أمريكا أبلغت عن انشطة ليبيا المخابراتية فى مصر ومبارك قام بدعم معارضى القذافى ضمت ليبيا وإيران والعراق والمتطرفين الفلسطينيين
يسرا زهران
كان المؤرخ العسكرى الأمريكى أوين سيرس فى كتابه «تاريخ المخابرات المصرية» يحاول رسم خريطة واضحة لجهاز أمنى فى غاية التعقيد.. وصل إلى واحدة من أكثر أيامه توترا بعد اغتيال الرئيس السادات ووصول الرئيس مبارك إلى الحكم.. وصل مبارك إلى الحكم بعد أن عينه السادات نائبا له.. ومن خلال هذا المنصب، تردد أن مبارك كان يتولى مهمة التنسيق بين أجهزة المخابرات المختلفة فى أواخر السبعينيات بأمر من السادات.. وأتاح هذا التحرك للرئيس المستقبلى أن يشكل نظرة عن قرب لقدرات ومهام أجهزة المخابرات فى هذا الوقت.
وعلى الرغم من أن مبارك نفسه لم يعمل فى أى جهاز مخابرات طيلة حياته.. إلا أنه كان محاطا بخبراء منها.. مثلا، كان مستشاره السياسى الخاص للشئون الخارجية الدكتور أسامة الباز هو مدير مكتب سامى شرف فى أواخر الستينيات، حيث كان شاهدا على العديد من أروقة أعمال المخابرات الداخلية.. إضافة إلى صفوت الشريف.. بصلاته المعروفة بمدير المخابرات الأسبق صلاح نصر.
لقد كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هى أكثر الجهات التى صدمتها مفاجأة اغتيال السادات.. وبقول أحد التقارير السرية فى الوكالة إنه عندما وردت الأنباء عن حادثة المنصة، شعر مدير الوكالة ويليام كاسى بالقلق من أن مبارك قد يتخذ إجراءات عقابية ضد المخابرات المركزية بسبب فشلها فى تدريب حراس السادات الشخصيين على النحو الأمثل.. وتم إرسال فريق خاص من المخابرات المركزية إلى القاهرة للوقوف على حقيقة ما جرى.
ومن حسن حظ المخابرات المركزية، أن مبارك لم يعلن أبدا عن ضيقه منها.. وتركزت اهتمامات المخابرات المركزية فى هذه الفترة على تأمين ثقة الرئيس الجديد.. والحفاظ على اتصالاتها مع المخابرات المصرية.. وتأمين تدفق الأسلحة المصرية إلى المجاهدين فى أفغانستان.
وفى المقابل.. جددت المخابرات الأمريكية تعهداتها للمخابرات المصرية بمواصلة دعمها لمحاصرة التهديدات التى تواجه نظام مبارك من ليبيا وسوريا وإيران والمتطرفين الفلسطينيين.
ولا يوجد شك فى أن واشنطن قد أصيبت بالرعب على مستقبل مصر.. هل كانت البلاد فى طريقها إلى ثورة إسلامية على الطريقة الإيرانية.. إلى أى مدى كان نظام مبارك الجديد مستقرا.. وإلى أى حد اخترق الأصوليون صفوف الجيش والأجهزة الأمنية؟.. كانت الإجابة على هذه الأسئلة المعقدة تحتاج إلى القيام بعمليات تجسس على القيادات السياسية والعسكرية لمصر.
وكانت المخابرات المصرية واعية جيدا لعمليات التجسس الأمريكية على الأراضى المصرية.. إلا أنها تعاملت مع هذه الأنشطة بدرجة كبيرة من الحرص عما كانت تفعله فى الماضى.. وكان الاستثناء الوحيد لذلك هو ما أعلنته فى نوفمبر 1988 عندما أعلنت إلقاء القبض على رجل مزدوج الجنسية «مصرى - أمريكى»، هو الدكتور سامى يوسف إبراهيم واصف بتهمة نقل معلومات للمخابرات المركزية الأمريكية عن السياسات المصرية والتطرف الإسلامى ومعلومات أخرى عن منظمة التحرير الفلسطينية.
من جانبها، كانت المخابرات المركزية الأمريكية تتعامل بحذر مماثل ولا تفكر فى الإعلان عن عمليات المخابرات المصرية التى يتم الكشف عنها على الأراضى الأمريكية.. ولم تعلن فى الثمانينيات إلا عن إلقاء القبض على عميل مصرى واحد، مزدوج الجنسية كذلك، هو عبد القادر حلمى، الذى كلفته المخابرات المصرية بمهمة جمع معلومات عن تكنولوجيا الصواريخ الباليستية.. بالنظر إلى تزامن توقيت الإعلان عن العمليتين.. فأغلب الظن إذن أن مصر قد أعلنت عن إلقاء القبض على الدكتور واصف ردا على الإعلان عن اعتقال عبد القادر حلمى. ولكن.. على الرغم من التذبذب صعودا وهبوطا فى علاقات المخابرات الأمريكية والمصرية فى بدايات عهد مبارك.. إلا أن تبادل المعلومات ازدهر فى الثمانينيات بشأن البلاد التى تمثل مناطق اهتمام مشترك للبلدين مثل إيران وليبيا.. إضافة إلى برامج التسليح التى كانت مصر تحصل عليها من الولاياتالمتحدة بعد حرب 1973.. وحصلت المخابرات بدورها على تكنولوجيا وأجهزة مراقبة متطورة فى الثمانينيات وعلى رأسها كاميرات لمراقبة الأماكن العامة.. وأجهزة تنصت متنقلة.. وأخرى للتنصت على التليفونات.. ومن المؤكد أن هذه التكنولوجيا قد زادت من قدرة النظام على إحكام المراقبة على معارضيه وملاحقتهم.. وغالبا أيضا ما استخدمت هذه التكنولوجيا لمراقبة الأجانب المقيمين على أرض مصر.
