواهب.. إطلاق مسابقة فنية لاكتشاف المبدعين    الليلة بمسرح السامر.. قصور الثقافة تطلق ملتقى شباب المخرجين في دورته الرابعة    آداب القاهرة تحتفل بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس قسم الدراسات اليونانية واللاتينية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    أوقاف السويس تبدأ أسبوعها الثقافي بندوة حول المحافظة البيئة    هل الغسل يغني عن الوضوء؟ أمين الفتوى يوضح الحكم الشرعي بالتفصيل    رئيس «الرعاية الصحية» يتفقد مجمع الفيروز بجنوب سيناء استعدادًا لقمة شرم الشيخ    مباحثات مصرية - ألمانية لتعزيز التعاون وفرص الاستثمار في القطاع الصحي    مرور مكثف على 112 منشأة صحية ضمن خطة تطوير الرعاية الأولية بالفيوم    انتظام اللجان الخاصة بالكشف الطبي لمرشحي انتخابات مجلس النواب بالأقصر    وزارة الخارجية تهنئ السفراء المعينين في مجلس الشيوخ بقرار من فخامة رئيس الجمهورية    بعد استشهاده أمس.. ننشر نص وصية صالح الجعفراوي    مئات الإسرائيليين يتجمعون في تل أبيب ترقبا لإطلاق سراح الرهائن من غزة    موعد مباراة منتخب المغرب ضد فرنسا فى نصف نهائى كأس العالم للشباب    تحرك عاجل من نقابة المعلمين بعد واقعة تعدي ولي أمر على مدرسين في أسيوط    هل يجوز الدعاء للميت عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟.. «الإفتاء» توضح    موجودة في كل بيت.. أهم الأطعمة لتقوية المناعة خلال تغير الفصول    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 13 أكتوبر 2025 في القاهرة والمحافظات    قبل عرضه بمهرجان الجونة.. طرح البوستر الرسمى لفيلم «50 متر»    فاروق جعفر: هدفنا الوصول إلى كأس العالم ونسعى لإعداد قوي للمرحلة المقبلة    صلاح وزوجته يحتفلان بالتأهل في أرضية ستاد القاهرة    البطاقة 21.. غانا تتأهل لكأس العالم 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسام حربي يكتب : حوار مع ميت
نشر في الفجر يوم 22 - 02 - 2013

السماء سوداء والدخان الأسود يملأ المكان والعين تنبض "تغمض وتفتح " والأنفاس تتسارع ويحاول محمود ان يستيقظ من نوم عميق ولا يستطيع ، واذا برجل ابيض الوجه ، النظر في وجه يبتسم له القلب ، يمد يده لمحمود ويشدها ليعدل من وضعه.
وعدل من وضعه وشكره محمود ولكن الرجل لم يرد وابتسم له ، ثم عاد محمود يقول له : لا حقيقي ألف شكر ، لولاك انا كنت هنام لبكرة هنا .. بس هو انا ايه اللي جابني هنا !!!؟
الرجل .. ينظر اليه والابتسامة مازالت على وجهه
وعاد محمود مرة اخرى ليقول : اه صح ده انا كنت ماشي في مظاهرة .. بس هي فين ، والناس فين !!! والشرطة فين !!! ؟ معقول الناس دي كلها اختفت ...و ينظر محمود حوله ويقول : ايه ده !!! مش ده القصر ؟ اومال فين الحرس ؟ فين الكلام اللى مكتوب على السور؟ في الاسلاك ؟ فين المدرعات ؟ فين وفين وفين ؟
الرجل يبتسم له ثم ينطق بكلمات بسيطة تنم عن ارتياح : مش مهم كل ده .. المهم انت عامل ايه دلوقت ؟
محمود : انا احسن كتير .. بس حاسس بوجع جامد في دماغي .. عموماً مش مهم كل يهون فداكي يا قمر .
الرجل : قمر مين ؟!!
