عمره لا يتجاوز الرابعة عشر ,ضاعت طفولته وسط ألالام إصابته بسرطان العظام ,وبدلا من أن يقضى طفولته فى المرح والترفيه وسط أصدقاء من عمره ,قضاه فى جلسات العلاج الكيماوى وحلمه الوحيد أن يشفى من السرطان ويصبح طفلا عاديا ,ولم يحلم أبدا أن يجد نفسه مقبوض عليه ومتهما بتكدير السلم العام والإعتداء على رجال الأمن. محمود عادل طفل مصاب بالسرطان عمره 13 عام من محافظة الإسكندرية ,تم القبض عليه على خلفية الإشتباكات أمام المجلس المحلى بالإسكندرية فى فعاليات جمعة الخلاص ووجهت له النيابة تهمة تكدير السلم العام والإعتداء على رجال الأمن أثناء تأدية عملهم .
وتشير داليا موسى ناشطة بالمركز المصرى للحقوق الإجتماعية والإقتصادية أن حادثة محمود هى الأسوء على الإطلاق فى حوادث إحتجاز الأطفال ,حيث جددت النيابة حبسه بتهمة تكدير السلم العام والإعتداء على قوات الأمن ولم تخلى سبيله إلا بعد أسبوع حبس كامل ,وذلك على الرغم من فوات ميعاد جلسة علاجه الكيميائى مما ساهم فى تدهور حالته يوما بعد يوم .
ولم يكن محمود هو الطفل الوحيد الذى تم القبض عليه خلال أحداث العنف الأخيرة والتى شهدتها فترة حكم الرئيس مرسى ,فوفقا للإحصائية المركز المصرى للحقوق الإقتصادية والإجتماعية هناك 134 طفلا تم إحتجازهم خلال الأحداث و114 طفل وفقا لإحصائيات الإئتلاف القومى لحقوق الطفل.
"أسوء ما فى الأمر هو تعذيب الأطفال وإحتجازهم فى معسكرات الأمن المركزى والسجون) ,بهذه الكلمات عبرت هاجر أبوالعلا عضو الإئتلاف المصرى لحقوق الطفل عن بشاعة عمليات القبض على الأطفال وإحتجازهم فى السجون وهو ما يخالف قانون الطفل الذى يقضى بوضع الأطفال فى إصلاحيات أو مراكز لرعاية الحدث.
وأضاف محمود البدوى رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث ولحقوق الإنسان أن الأطفال يتعرضون للسب والقذف والضرب من قبل جنود الأمن المركزى عند القبض عليهم ,مما يساهم فى حدوث شرخ نفسى بينهم وبين المجتمع ويعرضهم للعزلة النفسية.
هناك تهم عديدة توجه للأطفال الذين يتم إحتجازهم ومنها تكدير السلم العام و حمل أسلحة ,الإتلاف العمدى للمنشأت ,التجمهر ومقاومة السلطات ,وما يزيد الأمر سوء أن بعض الأطفال يتم القبض عليهم على الرغم من عدم مشاركتهم فى أحداث العنف من الأساس.
ويصف محمود البدوى عمليات القبض على الأطفال بأنها تتم بشكل عشوائى ,ويتم القبض على أطفال ليس لهم أى دور فى الأحداث ,مشيرا أن الجمعية رصدت عدة حالات يتم فيها القبض على أطفال أثناء خروجهم من محطة مترو أنور السادات وتحرز النيابة (حزام) الطفل على أنه سلاح تم إستخدامه فى إثارة الشغب .
ويظل التأهيل النفسى والإجتماعى للأطفال الذين تم القبض عليهم فى قضايا سياسية عملية صعبة ,خاصة بالنسبة للأطفال الذين تم القبض عليهم عن طريق الخطأ مما يتسبب فى حدوث شرخ نفسى للطفل وحالة من الفرقة بينه وبين مجتمع وجهاز الشرطة الذى من المفترض أن يحميه .
ويضيف البدوى أن الطفل الذى شارك بالفعل فى أحداث العنف يمكن تأهيله عن طريق توعيته بطرق المشاركة السياسية السلمية عن طريق التظاهر بدلا من اللجوء للعنف أو الإصطدام بجهاز الشرطة,أما الطفل الذى لم يشارك فتأهيله نفسيا وإجتماعيا عمليه صعبة جدا وتحتاج لمراحل علاجية وفترة زمنية طويلة حتى يعود لحياته بشكل طبيعى وفعال .
وتصنف الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الإجتماع بالمركز القومى للبحوث الإجتماعية والجنائية الأطفال الذين يشاركوا فى أحداث العنف إلى نوعين النوع الأول هم أطفال الشوارع والتى وصفتهم بأنهم يتم إستغلالهم من قبل قوى المعارضة فى إثارة العنف ضد الشرطة ,لذلك لابد أن تتوقف عملية إستغلال الأطفال سياسيا وإبعدهم عن الشارع وإبقائهم فى مؤسسات إصلاحية لحمايتهم ,مؤكدة على ضرورة تعامل رجال الشرطة وجهات التحقيق مع الأطفال بشكل لائق ويتفق مع قانون الطفل والإعلان العالمى لحقوق الإنسان. أما النوع الثانى هم أطفال لهم آسر وشاركوا فى الأحداث ,وفى هذه الحالة لابد من إحتجاز الطفل والإتصال بأسرته لإستلامه مع الإلتزام بحسن معاملته أيضا .
ويؤكد الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الإجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية أن رجال الشرطة يرتكبوا فى كثير من الوقت جرائم ضد الأطفال المحتجزين أبرزها ضرب الأطفال وإغتصابهم ,وعند إخلاء سبيلهم أو برائتهم ,يعودوا لبداية الدائرة من جديد وهو التظاهر وإستخدام العنف ضد الشرطة لما لاقوه من معاملة مهينة من قبل رجال الشرطة ويتم إحتجازهم ويدور الأمر دون حل حقيقى للمشكلة.
ويشير أن الحل السريع هو إحتجاز الأطفال فى الإصلاحيات فى حال كونهم متهمين بالفعل وتسليمهم لآسرهم فى حالة برائتهم ,مع مراعاة إعادة تأهيل هذه الإصلاحيات ليتلقى فيها الأطفال معاملة جيدة بدلا من تأهيلهم ليصبحوا أكثر إجراما.
أم الحل الفعلى على مدى الطويل هو حل مشكلات المجتمع فى الفقر والبطالة والأمية ,حتى يتسقر أطفال الشوارع مع آسرهم ولا يتركوها ,ولا يلجأ الأطفال الطبيعين للنزول للشارع والدخول فى أحداث عنف ضد الشرطة.