خلال الصيف الماضي وقبيل انسحاب القوات الأميركية من العراق، قال رئيس عمليات القوات الخاصة العراقية، إن الولاياتالمتحدة يجب ألا تغادر العراق. وأضاف متحسراً «على الأميركيين أن يبقوا في العراق، لأننا لم نتمكن من السيطرة على حدودنا بعد، وثمة العديد من الامور التي نجهل الكثير عنها».
وأثارت كلمات الرجل الكثير من السجالات التي تفيد بأن قوات مكافحة الإرهاب العراقية تعتمد بصورة كلية على دعم الولاياتالمتحدة، بيد أن أولئك الذين يشعرون بالقلق من عدم قدرة العراق على مكافحة الإرهابيين في هذه الحرب على تنظيم «القاعدة»، كانوا يفتقدون إلى نقطة مهمة، مفادها أن عناصر القوات الخاصة العراقية كانت تستخدم كجيش خاص من قبل رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي. واليوم حصلت «القاعدة» على أمل جديد نتيجة تزايد تطرف قوات المعارضة السورية، في حين أن سكان غرب العراق يشعرون بالغضب الشديد ويقومون بانتفاضة نظراً لقيام المالكي باستهداف السياسي السني رافع العيساوي.
ولطالما كان مدربو القوات الخاصة من الأميركيين عاجزين عن تغيير هذه الصورة «الوطنية» الكئيبة، الأمر الذي دفع العسكريين الأميركيين الذين كانوا يرافقون القوات العراقية خلال الدوريات الليلية إلى ترك ذلك، ومع تفاقم الوضع السياسي بات الوضع ملائماً لإنعاش ظهور «القاعدة». وعندما يغادر الأميركيون ستتوقف عملية مكافحة الإرهاب، وسيحل مكانها الصراع من جديد.
وبعد مرور عام تقريباً على خروج الأميركيين، تضاعفت قوة القاعدة، لكن ذلك لا ينطبق على القوات الخاصة العراقية التي تفتقر الى المعدات الاميركية. وفي واقع الامر، فإن المدربين الاميركيين تمكنوا من تشكيل أفضل قوات خاصة في المنطقة. ويشرح ذلك الأميركي بن ويليامز الذي عمل مع القوات الخاصة العراقية في شمال العراق بالقول «في الحقيقة أصبح لدينا الآن قوات شريكة لنا قادرة على القيام بعمليات مهمة والانتقال بالطائرات المروحية، وأعتقد انهم وصلوا الى مستوى من الجاهزية يجعلهم قادرين على العمل من دون مساعدتنا».
وإذا كانت التحديات التي تواجه هذه القوات ليس لها علاقة بالتدريب والتقنيات، فما المشكلة إذاً؟
يعتبر فشل الحكومة العراقية في تنفيذ عمليات مكافحة الارهاب أكبر عقبة في إنهاء الارهاب، كما أن الصراع الحالي بين حكومة بغداد والأكراد العراقيين لن يساعد على حل المشكلة.
ولابد من القول إن اللوم يتركز كله على رئيس الحكومة، الذي شكل ما قال عنه مايكل نايت من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى «ثقافة السيطرة المباشرة» على مؤسسات الدولة. ويسيطر المالكي على القوات الخاصة العراقية عن طريق مكتب مكافحة الإرهاب، الذي أثبت أنه أداة فعالة للإطاحة بالخصوم، والذي تحدث عنه الكاتب الاميركي توبي دودج في تقريره الذي حمل عنوان «العراق يعود الى الدكتاتورية».
وعادة ما يؤدي مثل هذا الانقلاب الى كارثة عسكرية، ومع تحول المعارضين السوريين نحو التطرف بصورة متزايدة، واجتذابهم المجندين من العراق، ينبغي على المالكي أن يأخذ حذره. وأطلق منافسو المالكي لقب «فدائيو المالكي» على القوات الخاصة العراقية. وتحدث مؤسس موقع «اون فيولنس» الاميركي مايكل كومينغز عن تأثيرات القوى المسيسة، قائلاً «بالنظر الى ان المالكي استغل قدراً كبيراً من الزمن للسيطرة على السياسة، الأمر الذي جعل القوات الخاصة العراقية ملطخة وليست وسيطاً نزيهاً بين الجماعات الاثنية في العراق، وشاهدت الكثير بشأن ذلك في التقارير الامنية».