محمود : مصر يا استاذنا ، هي في غيرها قمر .. بس زعلان اوي يا استاذ .
وقد نظر اليه الرجل نظرة تطالبه بإستكمال الحديث
محمود :زعلان لأني اتبهدلت اوي .. ومش اول مرة .. وياريت بفايدة .. انا خايف يجي اليوم و اكره الثورة.
الرجل قاطعه غاضباً وهو يقول : لأ .. ثورة ايه اللي تكرها ! اهدأ وقل لي ايه ذنب الثورة في انك تكون نايم على الأرض هنا !!؟
محمود : ايه يا استاذ انت مش عايش معانا ولا ايه ؟
الرجل : اهدأ بس واحكي
واخذ محمود يسرد في جميع الاحداث التي عقبت الثورة بداية من الاعلان الدستوري لمارس2011 حتى مرور 7 شهور على انتخاب اول رئيس منتخب في مصر بعد الثورة.
الرجل والحزن يبدو على وجهه : ياه ده مات كتير اوي على كده بعد الثورة !! وانا اللى كنت فاكر ان اخر اللى ماتوا كانو في الثورة .. طيب ليه محاولتوش تقربوا وجهات النظر .. علشان توصلوا لحل ؟ ومش يموت العدد ده كله ؟
محمود : كله بيقول يلى نفسي ، محدش عارف اي حاجة يا استاذ
الرجل : طيب ده بخصوص حال السلطة .. طيب والزراعة عاملة ايه ؟ والصناعة ؟ والاسكان ورغيف العيش و الشباب والوظائف ؟
محمود : اقولك على حاجة علشان اوفر لك قصص وحكايات ، واننا نحكي في المحكي ، احنا متقدمناش خطوة من 11 فبراير "يوم تنحي مبارك "، يمكن رجعنا مئات الخطوات ولم نتقدم خطوة ، بالنسبة للبناء فالعمارات بتقع ، وبالنسبة للزراعة فالحمدلله اقتصرت على كام فلاح في البرلمان وياريت كمل ده انحل، وبخصوص الصناعة فالعصيان المدني شغال من ناحية والوقفات الاحتجاجية من ناحية ، اما بقا رغيف العيش فالحمدلله اتسحب واتسحل زي حمادة ، والوظائف بيقوله انها موجودة بس مش بنشوفها لكن في ناس بتتعين بصراحة والدنيا كلها عارفاهم ، اما الشباب بيموت .
الرجل والحزن بدأ يظهر على وجهه : مين حمادة ؟
محمود : لا ابداً ده واحد اتسحل
الرجل : اتسحل !!! وبتقولها عادي كده
محمود : مهو السحل عادي يعني ،، ومش اول مرة تحصل يعني
الرجل وهو يغمض عينيه من شدة الأسى : بس كفاية .
محمود : كفاية ليه ؟ هو انت حاسس بينا اصلاً ؟ يا استاذ انت شكلك كنت مهاجر بس تصدق كويس انك مش معانا في البلد دي ؟ كفاية ايه بس ، اقولك ايه تاني ، اقولك ان شباب راحوا يتفرجوا على ماتش كورة ماتوا !! اقولك على اطفال رايحين المدرسة اتفرموا !! اقولك على مجندين رايحين المعسكرات لملموا اشلاءهم من على قضبان السكك الحديدية !! اقولك ان في زميلي اسمه الجندي اتقتل بسبب التعذيب وفي الاخر قالوا حادثة عربية !! اقولك ايه تاني
الرجل وقد بدأ يبكي : بس كفاية .. ارجوك كفاية ؟
محمود : انا اسف .. بس دي الحقيقة .. كل حاجة راحت ، ومش شايفين بكرة ، انا خلاص بدأت اترحم على ايام مبارك .. عارف يا استاذ ، انا نفسي اموت ، اكيد اللي عند ربنا احسن بكتير من اللى احنا فيه .