ولا ينكر أحد اليوم أن كلا من المخابرات المركزية والمخابرات المصرية قد تعاونا فى مجال تبادل المعلومات فى بداية عهد مبارك حول القذافى.. حيث كانت ليبيا تمثل مصدر تهديد على مصر منذ نهاية عهد السادات.. والواقع أن الإطلاع على ملفات المخابرات المركزية حتى اليوم يكشف عن أن حدود التعاون بين جهازى المخابرات فى هذه المسألة ما زال سريا.. لا يكشف التفاصيل الكاملة عن شبكات التجسس المصرية فى ليبيا.. وإن كان من الواضح أن المخابرات المركزية قد اعتمدت على الأجهزة الأمنية والعسكرية المصرية عند تعاملها مع القذافى.. ويمكن القول إن الولاياتالمتحدة قدمت للمخابرات المصرية معلومات عن أنشطة المخابرات الليبية الموجهة لمصر. نعرف مثلا، إن وكالة الأمن القومى الأمريكى قد اعترضت بعض الاتصالات المخابراتية الليبية وأن بعضها تم تمريره إلى مصر بعد تنقيحه.. وأن تعاون المخابرات المصرية والأمريكية ضد القذافى قد شمل دعم الجماعات المعارضة لنظامه.. وعلى أقل تقدير.. فإن المخابرات المصرية كانت تنسق الاتصالات الأمريكية بالجماعات الليبية المعارضة الموجودة على أرض مصر.. ولم تهدأ التوترات المصرية الليبية إلا بعد وساطة سعودية بين عامى 1988 و1989.
على أن التوترات المصرية الليبية لم تكن لتقارن بالتوترات القائمة بين مصر وإيران فى مرحلة ما بعد الثورة الإسلامية.. كانت المخابرات الأمريكية تمد المخابرات المصرية بتقارير ومعلومات حول التحركات الإيرانية ضد مصر.. وكانت المخابرات المركزية غالبا هى مصدر التقرير الذى تداولته الصحف ووسائل الإعلام المصرية يروى تفاصيل اجتماع تم فى فبراير 1987 فى طهران بين مسئولين فى وزارة الأمن والمخابرات الإيرانية.. وبين ميليشيات مصرية.. بدأت بمبادرة من داعية على صلة بالمخابرات الإيرانية هو آية الله محمد على تسخيرى.. وكان الاجتماع يناقش تأسيس جماعة حزب الله المصرية على غرار تلك الموجودة فى لبنان.. ومراقبة قناة السويس.. واستهداف اغتيال عدد من المسئولين المصريين البارزين. وكانت مثل هذه التقارير هى التى أقنعت مصر بطرد دبلوماسيين إيرانيين وقطع العلاقات الدبلوماسية المصرية الإيرانية مؤقتا عام 1987. وفى يونيه 1988 أعلنت المخابرات المصرية عن الكشف عن شبكة إيرانية جديدة كانت تستهدف إشعال ثورة فى مصر عل غرار ثورة الخومينى الإسلامية فى طهران.. من خلال عمليات تخريب وتفجير واغتيالات.. وقالت أجهزة الأمن إن هذه الشبكة متصلة بحزب الله اللبنانى وحزب الدعوة العراقية على الرغم من أنها لن توضح كيفية نجاح ثورة شيعية فى بلد ذى أغلبية سنية مثل مصر.. وإن كان من الواقع أن هذه الشبكة قد اتصلت بالفعل بجماعات الجهاد الإسلامى فى مصر من أجل مزيد من الدعم.
إيران لن تكون وحدها على خريطة الدول التى كانت على عداء مع مصر فى بداية حكم مبارك.. فالعراق أيضا كان أحد مجالات التعاون بين المخابرات الأمريكية والمصرية فى ذلك الوقت.. لقد كانت العراق تحاول أن تحل مكان مصر فى زعامة العالم العربى منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل.. ولم تهدأ العلاقات إلا بعد اندلاع الحرب بين العراق وإيران واضطرار العراقيين للجوء إلى مصر من أجل الحصول على الأسلحة والخبرة التكنولوجية.. وتقول التقارير إن المخابرات المصرية فى ذلك الوقت تعهدت بوقف عمليات جمع المعلومات من الأراضى العراقية مقابل أن يكف العراقيون عن الحشد ضد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
وعندما اجتاح صدام حسين الكويت.. واجهت الأجهزة الأمنية المصرية تحديا جديدا.. تمثل فى جمع معلومات عن القيادة العراقية.. والمعارضة.. وكذلك مراقبة المتطرفين الفلسطينيين المؤيدين للعراق.. ولا شك أن قنوات الاتصال بين الأجهزة المصرية والأمريكية فى تلك الفترة كانت مشغولة للغاية فى تمرير وتبادل التقارير والمعلومات عن الوضع فى العراق.
ومن جانبها تركزت المهمة الأولى للمخابرات العسكرية المصرية على تأمين وحماية القوات المصرية الموجودة فى السعودية خلال حرب العراق والكويت.. من خلال إعداد تقارير عن القدرات العسكرية العراقية وإرسال فرق استطلاع للكويت وربما حتى للعراق.. بينما عملت المخابرات المصرية مع إدارة المخابرات السعودية على جانب آخر لرسم خطة حرب نفسية شاملة ضد المعسكر العراقى.