ولاتزال حقيقة أن القوات الامنية العراقية مشكلة من الشيعة بصورة أساسية، اضافة الى أن بعض الالوية من الاكراد بصورة كاملة، تشكل معضلة الى يومنا هذا. ووصف ويليامز جهود مقاومة تشكيل قوات أمنية على أساس عرقي في أحد مناطق الموصل، الأمر الذي دفع «أقلية الشبك» للمطالبة بتشكيل فيلق خاص بها. وقال ويليامز «تحدثت عام 2009 مع سياسي مسيحي في شمال الموصل، وكان من الواضح أن فكرة «فيلق الشبك» كانت مطروحة منذ أمد بعيد لحماية جماعته، ولكن تم صرف النظر عن الفكرة، باعتبار أنها ليست جيدة. وأعتقد أن تسليح كل جماعة عرقية في المناطق المتنازع عليها من شأنه أن يحول العراق الى شيء شبيه ببيروت في بداية ثمانينات القرن الماضي، ولن يؤدي الى الاستقرار.
ولكن في اكتوبر الماضي، تم الاعلان عن أن «فيلق الشبك» سيتم تشكيله من جديد، ولجعل الامور اكثر سوءاً طار المالكي الى الموصل من اجل مؤتمر وزاري وصفه السكان المحليون بأنه استعراض للقوى، وكان هدف المالكي بسيطا وجليا ومفاده أنه كان يريد ان يظهر للجميع من هو الزعيم، وكانت قوات الامن العاملة في مدينة ديالى تشارك في إثارة الرعب لدى السياسيين السنة واعتقالهم وربما قتلهم أحياناً، كذلك أي شخص تسول له نفسه معارضة المالكي. وكان ويليامز قال إبان ذلك في الموصل، إن «أعضاء المجلس السنة في نينوى ووسائل الإعلام المحلية يرون في مكتب مكافحة الإرهاب أداة لتحقيق الاجندة الشخصية للمالكي، ولكن نظراً الى وجود الكثير من الأكراد فيه، كان الامر أكثر صعوبة».
ومنذ عام 2010 تصاعد التوتر مع الاكراد، وفي نوفمبر الماضي كانت القوات العراقية متورطة في مشكلة نجم عنها مقتل شخص وجرح 10 آخرين، في منطقة محل نزاع في شمال العراق، ومنذ ذلك الوقت شهدت العديد من المناطق العراقية تأسيس ميليشيات كردية.
ويوجد حالياً نحو 30 جندي من القوات الخاصة الاميركية تقدم الاعمال الاستشارية للعراقيين حول مكافحة أعمال الإرهاب، واذا صدقت الشائعات الاخيرة فإن مزيداً من هؤلاء المستشارين زاروا العراق أخيراً.
ومع مواصلة المالكي الهجوم على مؤسسات الدولة العراقية، وتجاهل حقوق الإنسان، يتعين على واشنطن أن تتساءل: إلى ما الذي ستفضي اليه مساعدة القوات الخاصة العراقية؟ ويمكن أن يكون هؤلاء الجنود قد حققوا بعض النجاحات، لكن ماذا يمكن أن يحدث لو قام هؤلاء الجنود أنفسهم باعتقال اشخاص أبرياء؟ ومع إجراء تحقيقات في العراق بشأن فساد يتعلق بصفقة أسلحة قيمتها 4.2 مليارات دولار مع روسيا، يتعين على المالكي أن يحافظ على خياراته مفتوحة في ما يتعلق بموردي الاسلحة، فهل يجب على الولاياتالمتحدة ان تظهر له أن المزيد من صفقات الاسلحة يمكن ان يكون مرتبطاً بسجله في حقوق الإنسان