تراهن أمريكا دوما على الحصان الجاهز، ولا تتخلى عنه إلا إذا شعرت بأن الحصان قد أنهكته الأحداث أو الثورات. وفى الأيام الأولى لثورة 25 يناير خرجت عن البيت الأبيض مواقف عائمة تصب فى صالح بقاء مبارك، ولكن الشعب المصرى أجبر الأمريكان على التخلى عن الحصان الرابح للسياسة الأمريكية فى المنطقة. وخلال الأشهر التالية لتنحى مبارك أرسلت الإدارة الأمريكية وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون لمصر لمقابلة جميع أطراف اللعبة السياسية. وكانت قيادات شباب الثورة من ضمن من قابلتهم هيلارى. وقد خرجت وزيرة الخارجية بعد اللقاء وقالت بابتسامة كبيرة أمام وسائل الإعلام كلاماً دبلوماسياً جميلاً عن دعم الثورة والتحول الديمقراطى.
ولكن حين عادت هيلارى لبلادها استفاضت فى حوار مع كاتب أمريكى فى وصف رؤيتها للمشهد المصرى. وكان من بين ما جاء فى الحوار أنها قالت لشباب الثورة إن أمريكا ستتعاون وتمد يدها للقوى الموجودة فى الشارع، وطلبت من شباب الثورة أن يسارعوا بتنظيم أنفسهم. وكان رأى هيلارى وكل القابعين فى البيت الأبيض أن الإخوان هم القوة الوحيدة المنظمة فى الشارع، وعلى أمريكا أن تدعمهم.
لم تفهم هيلارى ولا أصحاب البيت الأبيض أن القوى السياسية والثورية فى مصر أكبر وأقوى بكثير مما تظن أو تتوهم هى وأصدقاؤها فى الحزب الأمريكى الحاكم.
فقد كان من بين أكبر أخطاء بعض القوى السياسية والكثير من القوى الثورية أنهم لم يفهموا انتهازية الإخوان منذ اللحظات الأولى لثورة 25 يناير. وأن شباب الثورة تأثر بأخوة الميدان والمواجهة الدموية مع قوات العادلى. واختلطت دماؤهم بدماء شباب الإخوان. وفى ظل هذه المشاعر، وبتأثير اضطهاد مبارك للإخوان لم يتخذ شباب الثورة ولا بعض القوى والشخصيات السياسية حذرهم من الإخوان، ولم يضعوا أنفسهم فى منافسة للحصول على رضا هيلارى والبيت الأبيض. فلم يسعوا لتقديم أنفسهم كقوة مؤثرة على الأرض (بتعبير هيلارى). أو قوى ذات مواقف محددة ومتوافقة. فقد بدا لهم الاختلاف بديهيًا وصحيًا بعد أن اختفى الديكتاتور والفرعون مبارك.
ولكن ما أن ظهر مرسى بملامح الديكتاتور والفرعون حتى ذابت كل الخلافات والاختلافات. وتوحدت كل القوى السياسية والثورية. بل انضم إليهم بعض مما كنا نطلق عليهم (حزب الكنبة).
ومشهد التحرير يوم الثلاثاء والمسيرات الحاشدة من كل صوب يثبت أن كلاً من هيلارى وأوباما وقعا فى خطأ كبير، ووهم أكبر عندما تصورا أن الإخوان هم القوة الوحيدة المؤثرة والموحدة فى مصر.
ولكن خطأ هيلارى لا يقارن بخطيئة مرسى. فقد تصور هو وجماعته أن مصر ممكن أن تخضع لجماعة، وتوهموا أن مشهد ثورة 25 يناير كان لحظة استثنائية لن تعود. وأنه يستطيع أن يبتلع مصر.
وكل من يتوهم ذلك يثبت أن (مصر كبيرة عليه قوى قوى).