في سوق الماشية في مدينة هرغيسا الصومالية، يتفاوض الباعة والشراة على أسعار الحيوانات بالامساك بأصابع بعضهم البعض تحت الكوفية، وتتكرر هذه الحركة مرات عدة في قطاع تربية المواشي الذي يزدهر في الصومال على الرغم من الحرب والشح في الغذاء.
ويشرح محمد عيد الذي يعمل في هذا المجال منذ 20 سنة "إذا ضغطت على اصبع واحد فهذا يعني 100 شلينغ وإذا ضغطت على اليد كلها فهذا يغني 500. أما الضغط على قصبة الاصبع فتعني 9 شيلينغ". ويضيف أن الصفقات تتم بسرية تامة تحت الكوفية "لأننا نريد إخفاء المقايضات عن التجار الآخرين".
اختتم تجار الماشية اخيرا في هرغيسا في شمالي الصومال موسم عيد الأضحى الذي يحققون فيه نصف نسبة مبيعاتهم السنوية تقريبا.
ويؤدي تقليد التضحية بالأغنام بحسب الدين الاسلامي إلى ارتفاع ملحوظ في عدد الصفقات التجارية، بالاضافة إلى زيادة في الصادرات نحو بلدان الخليج المجاورة، علما أن اليمن تبعد حوالى 200 كيلومتر فقط عن شمال السودان.
وتدر صادرات الماعز والأغنام والجمال 250 مليون دولار سنويا على الصومال. إلا أن هذا القطاع كاد أن يتلقى ضربة قاضية عندما حظرت السعودية وهي الزبون الأول كل الواردات من القرن الافريقي بين العامين 2000 و2009 خوفا من حمى الوادي المتصدع.
ومنذ رفع هذا الحظر، تم تصدير 4,3 ملايين رأس ماشية سنة 2010 و4,7 ملايين في السنة التالية مع أن المجاعة كانت تضرب الصومال وحوالى 5 ملايين رأس ماشية هذه السنة.
ويجري تصدير الحيوانات من مرافئ بربرة في ارض الصومال وبوساسو في بونتلاند وهما كيانان احدهما مستقل والاخر يتمتع باستقلال ذاتي في شمال الصومال بقيا بمنأى عن الحرب الأهلية التي دمرت وسط البلاد وجنوبها على مدى عقدين من الزمن.
ويقول محمد عدن البالغ من العمر 78 سنة أمضى 21 سنة منها على رأس سوق الماشية في هرغيسا عاصمة ارض الصومال "تربية الماشية هي حياتنا، هي تؤمن لنا الموارد والعمل وتسمح للحكومة بجباية الضرائب".
ويمثل هذا القطاع 40 % من اجمالي الناتج الوطني الصومالي و80 % من عائدات العملات الأجنبية ويؤمن فرص عمل ل65 % من اليد العاملة، بحسب منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (فاو).
وفيما تستخدم الصومال 1,6 % فقط من أراضيها للزراعة، ما يفسر موجات المجاعة والشح الغذائي المتكررة، تستغل 69 % من الأراضي لرعي الماشية.
وتم عبر مرفأ بربرة بتصدير ثلاثة مليون رأس ماشية هذه السنة. ويقول نائب مدير المرفأ عمر جاما إن "المرفأ هو مصدر الدخل الرئيسي في البلاد ويساهم ب80 % من ميزانية ارض الصومال".
وترتكز تجارة الماشية على علاقات قديمة العهد بين القرن الافريقي وشبه الجزيرة العربية. ويقول دماق بارود أحد التجار من هرغيسا "من السهل القيام بمبادلات تجارية معهم لأنهم شركاؤنا التجاريون التقليديون"، موضحا أن نسبة مبيعاته السنوية تبلغ مليون دولار بفضل مكتبه في السعودية.
وكانت بريطانيا وضعت، ارض الصومال حمايتها بين العامين 1888 و1960، لسبب رئيسي هو تزويد عدن التي كانت تسيطر عليها باللحوم.
واليوم، تستثمر وزارة التعاون البريطانية 16 مليون يورو على مدى ثلاث سنوات لتطوير قطاع تربية الماشية في الصومال، بدعم من منظمة الاممالمتحدة للاغذية والزراعة.