وهنا نظر الرجل إلى محمود و وجهه تملأه الدموع ، ويقول في دهشة و زعر !! تترحم على ايام مبارك !!! ليه يابني كده !!
محمود : مقصدش يا استاذنا .. بس خلاص الواحد فاض بيه
وسكت الاثنان قليلاً
ثم عاد محمود يسأل الرجل : بس هو حضرتك موجود هنا ليه ؟! .. هو حضرتك كنت معانا في المظاهرة؟ بس اظن لأ .. لأنك مش عارف اى حاجة في البلد يبقا ازاى كنت معانا ؟
والرجل قد وضع رأسه بين يديه وكأنه يتحسر وينظر الى الأرض والدموع تتساقط على الأرض وهو يكلم نفسه : كل شيء ضاع هباءاً ، كلنا رحنا بلاش !! كله بياكل في بعضه !! كله عاوز السلطة والمال !! بس ازاي !! ده احنا كنا ايد واحدة !! بنتغطى بنفس الغطا ..بناكل من نفس الأكل !! يعني ايه !! يعني كل ده كان تمثيل !! يعني انا مت بلاش !!؟
محمود وقد بدا عليه الفزع وتراجع قليلاً : انت مين ياعم ! ياعم انت مين !
ولم يرد الرجل ، وعاد محمود ليكرر سؤاله : انت مين !! ابوس ايدك رد عليا !!
وهنا اشتد الرجل في بكاءه وفي غصة يقول : انا زي زيك يا محمود
محمود وقد بدأ القلق عليه وشعر بضربات قلبه سريعة : زيك زي ازاي ؟
الرجل وهو يحاول ان يتماسك : يعني احنا الأتنين متنا لنفس السبب
محمود وقد تجحظت عيناه : متنا ازاى .. انت عاوز تقول ايه ؟
الرجل : محمود امسك نفسك واسمعني واهدأ ، انا فات على موتي سنتين ، وانت فات على موتك ساعتين
محمود وقد بدأ يفقد اتزانه واستيعابه : ميت من سنتين وساعتين ، ايه اللى بتقوله ده !! وبدأ محمود في العياط : ايه اللى انت بتقوله ؟ !! .. انت اكيد بتكذب.
الرجل وكأنه لم يسمع سؤال محمود وبدأ يحكي : من سنتين وتحديداً يوم 2 فبراير وفي ميدان التحرير شوفت السماء نور واخر حاجة شوفتها علم مصر وهو بيرفرف ، وقولت اموت يابلدي وانتي تعيشي ، عشان اشوف البلد دى احسن بلد ، مش علشان اسقط مبارك بس ، علشان كرامة ، علشان تعذيب الاقسام ، عشان حق التظاهر ، عشان العيش ، عشان ولادي ، وعشان وعشان ، مش عشان يموت شباب طوال السنتين واخرهم انت.
محمود وقف واخذ يصرخ ويطرق ابواب القصر ويبكي بكاءاً شديداً وهو يقول : لا انا عايش ، انا مامتش ،انا عايش ، انا عايش .
واقترب منه الرجل وقال له : مش كنت لسه بتقول انك عاوز تموت واللى عند ربنا احسن ؟ ايه اللى جرى بقا !! اهو انت ميت دلوقت.
محمود وهو ينظر له نظرة فقدان الأمل والدموع تملأها : انا مش بصرخ وبعيط علشان مت ، بالعكس انا كنت عارف اني ميت ميت ، انا بعيط علشان سيبت امي لوحدها وهي مالهاش غيري ، وكمان يوم جنازة الجندي حلفت عليا وقالت لو نزلت مظاهرات تاني قلبي وربي غضبانين عليك .. يعني انا دلوقت ميت بلاش وامي كمان غضبانة عليا .

" تدفقت الدماء انهاراً ، و اطاحت بنا امواجاً ، لتلقى الجثث مرساها "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.